تظاهرات السويداء تتشح بالسواد.. والوضع الأمني يشي بالانفجار

19 يوليو 2024
جانب من احتجاجات السويداء، 19 يوليو 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

اتّشحت ساحة الكرامة في سياق تظاهرات السويداء، اليوم، في جمعتها الأولى من الشهر الـ12 لانطلاق الاحتجاجات الشعبية في المحافظة الواقعة جنوبي سورية، بالسواد حزناً على شهيدها مرهج الجرماني قائد فصيل "لواء الجبل"، وأحد أركان ومؤسسي وقفة الساحة، الذي اغتيل قبل يومين في منزله بمسدس كاتم للصوت. وتحولت ساحة الكرامة إلى مكان للتأبين والعزاء، بينما ندد المحتجون بجريمة اغتيال الجرماني، وتباينت مواقفهم بين مطالبين بـ"القصاص العادل وتفعيل دور القضاء والضابطة العدلية"، والثبات على "منهج النضال السلمي حتى آخر الطريق"، وبين أصوات تطالب بالثأر للجرماني وجواد الباروكي (أول قتيل في تظاهرات السويداء في 28 فبراير/ شباط الماضي).

كما أحيا المشاركون في تظاهرات السويداء المطالبة بالثأر للشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة "رجال الكرامة"، ورفاقه الذين اغتيلوا في العام 2015، محملين النظام السوري وقواه الأمنية المسؤولية المباشرة عن كل الجرائم بالمحافظة. ورغم محاولات الترهيب التي مورست خلال الأيام الأخيرة، شهدت ساحة الكرامة إقبالاً كبيراً من المحتجين لم تشهده منذ أشهر. وأكد المحتجون في تظاهرات السويداء أنهم "مستمرون في المشاركة، وأن عمليات الترهيب والاغتيال لن تزيدهم إلا إيماناً وإصراراً على متابعة مسيرتهم الهادفة للتغيير السياسي في سورية بشكل سلمي، وستفوت الفرصة على النظام لجر المحافظة إلى العسكرة والاقتتال".

وفي هذا السياق، قال أحد المقربين من الجرماني لـ"العربي الجديد": "غريمنا مكشوف ومعروف للقاصي والداني، يحاربنا بقوة السلاح، ويسعى لجرنا نحو العسكرة لخلق مسوغات له للتدخل العسكري وفرض السيطرة على المحافظة، لكننا لن نمنحه هذه الفرصة". وتابع شريطة عدم كشف هويته: "نحن نمتلك الإرادة والتصميم للاستمرار بالحراك السلمي"، مشددا: "علينا تحكيم العقل وعدم الانجرار إلى نزاع غير متكافئ، وندرك أن أي استخدام للسلاح يصب في خدمة السلطة، وفي النهاية، نحن في أرضنا وبيوتنا بين عائلاتنا وأطفالنا، بينما هم في محمياتهم العسكرية، لذلك لن نكون أداة لزعزعة أمن واستقرار المحافظة كما يريد هذا النظام المجرم".

مشاركة في تظاهرات السويداء: طفح الكيل

مشاركة في تظاهرات السويداء اليوم، فضلت الاكتفاء بذكر اسمها الأول ميسون، قالت لـ"العربي الجديد": "لقد طفح الكيل، لم نعد نحتمل"، مشيرة إلى أن هذه أول مرة تخرج فيها إلى ساحة الكرامة. وأضافت: "بعد مقتل الجرماني الذي أعرفه جيداً من خلال علاقته بأخوتي وزوجي، وأعرف مسلكه رغم أنني كنت أختلف معه بوجهات النظر، أيقنت تماماً أننا نحن الذين كنا نواكب إعلام السلطة كنا فعلاً مغيبين".

وتابعت: "أقسم أنني كنت أصدق كل روايات إعلام السلطة عن تظاهرات السويداء وكنت من المتابعات لكل حلقات من يدعي أنه إعلامي استقصائي، إلى حين تبين لي قبل يومين كذب تلك الروايات"، داعية "من يديرون سمعهم لإعلام السلطة أن ينظروا بعينهم إلى المجريات على أرض الواقع"، فالحقيقة بحسب تعبيرها "بينة وواضحة وضوح الشمس، محتجون يصرون على السلمية وسلطة تصر على جرهم للعسكرة".

تصاعد أعمال بعد تعيين محافظ جديد

من جهة أخرى، أخذت مجريات الأحداث بالتسارع قبل نحو شهرين، حيث عادت جرائم الخطف والقتل والسرقة وبشكل يثير الريبة، ما يربطه أغلبية سكان السويداء بتعيين النظام أكرم محمد علي محافظاً للسويداء، وهو المشهور بجرائمه ضد المدنيين في حلب، والمعروف عنه أنه "بارع في الألاعيب الأمنية".

وشهدت المحافظة خلال الأسابيع الأخيرة أعمال عُنف طاولت عددا من الأشخاص في مناطق عدة من المحافظة وعمليات إطلاق نار وتفجيرات ليلية مرعبة للأهالي والأطفال، إلى جانب نشر الإشاعات عبر حسابات وهمية كثيرة على وسائل التواصل، تركز بثها عبر صفحات إعلامية اكتشف قبل سنوات أنها تدار من الأقبية الأمنية. المحافظ الذي ظهر خلال لقاء مع ممثلين عن البلديات والفرق الحزبية قبل يوم من اغتيال الجرماني، أكد للحضور مراراً أن مهامه تتمثل في "تقديم الخدمات الضرورية للمحافظة وحل المشاكل العالقة"، وفي مقدمتها أزمة المياه الخانقة وأزمات الوقود والكهرباء. وحتى اللحظة، لم يسهم وجوده في تحسين الواقع المتردي للخدمات التي يعد بإصلاحها، على خلاف ما يبدو أنه جاء فعلا لحله، وهو أزمة العصابات، كما يرى أهالي المحافظة الذين تأكدوا من أنه استطاع فتح الباب أمام عودة نشاطها بعد عشرة أشهر من ركود ممارساتهم بشكل واضح.

تعليقاً على ذلك، قال الناشط أيمن نوفل لـ"العربي الجديد" إن "السلطات الأمنية استطاعت زعزعة استقرار المجتمع المحلي منذ حضور المحافظ الجديد والتعزيزات العسكرية"، موضحا أن ذلك يحصل "عبر بث الإشاعات والأكاذيب والتشهير بالأعراض والتحريض على العنف ودخول الجيش للضرب بيد من حديد، عبر مواقع إعلامية وحسابات بأسماء وهمية، وبحسابات مزورة تحمل أسماء ناشطين من المحافظة، وهذا كله بالاعتماد على معلومات وفبركات لدى الأجهزة الأمنية وعلى أزلام السلطة داخل المحافظة".

وأضاف نوفل: "لقد استغل المحافظ وأجهزته الأمنية والرديفة خصوصية المحافظة للطعن بالعادات والتقاليد المعروفة وضرب تظاهرات السويداء والمؤيدين للحراك من رجال الدين والوجهاء من خلال التشهير بالنساء والرجال المشاركين في الحراك، وأحيانا باعتماد الحسابات المزورة بأسماء الناشطين لقذف الأعراض بهدف إثارة الفتن والقلاقل".

قرصنة وذباب إلكتروني

من جانبه، أشار مشير البني (اسم مستعار للضرورة الأمنية)، وهو أحد أفراد الفرق المختصة بما يعرف بـ"القرصنة الأخلاقية"، إلى أنه "بعد تتبع الكثير من هذه الحسابات الوهمية والمزورة من خلال النفق والرموز التعريفية و(IP) عناوين البروتوكول، من خلال استخدام المعدات والأدوات الإلكترونية الخاصة بذلك، تبين أن معظمها يرتبط ببعض وفق شبكة لا زلنا نعمل على الوصول إلى رأس الهرم فيها".

وحذر البني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من أن "الذباب الإلكتروني يقوم بنسخ بعض الحسابات بشكل ممنهج، وعمل نسخ عن حساب نشطاء ومواطنين، سواء من الحراك أو من حسابات الموالين للسلطة، فترى أحيانا حسابين أحدهما مزور باسم ناشط من الحراك، وآخر مزور باسم مواطن آخر من الموالين للسلطة يتبعان لنفس عنوان البروتوكول، ما يؤكد أن هنالك جهة تسعى لإحداث البلبلة والفتنة". وأضاف: "لن نجزم بالنتائج حتى نصل خلال يومين إلى رأس الهرم، كي لا نقع في مطبات التشكيك، رغم وضوح المسألة".