يؤشر اعتراف الرياض، بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، إلى دخول الاقتصاد السعودي مرحلة جديدة عنوانها "دفع الثمن" وفق ما يقول خبراء اقتصاد.
تداعيات الأزمة لم تعد مقتصرة على انسحاب شركات ومؤسسات مالية عالمية ومسؤولين كبار في دول أوروبية من مؤتمر اقتصادي مهم في الرياض، وإنما هناك مخاطر حقيقية ستواصل ملاحقتها للسعودية وتستنزف أسواقها مع هروب المزيد من رؤوس الأموال، لاسيما المحلية، بالإضافة إلى احتمال "خنوع المسؤولين السعوديين لصفقات بمئات مليارات الدولارات لتجنب عقوبات أميركية".
ووفق بيانات جمعتها "العربي الجديد" عن خسائر الأسهم السعودية منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بلغت الخسائر نحو 72.9 مليار ريال (19.4 مليار دولار)، وذلك رغم المشتريات القوية التي قامت بها مؤسسات حكومية، في إطار ما اعتبره محللون ماليون " تدخلا للمال السياسي لإنقاذ السوق من الانهيار" على خلفية قضية قتل خاشقجي التي طاولت الاتهامات فيها مسؤولين كبارا منهم مستشارون لولي العهد محمد بن سلمان حتى الآن.
وتراجعت القيمة للأسهم المدرجة في البورصة السعودية إلى 1826 مليار ريال (486.9 مليار دولار)، مقابل 1898.9 مليار ريال (506.3 مليارات دولار) قبل ذلك التاريخ، في ظل عمليات بيع واسعة للمستثمرين الأفراد الذين سيطر الفزع عليهم من دخول البلاد مرحلة عدم يقين في ظل تصاعد أزمة اختفاء الصحافي السعودي.
وأقرت الرياض بمقتل خاشقجي، غير أنها أرجعت الواقعة إلى "شجار" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ما دعا العديد من الدول الغربية ومنظمات دولية باستثناء الولايات المتحدة إلى التشكيك في الرواية السعودية.
ولا يرى مسؤول كبير في أحد بنوك الاستثمار الخليجية، فضل عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد" أن الاعتراف السعودي سيوقف نزيف الأسهم السعودية والاقتصاد بشكل عام، وإنما "يؤشر لمرحلة جديدة يزيد فيها دفع الثمن بهروب المزيد من رؤوس الأموال المحلية للخارج وعزوف المستثمرين الأجانب عن السوق السعودية".
وأضاف: "ربما تشهد المملكة ضغوطا كبيرة من قبل الشركات الأجنبية للحصول على ضمانات حال موافقتها على دخول السوق، كما سيكون لغض الطرف الأميركي عمن أمر بقتل خاشقجي بشكل حقيقي ثمن كبير يصل إلى مئات مليارات الدولارات، وقد يصل الرقم إلى ما يفوق تصور البعض، نتوقع اضطرار المسؤولين السعوديين إلى ما يشبه الخنوع أمام الشروط الأميركية المحتملة لإخراجهم من الورطة".
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للصحافيين عقب إعلان السعودية عن "مقتل خاشقجي في شجار" داخل القنصلية في إسطنبول إن التفسير الذي قدمته السعودية "معقول"، مضيفا "أعتقد أنها خطوة أولى جيدة. إنها خطوة كبيرة"، مشيرا إلى أهمية صفقات السلاح الضخمة مع السعودية بالنسبة للوظائف الأميركية.
وحاولت السعودية مهادنة الإدارة الأميركية، بالإعلان قبل أيام عن استعدادها لزيادة إنتاج النفط، متراجعة عن نبرتها التصعيدية، يوم الأحد الماضي، بالرد على أي عقوبات، بعدما هدد الرئيس الأميركي بـ"عقاب قاس" للرياض إذا صح تورطها في اختفاء خاشقجي.
وكان خاشقجي، وهو من المنتقدين البارزين لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يحمل إقامة أميركية ويكتب مقالات في صحيفة واشنطن بوست، وظلت السعودية تنفي على مدى أسبوعين أي علاقة لها باختفائه.
وقال روجر جريث المحلل المالي في الشركة الدولية للاستثمار بالكويت لـ"العربي الجديد" إن البورصة السعودية التي ينظر لها على أنها مرآة الاقتصاد تمر حاليا بأسوأ مراحلها، هناك قلق متزايد بين المستثمرين عن القادم، خاصة بعد اعتراف الرياض بمقتل خاشقجي.
وبدت المخاطر الاقتصادية، التي تتعرض لها السعودية، أكثر إرباكاً للمشهد في البلد الخليجي الغني بالنفط، وأكبر مصدر للخام في العالم، ولم تعد هذه المخاطر تقتصر على الشركات والمؤسسات المحلية العاملة في هذا البلد، وإنما امتدت إلى شركائه في الخارج أيضاً.
وقال صلاح الريس أحد كبار مديري الصناديق في الخليج إن المناخ السياسي سيطر على الأوضاع الاقتصادية في السعودية، حيث من المتوقع أن يزيد تفاعل السوق بالسلب مع قضية خاشقجي ويكون الاقتصاد السعودي برمته ضحية نتيجة السياسات والإجراءات التي أقدم عليها المسؤولون في هذا البلد.
وبلغت تكلفة التأمين على الديون السعودية أعلى مستوياتها في نحو 4 أشهر، يوم الجمعة، مع تنامي التوترات بشأن قضية خاشقجي. وأظهرت بيانات آي.اتش.إس ماركت أن عقود مبادلة مخاطر الائتمان السعودية، التي يشتريها المستثمرون للتحوط في مواجهة مخاطر التعثر في السداد، ارتفعت إلى مئة نقطة أساس للمرة الأولى منذ يونيو/حزيران.
كما تعرض مؤتمر مستقبل الاستثمار، الذي تطلق عليه السعودية "دافوس في الصحراء" لضربة قاتلة، في ظل الإعلان المتلاحق من قبل الشركات العالمية والمسؤولين الغربيين عن عدم المشاركة بالمؤتمر المقرر في الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وانضمت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريس بين، ووزير التجارة سايمون برمنغهام إلى المقاطعين، وفق بيان مشترك، أمس السبت.