بمرور سبع سنوات على جريمة فض اعتصام "رابعة العدوية"، التي راح ضحيتها نحو 1300 من أنصار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، لا يمكن نسيان دور لجنة تقصي حقائق "أحداث 30 يونيو" في قلب الحقائق، وتحويل الضحية إلى جانٍ، وهي اللجنة التي ترأسها أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة فؤاد عبد المنعم رياض، الذي توفي عن 92 عاماً في 7 يناير/كانون الثاني الماضي.
وشكلت اللجنة بقرار من الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2013، بغرض تهدئة الرأي العام في الخارج. غير أن تقريرها لم ينجح في غسل أيدي النظام المصري من دماء المعتصمين السلميين في رابعة، بعدما خلص إلى تبرئة ضباط وأفراد الجيش والشرطة، من مسؤولية الدماء المراقة في الأحداث التالية لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013.
حمل تقرير اللجنة المعتصمين العُزل المسؤولية عن قتل المئات من أنفسهم في مجزرة ميدان رابعة العدوية
ومثل قرار تشكيل اللجنة شهادة وفاتها، بعدما اقتصر على بعض القانونيين والأكاديميين، الذين لا يملكون خبرات سابقة في مجال الرصد والتوثيق والتقصي، من دون أن تضم أيا من المنتمين إلى منظمات المجتمع المدني. وجاءت نتائجها أبعد ما تكون عن مبادئ ومعايير لجان تقصي الحقائق، بل لعلها أقرب إلى تحريات الشرطة المصرية في قضية "تتهم فيها المعتصمين والمتظاهرين بقتل أنفسهم".
وحمل تقرير اللجنة المعتصمين العُزل المسؤولية عن قتل المئات من أنفسهم في مجزرة ميدان "رابعة العدوية"، بدلاً من إدانة أفراد الجيش والشرطة المكلفين بفض الاعتصام. وأشرف على إصدار التقرير (آنذاك) أمين عام اللجنة القاضي السابق عمر مروان، الذي كافأه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيينه وزيراً للمجالس النيابية، ثم وزيراً للعدل حالياً.
ودان التقرير الضحية عوضاً عن الجاني، كونه حمل أنصار مرسي المسؤولية عن بدء العنف في فض الاعتصام. مع العلم أن رئيس اللجنة كان له موقف معلن بتأييد الفض قبل تشكيلها، حيث كان ضمن أعضاء الوفد الذي سافر إلى جنيف في 27 أغسطس/آب 2013، للدفاع إعلامياً عما حدث من جرائم في ميدان "رابعة العدوية". وادعى تقرير اللجنة، الذي تلا رياض ملخصه أمام وسائل الإعلام الأجنبية، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أن "إطلاق قوات الأمن للنار صوب المعتصمين كان رد فعل على عنف أنصار الإخوان"، زاعماً أن الشرطة لم تواجه المتظاهرين في اعتصام "رابعة" بضرب النار، إلا بعد الثانية عشرة ظهراً، حين فلت زمام الأمور، وسقط ضحايا في صفوفها. وأضاف التقرير أن "قادة الاعتصام، الذين سلحوا بعضاً من أفراده، لم يقبلوا مناشدة أجهزة الدولة، والمساعي الداخلية والخارجية لفض التجمع سلمياً. وشاركهم المسلحون الذين بدأوا إطلاق النار على الشرطة، من بين المتجمعين، فتسببوا في وقوع الضحايا، من القتلى والمصابين، من جميع الأطراف، بل وقتلوا غيرهم من المواطنين غير المتجمعين".
التقرير جاء لقطع الطريق على تشكيل لجان دولية لتقصي أحداث العنف في مصر
ووفقاً لقول رياض نفسه فإن "التقرير جاء لقطع الطريق على تشكيل لجان دولية لتقصي أحداث العنف في مصر"، وبالتالي لم يكن الهدف من اللجنة هو الانتصار للضحايا، والمطالبة بالقصاص لدمائهم، أو توضيح الحقائق للعالم، بقدر ما كان تبريراً وتسويقاً لجرائم الانقلاب في مصر، لا سيما مع انتفاء صفة الحيادية في جميع أعضاء اللجنة، بحسب مراقبين. وأفاد حقوقيون مصريون مستقلون، حينها، بأن تقرير اللجنة "غير محايد"، و"تبنى الرواية الأمنية حول الفض"، متهمين اللجنة بـ"إهدار حقوق الضحايا وأسرهم"، على اعتبار أن التقرير لم يطالب بالتحقيق مع المسؤولين عن الفض من قيادات الأمن، ومحاسبتهم عن الخطأ الذي وقع منهم.
وقبيل إعلان تقرير اللجنة للرأي العام، أدخلت سلطة الانقلاب في مصر تعديلات موسعة على دستور عام 2014، تضمنت مادة مستحدثة برقم 241، ونصت على "التزام مجلس النواب، في أول دور انعقاد له، بعد نفاذ الدستور، بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية"، وهو القانون الذي لم يصدر حتى الآن.
وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن الدائرة الخاصة بالسيسي بدأت التخطيط لتعديل واسع في الدستور الحالي، ربما تظهر معالمه النهائية منتصف العام المقبل، بعد الانتهاء من انتخاب مجلسي الشيوخ والنواب، واكتمال الغرفتين البرلمانيتين بتشكيل موال تماماً للنظام الحاكم، يتضمن إلغاء عدد من المواد، على رأسها المادة المتعلقة بإصدار قانون للعدالة الانتقالية. وذكرت المصادر أن من بين المواد التي تتجه النقاشات لتعديلها، المادة رقم 226 التي تنظم طريقة تعديل مواد الدستور، وتشترط تقديم التعديل من رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب، وذلك بهدف حذف فقرة تنص على أنه "لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".
ومن بين المواد المقترح تعديلها، المادتان 70 و71 اللتان تمنعان الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، أو مصادرتها أو إغلاقها أو وقفها. وتمنعان أيضاً توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب عن طريق النشر أو العلانية. وتعتبر المادتان حالياً معطلتين. وأشارت المصادر إلى أن دستور عام 2014 ليس قابلاً للاستمرار، وتعديله يتطلب مراحل عدة، تم إنجاز أولها العام الماضي، بإعادة تنظيم هيكل السلطتين التنفيذية والتشريعية، كإتاحة بقاء السيسي في السلطة إلى العام 2030، وبسط سيطرته على القضاء، واستحداث مجلس الشيوخ، فيما تتضمن المرحلة الثانية حذف وتعديل بعض المواد التي تشكل عبئاً على الممارسة العملية للنظام، وتكبل سياساته.