استمرار المواجهات بالحسكة: قطع الطريق أمام الأكراد بالشمال السوري

رامي سويد

avata
رامي سويد
20 اغسطس 2016
36E93300-74BA-4C78-BEE0-1F7F3D558BF3
+ الخط -
استمرار التصعيد العسكري، لليوم الثاني، في مدينة الحسكة (شمال شرقي سورية)، بين قوات النظام السوري ومليشياتها وقوات "حماية الشعب" الكردية، يُنذر بتغييرات جذرية بالواقع الميداني في الشمال السوري على حساب الأكراد، والذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، وسط موجة نزوح للمحاصرين في أحياء المدينة.

وتجددت الاشتباكات، أمس الجمعة، بين "الدفاع الوطني" التابع للنظام وحلفائه من جهة وقوات الأمن الداخلي الكردية المعروفة باسم "الأسايش" ووحدات "حماية الشعب" التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي من جهة أخرى. كما جدّد الطيران الحربي قصفه المدينة، مستهدفاً حي النشوة الشرقية بست غارات، وفقاً لوكالة أنباء هاوار الكردية. وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام عاودت قصف مناطق سيطرة القوات الكردية داخل الحسكة بقذائف الهاون والمدفعية، بالتزامن مع تجدد الاشتباكات متفاوتة العنف في محاور عدة وسط المدينة والقسم الجنوبي منها.

ولفت المرصد إلى أن عدد ضحايا مواجهات الحسكة من المدنيين ارتفع إلى 16، بينهم ستة أطفال، فيما لا يزال عشرات الجرحى يتلقون العلاج بعضهم في حالات خطرة. كما ارتفع عدد قتلى القوات الكردية إلى أربعة، مقابل مقتل خمسة عناصر في صفوف "الدفاع الوطني" والمسلحين الموالين للنظام. وأكد المرصد أن قوات النظام أطلقت قذيفة سقطت على منطقة قرب مكتب العلاقات العامة لقوات "سورية الديمقراطية" التي تشكل قوات "حماية الشعب" عمودها الفقري، بمنطقة المشيرفة، شمالي الحسكة، وسط تحليق مكثف للطائرات الحربية التابعة للنظام.

بدورها، تقول مصادر محلية في الحسكة لـ"العربي الجديد" إن الاشتباكات بين النظام والقوات الكردية تجددت في الحسكة، ظهر أمس الجمعة، بعد ساعات الصباح التي شهدت هدوءاً حذراً تمكّن من خلاله عدد كبير من المدنيين الذين كانوا محاصرين في بيوتهم من النزوح نحو مناطق آمنة.

ويرى مراقبون أن طبيعة هذه المواجهات العنيفة غير المسبوقة تشير إلى حالة طلاق وقعت فعلياً بين القوات الكردية والنظام السوري، بعد أربع سنوات من تقاسم السيطرة بين الطرفين على مدينتَي القامشلي والحسكة أكبر مدن منطقة الجزيرة السورية شمال شرقي البلاد. فعلى الرغم من حصول مواجهات مسلحة سابقاً بين الطرفين في المدينتين، يشير قصف الطيران الحربي النظامي لمواقع القوات الكردية وتوسع المواجهات على نحو غير مسبوق في الحسكة إلى صعوبة الرجوع إلى ما كان عليه هذا التحالف الاستراتيجي العسكري ـ السياسي.

ويرجح مراقبون أن تكون القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي قد افتعلت هذه المواجهات لتجاوز حالة الغضب الشعبي التي تمثلت بتظاهرات مناوئة لها في البلدات الكردية بريف الحسكة، على خلفية اعتقال قوات الأمن التابعة لـ"حماية الشعب" رئيس المجلس الوطني الكردي، إبراهيم برو، منذ ستة أيام، قبل أن تطلق سراحه في وقت لاحق. كما اعتدت قوات "حماية الشعب" على جنازة لأحد عناصر قوات "البشمركة"، وغيرها الكثير من الانتهاكات التي قامت بها هذه القوات ضد مقرات أحزاب المجلس الوطني الكردي (الخصم السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي).

ولا يمنع هذا الاحتمال من اعتبار أنّ التقارب الروسي ـ التركي الأخير سيؤدي، وفقاً لمتابعين، إلى تغيرات في المشهد الميداني، ستكون بلا شك على حساب قوات "حماية الشعب" التي تلقت دعماً جوياً من روسيا ضد فصائل المعارضة في ريف حلب خلال فبراير/شباط الماضي، في ذروة التوتر بين أنقرة وموسكو على خلفية إسقاط تركيا الطائرة الروسية على الحدود السورية ـ التركية في وقت سابق. ويتوقع هؤلاء المراقبون أن توعز موسكو للنظام السوري بالتوقف عن تقديم التسهيلات للقوات الكردية، بل قد تطلب منه فتح حرب مع هذه القوات قد تؤدي إلى استنزافها وتراجعها ميدانياً، وذلك على أساس تفاهم تركي ـ روسي لتحجيم دور القوات الكردية في سورية، بعد تمددها الكبير خلال الأشهر الأخيرة.





وساهم دعم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لقوات "حماية الشعب" الكردية، منذ مطلع العام الماضي، في التمدد على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والسيطرة على مدن عدة في محافظتَي حلب والرقة، لتوصل بذلك مناطق سيطرتها في الجزيرة السورية بمنطقة عين العرب بريف حلب الشرقي، بعد سيطرتها على مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، إثر انسحاب التنظيم منها. وبعد هذا التوسع، اتُهمت القوات الكردية بالقيام بعمليات تهجير واسعة للسكان العرب من تل أبيض وريفها ومناطق سيطرة القوات الكردية في أرياف الحسكة الشرقية والغربية.

وتطور الأمر، لاحقاً، إلى مهاجمة القوات الكردية مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، إذ تمكنت القوات الكردية في فبراير/شباط الماضي من السيطرة على مدينة تل رفعت وبلدة منغ ومطارها العسكري وقرى عدة محيطة بها، بعد انسحاب المعارضة منها على وقع الغارات الروسية العنيفة التي استهدفت مواقعها. كما حقّقت القوات الكردية انتصاراً مهماً لها باستعادة مدينة منبج في الريف الشمال الشرقي لمحافظة حلب، من يد "داعش"، أخيراً، بدعم جوي أميركي، وهو ما عزّز قوتها، مقابل قلق أنقرة من تسهيل هذا التقدم لمشروع إقامة الإقليم الكردي المستقل.

ويبدو أنّ تغير الموقف الروسي تجاه القوات الكردية حاسم في تحديد مدى نفوذ هذه القوات في سورية، خصوصاً مع جهوزية القوات الكردية لهجوم جديد بهدف السيطرة على مزيد من المناطق في ريف حلب، لتصل مناطق سيطرتها الجديدة في منبج بمنطقة عفرين التي تسيطر عليها شمال غربي حلب، وتبسط بذلك سيطرتها على كامل الشمال السوري المقابل للحدود التركية، باستثناء مناطق ريفَي إدلب واللاذقية المقابلة للحدود. ولن يكون هذا الهدف سهل التحقيق في حال استمرت مواجهات الحسكة وأخذت العلاقة بين قوات النظام السوري والقوات الكردية منحى المواجهة المفتوحة في المدينة، لأن ذلك سيستنزف الأخيرة ويجبرها على إعادة حساباتها، والتموضع ميدانياً.

على صعيد آخر، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قيام قوات الإدارة الذاتية باعتقال ما لا يقل عن 186 شخصاً في مناطق سيطرتها في سورية بين 1 و17 أغسطس/آب الحالي، لأهداف سياسية أو لإجبارهم على التجنيد والقتال لمصلحتها. وأوضحت الشبكة في بيان صادر عنها، أمس الجمعة، أن قوات الإدارة الذاتية الكردية، وبشكل رئيسي، قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، صعّدت، أخيراً، عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وقمع الحريات بشكل خطير في مدن القامشلي، وعامودا، في محافظة الحسكة، ومدينة عفرين والقرى التابعة لها بريف محافظة حلب، ما انعكس على مختلف جوانب الحياة، وتسبب بتدهور حرية العمل الصحافي والسياسي لجميع منتقدي سياسة الحزب.



ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.