الانتخابات السورية في لبنان: التشبيح بصناديق الاقتراع

بيروت

حسين بيضون

avata
حسين بيضون
28 مايو 2014
49D14F00-B1C5-4276-8C2E-1153C66A0060
+ الخط -

غصّت شوارع بيروت بالسوريين المقيمين في لبنان، منذ الساعة الخامسة من صباح اليوم، باتجاه منطقة اليرزة، حيث يوجد مقر السفارة السورية، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية السورية.
واستيقظ سكان منطقة بعبدا واليرزة  على زحمة سير خانقة، وأصوات أغاني مؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد، وأعلام النظام السوري تجتاح المكان. وبالطبع، لم تنافسها سوى أعلام حزب الله. شباب وشابات يرقصون على أنغام اغنية " الله وسوريا وبشار". كان المشهد مستفزاً لبعض اللبنانيين، فصرخت سيدة لبنانية عالقة في سيارتها بزحمة السير والصدمة بدت على وجهها: "إذا هم كلهم معه (الأسد) فليذهبوا الى وطنهم ويقاتلوا، هنا لبنان وليست قرداحة السورية".
انتظر بعض الناخبين أكثر من 4 ساعات في سياراتهم. منهم من قرر ان يسير مسافة طويلة على قدميه للوصول الى السفارة بدل الانتظار. آخرون تعبوا من السير، فجلسوا على الرصيف، أو عادوا إلى منازلهم. من قرر الانتظار، اعتبر الأمر تحدّياً. أحد هؤلاء عصام عدرا. يقول الرجل الأربعيني لأصدقائه: "يجب ان نكمل مسيرتنا، ويجب ان نصل الى السفارة، لأجل محاربة الإرهاب، ولأجل بشار الذي حارب سورية"... ينتبه لما قاله، فيُعيد صياغة الجملة: "أعني الذي حارب لأجل سورية 4 سنوات".


أمام مبنى السفارة السورية في اليرزة (شرق بيروت)، في إحدى أثرى المناطق اللبنانية، ينقلب المشهد تماماً. استبدلت الأناشيد بالصراخ، وعصي الأعلام استعملت للضرب. وبدل الفرحة، حالات اغماء استدعت تدخل سيارات الإسعاف لنقل المصابين. الجيش اللبناني بحالة هستيرية. يضرب ويصرخ. عمّت الفوضى المكان. المفاجأة الكبرى كانت في حرس السفارة السورية، أو ربما، هي ليست مفاجأة. استعاد هؤلاء أسلوب القمع الذي يعتمده الأمن السوري كلما رأى أكثر من عشرة أشخاص مجتمعين. أقفل الحراس أبواب السفارة أمام الناخبين. ثم بدأوا بضرب المواطنين السوريين بعصي الخشب. قد يكون الأمر ترجمة مباشرة لهتاف: "بالروح بالدم نفديك يا بشار". سيطر الهرج والمرج على المشهد. يصرخ أحد الناخبين: "أنا هنا منذ ساعات ولم انتخب بعد، لن أذهب قبل أن أصوّت لبشار الأسد". يرد عليه آخر من مكان قريب: "لم نُهَنْ في الحرب كما يحصل معنا هنا. أتينا حتى نقترع، وليس لنتعرض للضرب والإهانات".
دفع المشهد أمام السفارة السورية بعض اللبنانيين للمطالبة برحيل من انتخب "لأن لا خطر أمنيّاً عليه في حال العودة إلى بلاده". لكن تدقيقاً في ما جرى، يُظهر أن الأمر نتج عن ماكينة إعلاميّة ذكيّة. فمنذ الصباح، بدأت عشرات السيارات المستأجرة، وأخرى تحمل لوحات لبنانية بالتجول، مما أدى إلى زحمة السير، علماً بأن اللاجئ لا يحق له قيادة سيارة لبنانيّة أو استئجار سيارة، بل هذا يحق لمن يحمل إقامة لبنانيّة. ثم، أتى دور الباصات التي ركنت في الطريق الدولي، مما أدى إلى إغلاق السير، وساهمت إجراءات الجيش اللبناني في تضخيم المشهد، وخصوصاً أن الأخير أغلق الطرقات الفرعية المحيطة، كونها ضمن منطقة عسكرية، وتحوي وزارة الدفاع والمدرسة الحربية وكلية الأركان وسكن الضباط وغيرها من المراكز العسكريّة المحاذية للقصر الجمهوري.


كما انتشرت بين اللاجئين السوريين أنباءٌ مفادها أن أسماء من لم ينتخب ستوضع على الحدود وفي السفارة، وسيُمنع هو أو أقرباؤه من الحصول على أية ورقة من السفارة. ولا يزال اللاجئون السوريون في لبنان يستعينون بالسفارة للحصول على أوراق ثبوتية. كما تحدثت معلومات أخرى عن قيام جهات حزبية لبنانيّة، بالضغط على اللاجئين السوريين لإجبارهم على الذهاب إلى السفارة. وقد صودرت هويات البعض، وقيل لهم، "تحصلون عليها في السفارة". يُضاف إلى ذلك، حصر مراكز الاقتراع في مقر السفارة، بعكس ما يجري عادة، حيث يتم تخصيص مراكز في كل محافظة.
رغم كلّ هذا الحشد والضغط وإغلاق أبواب السفارة أمام الناخبين، فإن أعداد المشاركين تُحصى بالآلاف، وفي أحسن الحالات بضع العشرات من الآلاف، بينما يوجد في لبنان، ما بين مليون ونصف المليون ومليوني مواطن وعامل سوري، بحسب الأرقام غير الرسمية التي يتداولها الوزراء اللبنانيون المعنيون بهذا الملف.
وفي استكمال للمشهد، أعلن السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم علي، تمديد الانتخابات يوماً إضافياً حتى منتصف ليل الخميس. ودعا علي السوريين الذين لم يتمكنوا من "تسجيل أسمائهم او منعتهم الظروف، إلى التوجه إلى أحد المراكز الانتخابية على المنافذ الحدودية في 3 يونيو/حزيران، تزامناً مع الانتخابات داخل سورية".
أحد الخبثاء يتذكّر جيداً أن كل ما حدث اليوم، من "عراضة تشبيحية" للموالين للأسد، حصل بعد أن أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية، الأسبوع الماضي، منع أي نشاط أو تجمّع سياسي للاجئين السوريين.

 

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون