بدأ الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ خطة السيطرة على خربة طانا قبل أكثر من 15 عاماً، نظراً لموقعها الاستراتيجي، فهي تقع على السّفوح الغربيّة لغور الأردن، وكان جيش الاحتلال يدعم اعتداءات المستوطنين على الأهالي
بعد نجاحهم في إعادة ترميمه، يحرص أهالي بلدة "بيت فوريك" شرق مدينة نابلس على أداء الصلوات، وخاصة الجمعة، في المسجد المعروف بـ"بيت الشيخ"، في خربة "طانا" الأثرية، الواقعة إلى الشرق من بلدتهم، بهدف دعم أهالي الخربة المعدودين على أصابع اليدين، بعد عمليات التهجير والطرد الواسعة التي تعرضوا لها على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.
قبل أذان الجمعة بنحو ساعتين، ينطلق منسق حملة الدفاع عن "طانا"، ثائر حنني، ومعه العشرات من وسط بيت فوريك نحو الخربة التي تبعد عدة كيلومترات، خشية من قطع الاحتلال الطريق عليهم، وبعد الوصول يجري الاطمئنان على الأهالي، وزيارة المضارب البدوية.
يقول حنني لـ"العربي الجديد": "لا نعرف على وجه التحديد تاريخ بناء المسجد القديم (بيت الشيخ)، لكنه يعود إلى مئات السّنين بحسب أجدادنا، وهو مشيّد من الحجارة والطّين، وكانت تقام فيه الصلوات الخمس لعقود طويلة. مع تكرار الانتهاكات ضد أهالي الخربة، بدأت أعداد السكان تتقلص، خصوصاً مع هدم الجرافات الخيام والكهوف والمغارات التي كانوا يقطنونها، وبعد (طوفان الأقصى) جرى تهديد من سيبقى بالقتل والحرق على أيدي المستوطنين المسلحين الذين دهموا المكان بحماية جيش الاحتلال".
ويشير حنني إلى أن "حملة الدفاع عن طانا عملت بجهود فردية من أهالي بلدة بيت فوريك وبعض المتضامنين، على دعم صمود السكان من خلال مساعدتهم على توفير خيام جديدة، أو إصلاح التالف منها وإعادة نصبها، وكذلك تأهيل الكهوف التي جرى تخريبها، ومد خطوط المياه، خاصة مع ردم الاحتلال والمستوطنين كل عيون الماء تقريباً، ما ضاعف من معاناة البدو الذين لا يجدون ما يروون به عطشهم وعطش المواشي التي يعتاشون على تربيتها لإنتاج الحليب والأجبان".
ويضيف: "المسجد هو أكثر ما يثبت الناس على أراضيهم، وهو رمز ديني يجتمع فيه المصلون خمس مرات يومياً، لذلك شرعنا بترميمه بعد أن كان مغلقاً لسنوات، وسبق أن تحول إلى مدرسة لأطفال الخربة بعد هدم الاحتلال مدرستهم، لذلك عملنا على ترميم الجدران من الداخل، ومد شبكة كهرباء تعتمد على ألواح الطاقة الشمسية، بعد أن قطع الاحتلال خطوط الضغط العالي، وترك البلدة برمتها تعيش في ظلام دامس، إضافة إلى فرشه بالسجاد، وصنع منبر خشبي".
ويقود حملة إنهاء الوجود الفلسطيني في الخربة مستوطن يدعى "كوبي"، وهو أحد غلاة المستوطنين الذين يقودون "الاستيطان الرعوي" بالضفة الغربية، ويقيم بؤرة على مئات الدونمات من أراضي "بيت فوريك"، ولم يترك في الخربة خيمة أو كهفاً قائماً من دون تهديد، حتى إنه يعمل على تدمير خلايا النحل وألواح الطاقة الشمسية بحماية من قوات الاحتلال التي كانت تستدعي جرافات عسكرية لهدم وتجريف وترويع الفلسطينيين.
ويؤكد ثائر حنني أن "الاحتلال ومستوطنيه لم يتركوا وسيلة ولا إجراءات إلا ومارسوها ضد أهالي الخربة خلال السنوات الماضية لإجبارهم على الرحيل، لكن لا مجال للقبول بالأمر الواقع، لذا كنّا عقب كل عملية تدمير نباشر بإعادة البناء، وتوفير الخيام وألواح الطاقة الشمسية، وإعادة ترميم الكهوف وحظائر الأغنام، وزراعة الشجر".
ويقول الناشط الفلسطيني أحمد نصاصرة، لـ"العربي الجديد"، إن "بيت الشيخ أدى دوراً كبيراً في الحفاظ على استمرار العملية التعليمية في الخربة، عندما تحول من مسجد إلى مدرسة. لم يكن هناك حل بديل بعد أن سوت آليات الاحتلال مدرسة الخربة الوحيدة بالأرض قبل ثلاث سنوات تقريباً، بحجة أنها بُنيت من دون ترخيص في موقع مصنّف (ج) حسب اتّفاق أوسلو، الأمر الذي اضطر الطلبة إلى الذهاب إلى مدارس بيت فوريك، وهي رحلة شاقة وخطيرة، فالمسافة تبلغ نحو 8 كيلومترات، وتربطها طرق ترابيّة يصعب سلوكها بالمركبات الخصوصيّة".
يتابع نصاصرة: "تطور الأمر إلى ترك الناس الخربة إلى بيت فوريك، ومن أجل إعادة العائلات وإنعاش الحياة في الخربة توافقنا على استغلال بيت الشيخ، عبر تحويله إلى غرفة صفية حتى إعادة بناء المدرسة. كانت الغرفة تفتقر إلى المقوّمات الأساسيّة للدراسة، من سبّورة، ومقاعد دراسيّة، ووسائل تعليميّة، أو حتّى دورات مياه. كأن الزّمن عاد بنا مئات السّنين إلى عهد الكتاتيب، لكن لم يكن باليد حيلة".
يضيف: "بعد جهود جبارة، تمكن الأهالي بدعم حكومي وأهلي من بناء غرفتين صفيتين، وحمايتها بالأسلاك الشائكة خشية اقتحام المستوطنين، وبالتالي عاد طلبة الخربة للدراسة فيهما، وحينها اتفق الناشطون على إعادة (بيت الشيخ) إلى دوره الأصلي مسجداً يرفع فيه الأذان وتقام فيه الصلوات الخمس".