هي شريكٌ أساسي.. ومناضلٌ كتفٌ بكتف، وداعمٌ حقيقيّ في معركة تحرير الوطن المستمرة، ذات الثورية العذراء الرقيقة، إنها المرأة أو الأنثى أو حوَّاء في كل دول ثورات الربيع العربيّ، خاصةً تلك الثائرة الثورية أبداً.
"حوَّاء" التي تعني الحياة والاحتواء طبقاً لمعاجم اللغة العربية؛ تلك التي تحتضن من دون قهر وتُحيي من دون ذُل، لم تكن يوماً في وضع المشاهدة ترقبُ في سكون هزيلٍ أو في خوفٍ مقيت أو في لا مبالاة، بل أخذت زمام مبادرات عدّة، خاصةً على مدار السنوات الأخيرة قبل الثورة لم يجرؤ رجل أن يأخذها خوفاً من بطش الجلاد، فناضلتْ ضد استعباد عادات الطاغية من استبدادٍ وظلمٍ وفسادٍ وقهرٍ لمجتمعها شأنها شأن شريكها الرجل، وربت أبناءها على أن غذاءهم الحرية والكفاح مهما طالت حلكة المعتقلات وضيقها.
"حوَّاء"، كما أُحب أن أُطلق عليها أو بالأصحّ علينا نحن معشر الفتيات والنساء، حاولتْ وما زالت تحاول بجرأة وشموخٍ أن تمحو من عقل المجتمع ما كان يؤمن به من عبودية واستسلام لتُؤسّس على ذاكرته بُنياناً جديداً يُلائم الحقيقة ووسطية الحياة وتغزل أجنحة الحرية التي يقصها حكام الاستبداد لمواليد شعوبهم حتى لا يفقهه معناها، ربما لم تكن كل النساء هكذا لكن الكثير منهنَّ فعلن من دون أن يدرين، فتولّد الربيع العربي ثورة في كل شابٍ وفتاة نبش أرض الوطن بروحه ليُخرج نبتة الثورة لتُورف بعد قُحولة سنين.
"حوَّاء" كانت وقود الثورات الفعليّ والثغرة التي كسر بها الشعب خوفه من زبانية أنظمة غوليّة اعتبرت الحرية خطيئة عاقبت عليها الجميع بالرجم، وهي الدعم المعنوي والدفع القويّ لآلاف الشباب إلى الأمام والوقوف في ظهورهم لحائط صدٍّ لمنعهم من الفرّ أثناء المُجابهات المُحتدمة مع الأنظمة الغاشمة بآلتها الأمنية والعسكرية الفتاكة التي أطلقتها على الثائرين، هي التي نقشت على روح الثُوّار ومعنوياتهم أسمى آيات الصمود والحماس والثبات وتحمّل آلام الثمن في ميادين المعركة المختلفة كأغنيةٍ للحرية.
إننّي كمشاركةٍ في ثورة يناير والمظاهرات ضد المجلس العسكري والمسيرات ضد انقلاب يوليو/ تموز، الثاني، ومراقبةٍ للوضع الحالي في مصر لم أر في حياتي قطّ قوةً كقوة "حوَّاء" وشجاعةً كشجاعتها وصموداً كما صمدت وقت إلقاء القنابل المسيلة للدموع الحارقة للصدور والرصاص الحيّ والمطاطي والقنص، فقد كنتُ أرى الفتيات لا يلتفتن لأنفسهن ولحالهن بل يُساعدن الشباب في الصفوف المتقدمة والخارج من أتون المعركة يلفه الدخان والمشهد الدموي؛ ويداوين إصاباته، بل كنَّ في الصفوف الأولى من المواجهات يصدح صوتهن هادراً وسط الصخب كرعدٍ يزلزل أسلحة النظام المجرمة القاتلة، وعلى صعيدٍ آخر للمشهد ذاته رأيتُ النساء في شرفات بيوتهم يشاركننا، فبعضهن كنَّ يُمددنا بزجاجات المياه، وبعضهن كنَّ يُحيّينا ويُعلين من الزغاريد لتشجيعنا، وبعض آخر يَبكي عدم استطاعته المشاركة، وبعض يصرخ انتفاضةً من كابوس، إنه المزيج المتلاحم المحبب، هي دائماً ترفض أن تغادر ساحة المعركة، تعلم أن دورها أساسيّ هناك وأنها تحمل مسؤولية النصر أو الهزيمة، تُحرّض أولادها وإخوتها على المشاركة في حماية شرف الحرية والذود عنها وتحطيم أغلال اعتقالها مجدداً، تُعالج المصابين والجرحى، كانت قُرب خطّ النار محاذاةً.
"حوَّاء" الثائرة في ثورات الربيع العربي وعلى رأسها مصر كانت تمتهن العديد من الوظائف في ميادين الحرية، فهي وزيرة للغذاء والتموين، ووزيرة للصحة، كما أنها وزيرة الشؤون الداخلية للميدان، وهي الطبيبة والمُسعفة والمُحمّسة الشاحذة للهمم، وهي أيضاً المُتفقّدة كالأمّ لشؤون الثائرين في خيامهم، المربّتة كالصديقة والأخت على أكتافهم، الرافعة لمعنوياتهم، وهي كذلك المشاركة في الاجتماعات السياسية كثائرة تضع قواعد اللعب مع أنظمة متجذّرة الفساد والقتل أعلن الثوار منذ اليوم الأول للثورات إسقاطها بإرادتهم وسلميّتهم، وهي كذلك الشاعرة والثائرة بحنجرتها وقلمها وألحانها الحماسية وريشتها المبدعة، وهي الشهيدة والمصابة والقائدة، كانت النصف الآخر للرجل ولأول مرة هي شريكته الحقيقية في كل شَيْءٍ يُحرّر وينهض بالوطن.
رأيتُ شجاعتها تتفجّر وسط الضرب والاعتداءات الوحشية للشرطة والعسكر، على حدٍ سواء، عليها أثناء فضّ الاعتصامات والمسيرات المتأججة ثورةً وإرادة، وكيف تحملت أقصى درجات العنف والامتهان والمذلة حتى لا تعود مصر خاضعة خانعة تركع تحت وطأة العذابات المتتالية لبدايات عسكرية أخرى.
وكما رفضتْ الحرّة التحكّم الأبويّ السُلطويّ الذي تُمارسه علينا الأنظمة مُتحجرة الطابع خارج زمانها المتغيّر وسعت جهدها لإسقاطها جنباً إلى جنب مع شريكها الرجل، رفضت أيضاً التحكّم المتسلّط ذاته الذي يُمارسه ضدنا العسكر بقوته المزيفة وهيمنته الخادعة وآلته الإعلامية الكاذبة، فكيف لها بعد اليوم أن تخضع أو يُرهبها جلاد.. أو تخضع الحرّة؟!
الثائرات أثبتن أنّ كل واحدة منهن تصنع أسطورة لتُحيي بها وطن؛ يحتضر ذلاً ويئنّ عبوديةً، فكانت الثورات في الميادين سبباً لغياب النظرة الضيقة وفلسفة التقاليد الفجة والتعامل بالاحتقارية التي كان يمارسها المجتمع معها، فـ "حوَّاء" العربية عانت من موروثات لا علاقة لها بأيّ دينٍ أو بُعد إنساني على مدار عقودٍ وعقود، وأصبحت وصائية المجتمع لا تعدو كونها ذرات تراب تناثرتها الرياح في يومٍ حُرّ.
إن القوة التي تحملها "حوَّاء" داخلها تُخيف أعتى الأنظمة الجبروتية، وتئدُ عروش ظلمها وتُقوّض فساد أركانها، لذا تعمّدت دائماً كسر إرادتها ورجولة الرجال فيها، وكان هذا جلياً في التعمّد البغيض مع سبق الإصرار والترصّد في كسر وتحطيم نفوس الثائرات وامتهان كرامتهن واستهدافهن مباشرةً، تحرّشاً وتعريةً وكشفاً لعذريتهن واعتقالاً وضرباً وتعذيباً واغتصاباً بتكتيك ممنهج، فاختفاءات قسرية وأحكاماً قضائية عدمية المنطق!
لقد كتبت الثائرات "حوَّاء" في سجلّات التاريخ الأبدية: "أنه كان هناك نساء شاركن في ثورات الحرية والكرامة وتحملّنَ آلامها ودفعنَ أثمانها الباهظة ولم يخضعنَ في الوقت الذي كان فيه رجال يقبعون في بيوتهم خائفين يخشون الضرب والاعتقال ويبرّرون بأنهم صوت الثوّار ويتهمونها بانعدام أخلاقها وجرأتها الفاجرة.. عليهم في الأعوام القادمة وبعد تنشّقنا نسمات الحرية ونجاح الثورات لصمود "حوَّاء" أن يئدوا أنفسهم أحياء".
(مصر)
"حوَّاء" التي تعني الحياة والاحتواء طبقاً لمعاجم اللغة العربية؛ تلك التي تحتضن من دون قهر وتُحيي من دون ذُل، لم تكن يوماً في وضع المشاهدة ترقبُ في سكون هزيلٍ أو في خوفٍ مقيت أو في لا مبالاة، بل أخذت زمام مبادرات عدّة، خاصةً على مدار السنوات الأخيرة قبل الثورة لم يجرؤ رجل أن يأخذها خوفاً من بطش الجلاد، فناضلتْ ضد استعباد عادات الطاغية من استبدادٍ وظلمٍ وفسادٍ وقهرٍ لمجتمعها شأنها شأن شريكها الرجل، وربت أبناءها على أن غذاءهم الحرية والكفاح مهما طالت حلكة المعتقلات وضيقها.
"حوَّاء"، كما أُحب أن أُطلق عليها أو بالأصحّ علينا نحن معشر الفتيات والنساء، حاولتْ وما زالت تحاول بجرأة وشموخٍ أن تمحو من عقل المجتمع ما كان يؤمن به من عبودية واستسلام لتُؤسّس على ذاكرته بُنياناً جديداً يُلائم الحقيقة ووسطية الحياة وتغزل أجنحة الحرية التي يقصها حكام الاستبداد لمواليد شعوبهم حتى لا يفقهه معناها، ربما لم تكن كل النساء هكذا لكن الكثير منهنَّ فعلن من دون أن يدرين، فتولّد الربيع العربي ثورة في كل شابٍ وفتاة نبش أرض الوطن بروحه ليُخرج نبتة الثورة لتُورف بعد قُحولة سنين.
"حوَّاء" كانت وقود الثورات الفعليّ والثغرة التي كسر بها الشعب خوفه من زبانية أنظمة غوليّة اعتبرت الحرية خطيئة عاقبت عليها الجميع بالرجم، وهي الدعم المعنوي والدفع القويّ لآلاف الشباب إلى الأمام والوقوف في ظهورهم لحائط صدٍّ لمنعهم من الفرّ أثناء المُجابهات المُحتدمة مع الأنظمة الغاشمة بآلتها الأمنية والعسكرية الفتاكة التي أطلقتها على الثائرين، هي التي نقشت على روح الثُوّار ومعنوياتهم أسمى آيات الصمود والحماس والثبات وتحمّل آلام الثمن في ميادين المعركة المختلفة كأغنيةٍ للحرية.
إننّي كمشاركةٍ في ثورة يناير والمظاهرات ضد المجلس العسكري والمسيرات ضد انقلاب يوليو/ تموز، الثاني، ومراقبةٍ للوضع الحالي في مصر لم أر في حياتي قطّ قوةً كقوة "حوَّاء" وشجاعةً كشجاعتها وصموداً كما صمدت وقت إلقاء القنابل المسيلة للدموع الحارقة للصدور والرصاص الحيّ والمطاطي والقنص، فقد كنتُ أرى الفتيات لا يلتفتن لأنفسهن ولحالهن بل يُساعدن الشباب في الصفوف المتقدمة والخارج من أتون المعركة يلفه الدخان والمشهد الدموي؛ ويداوين إصاباته، بل كنَّ في الصفوف الأولى من المواجهات يصدح صوتهن هادراً وسط الصخب كرعدٍ يزلزل أسلحة النظام المجرمة القاتلة، وعلى صعيدٍ آخر للمشهد ذاته رأيتُ النساء في شرفات بيوتهم يشاركننا، فبعضهن كنَّ يُمددنا بزجاجات المياه، وبعضهن كنَّ يُحيّينا ويُعلين من الزغاريد لتشجيعنا، وبعض آخر يَبكي عدم استطاعته المشاركة، وبعض يصرخ انتفاضةً من كابوس، إنه المزيج المتلاحم المحبب، هي دائماً ترفض أن تغادر ساحة المعركة، تعلم أن دورها أساسيّ هناك وأنها تحمل مسؤولية النصر أو الهزيمة، تُحرّض أولادها وإخوتها على المشاركة في حماية شرف الحرية والذود عنها وتحطيم أغلال اعتقالها مجدداً، تُعالج المصابين والجرحى، كانت قُرب خطّ النار محاذاةً.
"حوَّاء" الثائرة في ثورات الربيع العربي وعلى رأسها مصر كانت تمتهن العديد من الوظائف في ميادين الحرية، فهي وزيرة للغذاء والتموين، ووزيرة للصحة، كما أنها وزيرة الشؤون الداخلية للميدان، وهي الطبيبة والمُسعفة والمُحمّسة الشاحذة للهمم، وهي أيضاً المُتفقّدة كالأمّ لشؤون الثائرين في خيامهم، المربّتة كالصديقة والأخت على أكتافهم، الرافعة لمعنوياتهم، وهي كذلك المشاركة في الاجتماعات السياسية كثائرة تضع قواعد اللعب مع أنظمة متجذّرة الفساد والقتل أعلن الثوار منذ اليوم الأول للثورات إسقاطها بإرادتهم وسلميّتهم، وهي كذلك الشاعرة والثائرة بحنجرتها وقلمها وألحانها الحماسية وريشتها المبدعة، وهي الشهيدة والمصابة والقائدة، كانت النصف الآخر للرجل ولأول مرة هي شريكته الحقيقية في كل شَيْءٍ يُحرّر وينهض بالوطن.
رأيتُ شجاعتها تتفجّر وسط الضرب والاعتداءات الوحشية للشرطة والعسكر، على حدٍ سواء، عليها أثناء فضّ الاعتصامات والمسيرات المتأججة ثورةً وإرادة، وكيف تحملت أقصى درجات العنف والامتهان والمذلة حتى لا تعود مصر خاضعة خانعة تركع تحت وطأة العذابات المتتالية لبدايات عسكرية أخرى.
وكما رفضتْ الحرّة التحكّم الأبويّ السُلطويّ الذي تُمارسه علينا الأنظمة مُتحجرة الطابع خارج زمانها المتغيّر وسعت جهدها لإسقاطها جنباً إلى جنب مع شريكها الرجل، رفضت أيضاً التحكّم المتسلّط ذاته الذي يُمارسه ضدنا العسكر بقوته المزيفة وهيمنته الخادعة وآلته الإعلامية الكاذبة، فكيف لها بعد اليوم أن تخضع أو يُرهبها جلاد.. أو تخضع الحرّة؟!
الثائرات أثبتن أنّ كل واحدة منهن تصنع أسطورة لتُحيي بها وطن؛ يحتضر ذلاً ويئنّ عبوديةً، فكانت الثورات في الميادين سبباً لغياب النظرة الضيقة وفلسفة التقاليد الفجة والتعامل بالاحتقارية التي كان يمارسها المجتمع معها، فـ "حوَّاء" العربية عانت من موروثات لا علاقة لها بأيّ دينٍ أو بُعد إنساني على مدار عقودٍ وعقود، وأصبحت وصائية المجتمع لا تعدو كونها ذرات تراب تناثرتها الرياح في يومٍ حُرّ.
إن القوة التي تحملها "حوَّاء" داخلها تُخيف أعتى الأنظمة الجبروتية، وتئدُ عروش ظلمها وتُقوّض فساد أركانها، لذا تعمّدت دائماً كسر إرادتها ورجولة الرجال فيها، وكان هذا جلياً في التعمّد البغيض مع سبق الإصرار والترصّد في كسر وتحطيم نفوس الثائرات وامتهان كرامتهن واستهدافهن مباشرةً، تحرّشاً وتعريةً وكشفاً لعذريتهن واعتقالاً وضرباً وتعذيباً واغتصاباً بتكتيك ممنهج، فاختفاءات قسرية وأحكاماً قضائية عدمية المنطق!
لقد كتبت الثائرات "حوَّاء" في سجلّات التاريخ الأبدية: "أنه كان هناك نساء شاركن في ثورات الحرية والكرامة وتحملّنَ آلامها ودفعنَ أثمانها الباهظة ولم يخضعنَ في الوقت الذي كان فيه رجال يقبعون في بيوتهم خائفين يخشون الضرب والاعتقال ويبرّرون بأنهم صوت الثوّار ويتهمونها بانعدام أخلاقها وجرأتها الفاجرة.. عليهم في الأعوام القادمة وبعد تنشّقنا نسمات الحرية ونجاح الثورات لصمود "حوَّاء" أن يئدوا أنفسهم أحياء".
(مصر)