تحليل السمات النفسية للنقيضين كلينتون وترامب

07 نوفمبر 2016
كلينتون هي نقيض ترامب إذ إنّها سياسيّة تقليديّة(Getty)
+ الخط -

ساعات قليلة تفصل عن معرفة اسم الرئيس الأميركي الجديد، وسط احتدام المنافسة بين المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب؛ هيلاري الأوفر حظاً بعد أدائها الجيّد في المناظرات الثلاث التي أبقت على تقدمها رغم فضائح البريد الإلكتروني.

وهذه المناظرات الثلاث وغيرها من المواقف الصائبة والخاطئة للمرشحين، استوقفت الطبيب النفسي، الدكتور همام يحيى، وهو كاتب وباحث مقيم في الولايات المتحدة، ليكشف لـ"العربي الجديد"، الكثير من السمات النفسية لكل من كلينتون وترامب، فضلاً عن تحليل نفسي للناخب الأميركي وللرأي العام.

ترامب المتهور

وحول السمات النفسية العامة لكل من المرشحين وتأثيرها على الحملة الانتخابية، قال يحيى إنّه "كثر الحديث عن أنّ ترامب شخص متهّور ومندفع، وأنّه ليس قادراً على ضبط سلوكه وتصريحاته، وهناك أسباب تجعل هذا التوصيفَ وجيها، لكنّ حملتَه أجادت إلى حدّ ما استغلال هذه النّقطة لصالحه، إذ جعلتْها دليلاً على أصالته ومصداقيته".  

وأضاف: "الحملة استغلت ميزة ترامب لإظهاره بأنّه شخصٌ يقولُ بالفعل ما يؤمنُ به، ولا يلتزمُ بالتّحفظّات الكثيرة التي يخضعُ لها سياسيّو الولايات المتّحدة"، مشيراً إلى أنّه "ما ضاعف من قيمة هذه السّمة النفسيّة لدى ترامب أنّ حملتَه تقومُ أساساً على مُعاداة الطبقة السياسيّة النخبويّة حتى في الحزب الجمهوريّ، واتّهام طبقة السياسيّين الكبار والتكنوقراط بالتحجّر والخضوع لتوازنات معقّدة تشلّهم عن الفاعليّة".

واعتبر يحيى أنّه "حتى لو أدّى ذلك إلى إهمال قضايا مثيرة للجدل لم يُحسَم بشأنِها النقاش وتهمّ قطاعات واسعة من الأميركيّين، إلّا أنّ هذا النقد شديدُ الوجاهة، والتّطابق بينَ خطاب ترامب المعادي للنخبة وتصريحاته غير النخبويّة شكّل بلا شك عاملَ جذب نفسيّ قويّ لدى قطاعات واسعة".

كلينتون التقليدية لدرجة الملل

في المقابل، وصف الطبيب الفلسطيني كلينتون بأنّها "النّقيض التام لترامب، فهي سياسيّة تقليديّة للغاية إلى درجة الملل، وتصريحاتُها ومواقفُها تبدو وكأنّها مأخوذة من كتاب مدرسيّ عنوانُه كيف تكون سياسيّاً ناجحاً في واشنطن؟".

ولفت إلى أنّ "حملة كلينتون ومؤيّديها حاولوا إبراز سمات الدأب والاستمرار وعدم التراجع أو الانسحاب لدى كلينتون لتكوين قصة مُثيرة للإعجاب والإلهام، فضلاً عن الأثر النفسيّ الواضح أو الخفيّ الذي يُحدثُه كونُها امرأة لدى قطاع من النّاخبين".


كاريزميّة ترامب تتفوق على كلينتون

وعن كاريزما المرشحين وتأثيرها على الناخب الأميركي كحال أهميتها في بعض البلدان العربية، رأى الاختصاصي النفسي أنّ "اللعبة السياسيّة في الولايات المتّحدة محتاجة جدا إلى مرشّحين ذوي كاريزما، والدور الذي تلعبُه الكاريزما في الولايات المتّحدة لعلّه أكبر من أيّ ديمقراطيّة أخرى، إذ إن الانتخابات لن تغيّر السياسات، ولكنّها تخلق حالة من المبالغة في الديمقراطية التي تعتبر نخبوية أوليغاركية، في الولايات المتحدة".

ورأى أنّ "ترامب أكثرُ كاريزميّة من كلينتون بلا شكّ، وهو شخصيّة كاريزميّة بالمعنيين الإيجابي والسلبي للكلمة، فهو قادرٌ على خلق انطباع قويّ ومؤثّر لدى القطاعات المهيّأة لقبول خطابِه من حيث المبدأ، لكنّ الوجه السلبيّ لذلك هو حالة القلق التي يسبّبُها شخصٌ من هذا النوع لدى دولة ضخمة كالولايات المتّحدة".

وأضاف: "هناك إذاً تقابلٌ مثير بين جرعة كاريزميّة أكثر من المطلوب لدى ترامب، ونقص شديد فيها لدى كلينتون، وكلا النّمطين ليسا مفضّلين في الانتخابات الأميركية".



هيلاري الملتزمة

وحول سؤال "العربي الجديد" عن المرشح الأكثر تحكماً بأعصابه، شدد يحيى على أنّ "كلينتون أكثر اتّساقاً مع نفسِها وأقلّ تناقضاً في المناظرات من ترامب، لكنّ هذا لا يعكس بالضّرورة ثباتاً انفعاليّاً بقدر ما يمكن أنّ يعكسَ التزاماً منها بتوصيات مساعديها ومخطّطي حملتِها، في مُقابل انفلات ترامب من هذه القيود ومساحة المناورة الأوسع أمامه".

وأوضح أنّ "كلينتون التزمت منذ البداية بدليل الإرشادات وبقيت كذلك، أما ترامب فكان منذ البداية صادماً ومفاجئاً وبالحدّ الأدنى من الضّوابط، وكانت مساحة مناورتِه أوسع".

بين Crooked Hillary و"المتحرش"

وعن التكتيكات التي استُخدمت في المناظرات، شرح الباحث الفلسطيني أنّ "السّمة الأهمّ هي محاولة كلّ طرف تأكيد الصورة التي حاول رسمَها للطرف الآخر، ترامب حاول أنّ يرسمَ لكلينتون صورة السياسيّ الفاسد وغير النزيه من خلال وصفِها باستمرار بـCrooked Hillary، وهذا الوصف له صدى لدى الأميركيّين عدا عن أنّها منخرطة منذ عشرات السّنين في السياسة النخبويّة التي يتّهمُها ترامب بالفساد. لذا، ظلّ المرشح الجمهوري يذكّر بفضيحة الإيميلات الرسميّة".

وتابع يحيى: "حاولت كلينتون تأكيد صورة دونالد المتهوّر والمنفلت من عقاله والذي لا يمكن أن يُخوَّل مسؤولية السلاح النووي، وذلك من خلال استدعاء إهاناته المتكرّرة للنساء وسيل اتّهامات التحرّش الذي تدفّق قبيل الانتخابات، والإهانات المتنوّعة للسود واللاتينيّين وذوي الاحتياجات الخاصّة وغيرهم"، معتبراً أنّ "المنافسة كانت شديدة لمحاولة تأكيد الصورة السلبيّة عن المنافس، واستخدام هذه الصّورة لتنفير الناخبين".

دور الإعلام

ولجهة مدى أهمية الإعلام الأميركي وقيادته للعملية الانتخابية، لفت الاختصاصي في علم النفس إلى أنّه "لا يوجد منحى من مناحي الحياة الأميركيّة لا يؤثّر فيه الإعلام أثراً شديد الوضوح، وينطبق هذا على السياسة من باب أولى"، مبيّناً أنّ "الإعلام في الولايات المتحدة صناعة بليونيّة الحجم وعالية التّوجيه وغارقة في المصالح والارتباطات والتمويل".

وأوضح أنّ "المؤسّسات الإعلاميّة تتخذ بطبيعة الحال موقفاً مؤيّداً لأحد المرشّحَين ومعارِضاً للآخر، وذلك حسب الموقف السياسيّ للمؤسّسة ومموّليها ومصالحِهم، وتُستخدَم سائر الوسائل المشروعة وغير المشروعة لرسم الانطباعات المرغِّبة في المرشَّح المفضّل أو المنفِّرة من المرشّح الآخر، إلى درجة تجعل بعض الأميركيّين يتندّرون عمّا إذا كان الشّخصُ الذي تنقدُه هذه القناة هو نفسُه الذي تمتدحُه القناة الأخرى".

واستدرك أنّ "هناك جانباً آخر للمؤسسات الإعلامية وهو الدور الذي تقوم به في الانتخابات لمصالحِها الخاصّة من قبيل نسب المشاهدة والإعلانات وترجمة ذلك إلى ربح مادّي. كثيرٌ من المتابعين رأوا أنّ التغطية الإعلاميّة الضخمة التي حظي بها ترامب سببُها كونُه مثيراً للجدل، فتغطية أخباره مدرّة للمال".

وخلص إلى أنّ "للإعلام دوراً ذا وجهين: الأول متعلّق بمصالح مموّليه ومواقفهم من المرشّحين، والثاني مرتبط بمصالح المؤسّسات الإعلاميّة نفسِها وما تدرّه الانتخابات عليها من ربح".  


السيدة الرئيسة؟

وعن مدى تأثر الناخب الأميركي بكون كلينتون امرأة وقد تكون سيدة البلاد الأولى، رأى يحيى أنّ "هيلاري شخصيّة غير محبوبة لكثير من الأسباب، منها غيابُ الكاريزما، والتاريخ الطويل من الفضائح التي لم تتوقف، وكونُها منغمِسة في السياسة وألاعيبِها وتوازناتِها في انتخابات طرحت بقوة مسألة الثقة في النظام السياسي، وكونها شخصا يلعب حسبَ القواعد".

وتابع: "يُضاف لذلك أمر شديد الأهمية، هو أنّ كون ترامب هو المرشّح الآخر، جعل الاستحقاق الانتخابي منطوياً على قضايا أكثر تحدّياً بكثير من قضية وصول امرأة إلى الرئاسة. كانت ستكون هذه قضيةَ الانتخابات وشأنَها الأبرز لو كان المناخ ليبيرالياً، والديمقراطيون في مزاج يسمح لهم باستعراض نزعاتِهم التقدمية، لكن هذه الانتخابات طرحت أسئلة أكثر جذريّة بكثير من قضية وصول امرأة إلى الرئاسة، إلى درجة جعلت هذا الأمر منسيّاً".

ورداً على سؤال "العربي الجديد" عن تفسير علم النفس لظاهرة المرشح الديمقراطي السابق، بيرني ساندرز، والتفاف الشباب حوله، قال يحيى إنّ "ساندرز شخصيّة شديدة الكاريزميّة والأصالة ومبهِرة الحضور".

وأضاف: "في هذا المرشح الخاسر، نزوع ثوريّ ورساليّ يُثير الإعجابَ بالفعل، وهو سياسيّ عريق وله مواقف معروفة بمواجهة الطّبقة الأكثر ثراء في البلاد"، مشيراً إلى أنّ "من وُلِدوا في الثمانينيّات والتّسعينيّات ومطلع الألفيّة لا يعرفون الاتحاد السوفييتي ولا الحرب الباردة، ولا تُصيبُهم كلمة (الاشتراكية) بالرّعب". 

"يضاف إلى ذلك، أنّ الجيلَ الجديد أكثر تقبّلا لقضايا التنوّع العرقيّ والجنسي وأقلّ تحفّظاً في قضيّة استخدام الماريغوانا ذات الشعبيّة لدى هذا الجيل، أي أنه جيل أكثر ليبيرالية إجمالاً بالمعنى الاجتماعي. هذه العواملُ كلّها جعلت ساندرز نجماً بأوساط هذه الفئة، إلى درجة فاجأت المراقبين، خصوصاً مدى القبول أو عدم المعارضة، الذي حظيت به كلمة (الاشتراكية) في بلد ينفر منها عموماً"، بحسب يحيى.

سرّ جاذبية ترامب

وحول أسلوب ترامب غير التقليدي بالنسبة للمرشحين الرئاسيين، وتصريحاته المثيرة للجدل، التي لم تفقده شعبيته بالكامل، أجاب يحيى على سؤال "العربي الجديد" حول سرّ جاذبية المرشح الجمهوري عند البعض، وإذا كانت مرتبطة بالعاطفة أو العقل، قائلاً: "الناخبون لا يصوّتون لشخص ترامب فحسب، هناك مقوّمات عدّة، يمكن إيجازها بالتالي:

- قطاع انتخابي يؤيّد المرشّح الجمهوريّ بغضّ النظر عن شخصه، وهذا ينطبق على كثير من البيض في الولايات الجنوبيّة، خصوصاً من غير الحاصلين على تعليم جامعيّ. ولنتذكّر أنّ المرشّح يحصل على أصوات الولاية كاملة في المجمع الانتخابي إذا حصل على أغلبيّة الأصوات في الولاية مهما كان الفارق ضئيلاً بينه وبين منافسه، وبالتّالي فأغلبية جمهوريّة في هذه الولايات تُبطِل جميعَ أصوات المرشّح الديمقراطيّ فيها.

- مصوّتو القضيّة الواحدة "Single Issue Voters" الذين يصوّتون بناءً على موقف المرشح من هذه القضيّة. أشهر قضيّتين في هذا المجال هما الإجهاض وحريّة اقتناء الأسلحة. موقف ترامب من هاتين القضيّتين هو موقف المحافظين التقليدي: ضدّ الإجهاض، وهذا يُكسبُه أصواتَ كثيرٍ من المسيحيين المتديّنين، ومع حرّية اقتناء الأسلحة، وهذا يُكسبه أصواتَ محبّي الأسلحة.

- بعض من مؤيّدي ساندرز، وهذا قد يبدو مفارقة، لكنّ ساندرز عبّأ مؤيّديه ضدّ الطبقة الحاكمة والنظام السياسيّ النخبويّ في واشنطن، وتبنّى قضايا رفع الحدّ الأدنى للأجور وإيجاد الوظائف، وهي قضايا يعزف ترامب على وترها كثيراً وإن كان يقدّم لها حلولاً مختلفة عن حلول المرشح السابق.

- الجمهوريّون الساخطون على مؤسسة الحزب التقليديّة، واليمينيّون البيض الساخطون بعد ثماني سنوات ديمقراطيّة كاملة في البيت الأبيض يرونَ أنّها أخذت الأمور بعيداً عن رؤاهم بأكثر مما يمكن احتمالُه، خصوصاً في موضوع الهجرة التي يرى بعضُ اليمينيّين الغاضبين أنّها تغيّر في ديموغرافيّة الولايات المتّحدة".

وشدد الطبيب الفلسطيني على أنّه "لجهة محبي ترامب لشخصه، فالإعلام الليبيرالي ارتكب خطأً، إذ أظهر المؤيّدين كأنهم فاشيّين عنصريّين أغبياء يؤيّدون مليونيراً منفلتا من عقاله وذا شخصيّة منحرفة على أكثر من مستوى".

ورأى أنّ "ترامب استطاع استغلال كثير من القضايا المحقّة والضرب على أعصاب مكشوفة، فحظي بتأييد غيرمتوقّع رغمَ أنّه لا يقدّم حلولاً منطقيّة للقضايا التي تعني المجتمع الأميركي وتحدّث عنها بقوة، دون أي نتيجة".

المساهمون