استمع إلى الملخص
- تحديات فرق الدفاع المدني: تواجه فرق الدفاع المدني صعوبات كبيرة بسبب الذخائر غير المنفجرة، مما يعرض حياتهم للخطر ويعقد مهامهم بسبب نقص الإمكانات، لكنهم يواصلون العمل بشجاعة لإنقاذ الأرواح.
- جهود التوعية والمناشدات الدولية: تعمل منظمات مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر على توعية السكان، بينما يناشد المسؤولون المنظمات الدولية للتدخل وإزالة هذه المخاطر لدعم إعادة الإعمار والتنمية.
تتواصل التحذيرات من مخاطر وجود أعداد كبيرة من الصواريخ والقذائف غير المنفجرة في أنحاء قطاع غزة، إذ يمكن أن تنفجر في أي وقت موقعة الكثير من الشهداء والمصابين، خصوصاً الأطفال
استيقظ خليل سهيل ماضي (25 سنة) فزعاً في الواحدة فجر 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، على صوت صاروخ إسرائيلي اخترق بناية سكنية مكونة من أربع طبقات يتواجد فيها بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وتؤوي نحو 80 نازحاً.
سقط الصاروخ وسط الغرفة التي ينام فيها خليل مع شقيقته حلا ووالده وطفلين يتيمين من أبناء عمه، وهم الناجون من مجزرة ارتكبها الاحتلال بحق العائلة في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2023، واستشهد فيها 25 فرداً. لكن الصاروخ لم ينفجر هذه المرة، فكتبت لهم حياة جديدة.
لم يدرك الطفل خليل أحمد ماضي (ثلاث سنوات)، والذي فقد والديه وشقيقاته في المجزرة الأولى، حقيقة ما جرى، لكن الصاروخ ذكره بالمجزرة السابقة، بينما الطفل محمود عبد الرحمن ماضي (10 سنوات)، كان يشاهد الصاروخ غير المنفجر بصمت، فيما تستعيد ذاكرته مشاهد المجزرة الأولى التي فقد فيها والديه وسبعة من أشقائه.
يقول الشاب خليل ماضي لـ "العربي الجديد": "كنا نائمين، واستيقظنا على الصوت، ولم نكن نعلم ماذا يجري في البداية، وبعد زوال الغبار الذي أحدثه اختراق الصاروخ للسقف، وجدناه بيننا. كنت مصدوماً من المشهد مثلما كنت مصدوماً حين استشهاد معظم أفراد عائلتي في المجزرة السابقة. ركضنا إلى خارج الغرفة، وسادت حالة من الهلع والخوف والصدمة بيننا. خرجت كل العائلات من البناية خشية انفجار الصاروخ. فقدت بالمجزرة الأولى جدتي وأعمامي الأربعة وأولادهم، وكان يمكن أن نلحق بهم، وتمحى العائلة من السجل المدني، لكن قدر الله أن ننجو".
بات خليل ليلته خارج البيت بانتظار حلول الصباح، ولم تعد أي عائلة نازحة إليه، ورغم تواصلهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعدة جهات ومنظمات لإخراج الصاروخ، ظل في مكانه لأن إزالته تحتاج إلى تنسيق مع جيش الاحتلال. ويقول: "أخبرونا أنه صاروخ حساس، وقد ينفجر، ومنعونا من الاقتراب منه، بالتالي لم نعد إلى المنزل".
ولم تنفجر نحو 10% من القذائف والقنابل التي ألقاها جيش الاحتلال على قطاع غزة، ما يجعلها أشبه بقنابل موقوتة منتشرة في الشوارع والأحياء السكنية وبين ركام المنازل المدمرة والأراضي الزراعية، وهي تشكل تهديداً لحياة السكان، إذ يمكن أن تنفجر في حال قصف المكان مجدداً. وحذرت منظمة "هانديكاب إنترناشونال" الدولية، من أن الذخائر غير المنفجرة ستكون واحدة من أكبر المشكلات على المدى الطويل في قطاع غزة، مؤكدة وجودها في أنحاء عدة من القطاع.
وإضافة إلى الصواريخ غير المنفجرة التي تسقط من الطائرات، تنهال قذائف المدفعية العشوائية على مناطق عديدة من قطاع غزة، وبعضها لا ينفجر، وقد أصابت إحداها شقة الفلسطيني بلال العدوي في مخيم النصيرات، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بعد اختراقها الجدران، ما تسببت بفتحة كبيرة وأضرار، لكنها لم تنفجر.
ويروي شقيقه علي العدوي لـ "العربي الجديد": "سقطت قذيفة المدفعية، وهي من العيار الثقيل على الطابق الثالث من المنزل، ما أدى لتدمير الغرفة التي سقطت فيها. لم يكن أحد موجوداً وقت سقوط القذيفة التي لم تنفجر. لكنها اخترقت الجدران، وترافق مع ذلك انتشار غبار كثيف غطى المكان، وآثار حالة من الذعر الشديد. تمكنا من التواصل مع جهاز الدفاع المدني، والذي قدم لنا إرشادات حول كيفية التصرف، وإزالة الخطر المترتب على القذيفة، وتمت إزالته".
وتتعثر فرق الدفاع المدني بالكثير من القنابل والصواريخ غير المنفجرة، والتي تشكل أحياناً خطراً على حياتهم، وقد أدت إلى إصابة العديد منهم، كما جرى مع نشأت زنداح (42 سنة) من مدينة غزة، ظهر الثالث من ديسمبر 2023.
يروي زنداح لـ "العربي الجديد": "وصلت إشارة إلى طاقم الدفاع المدني بوجود قصف إسرائيلي على منزل عائلة بشارع الشهداء، ووجود شهداء ومصابين. وصلنا إلى المكان، ولم نكن نعلم بوجود قنبلة غير منفجرة تحت الردم، وأثناء عملنا بانتشال المصابين والشهداء، سقط صاروخ آخر على طرف البناية، فحدث انفجار ضخم نتيجة تفعيل القنبلة غير المنفجرة، فأصبت، وبترت قدمي اليمنى، وتعرضت القدم اليسرى لكسور، وإلى اليوم يوجد بها بلاتين لتثبيت العظام".
مكث نشأت بالمستشفى الأهلي المعمداني لمدة سبعة أشهر لتلقي العلاج، وكان فقد قدمه أصعب حدث في حياته، لأنه حرمه من مهنته التي يعمل بها منذ عام 2006، وفاقم معاناته النفسية والصحية وجود زوجته وأطفاله الأربعة في دير البلح، ليواجه الإصابة وحده، إضافة إلى شح الغذاء، وندرة الأدوية، مع حاجته الملحة للسفر إلى الخارج لتركيب شرائح في أسفل القدم.
يقول: "يعمل الدفاع المدني بأقل الإمكانات، وأحيانا تسقط أسقف البيوت المهدمة على العناصر، كما أن الكثير من السيارات والمعدات تعرضت للقصف، وكثيراً ما يتعثرون بتلك القذائف غير المنفجرة خلال مهمات الإنقاذ، وعندما يتأكدون من عدم وجود مصابين بالمكان المستهدف، يغادر الطاقم المنطقة خشية انفجار تلك الصواريخ". يضيف أنه "لا يمكن أن يترك عناصر الدفاع المدني المصابين، ولا يغادرون طالما يسمعون أصوات الاستغاثة. في إحدى المرات فوجئنا بقنبلة غير منفجرة، وشعرنا بالخوف، لكن أصوات استغاثات أصحاب البيت جعلتنا نتغلب على مخاوفنا، ونكمل مهمة إزالة الركام لإخراجهم".
ووفق مدير المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، ألقى جيش الاحتلال أكثر من 85 ألف طن من المتفجرات فوق رؤوس المدنيين في إطار جريمة الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو يواصل القتل بوحشية من خلال قصف المنازل الآمنة والمربعات السكنية. يقول الثوابتة لـ"العربي الجديد": "تقدر التقارير الحكومية المختلفة وجود آلاف من القذائف والصواريخ غير المنفجرة في جميع المحافظات، وبعضها في مناطق سكنية، وبالقرب من مدارس ومراكز صحية، ما يزيد من خطرها على المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء. تكررت حوادث انفجار تلك القنابل والقذائف، ما أدى لاستشهاد وإصابة العديد من الأشخاص، وغالبيتهم من الأطفال. هذه القذائف تهديد إضافي للشعب الفلسطيني، ويمكن على المدى البعيد أن تؤثر على التنمية المجتمعية والاقتصادية، وتؤثر على عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن تأثيرها على الصحة النفسية للأشخاص".
ويؤكد المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، الرائد محمود بصل، أن هناك مئات الصواريخ والقذائف التي سقطت على منازل المواطنين ولم تنفجر، وبقيت داخل الشقق السكنية وفي الشوارع وأزقة المخيمات، أو تحت ركام المنازل المدمرة. ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن "عمل طواقم الدفاع المدني لا يشمل نقل هذه الصواريخ والقذائف، بل ينحصر في تحذير المواطنين منها، والتنبيه إليها عندما تتعثر بها أثناء عمليات الإنقاذ، كونها تشكل خطراً بالغاً على الحياة، وقد تضع الطواقم إشارة أو علامة تنبه إلى وجود صواريخ لم تنفجر بالمكان". ويضيف بصل أن "فريق هندسة المتفجرات التابع لوزارة الداخلية يختص بإزالة هذه الصواريخ، لكن الاحتلال يحاول اغتيال كل من يعمل بهذا المجال، ويعتبره ملفاً أمنياً. يشكل الأمر خطراً على طواقمنا أثناء العمل، وتكررت انفجارات ببعض الشقق التي احتوت على صواريخ لم تنفجر، إذ انفجرت بعد قصفها مجدداً، وعندها تكون الأضرار مضاعفة، ونناشد المنظمات والجهات الدولية أن تتدخل للعمل على إزالة هذا الخطر من خلال فرق دولية مختصة".
بدوره، يشير المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، هشام مهنا، إلى وجود العديد من التحديات والمخاطر التي تحدق بحياة المدنيين، خاصة النازحين، وعلى رأسها انتشار الأجسام غير المنفجرة. ويؤكد لـ "العربي الجديد"، أن "اللجنة الدولية رصدت حالات تعرض فيها مدنيون وأطفال لإصابات قاتلة، وبعضهم تعرض لبتر أطرافه نتيجة التعثر بأحد الأجسام غير المنفجرة. هذا الأمر يشكل عائقاً لعمل الفرق الإنسانية نظراً لعدم وجود رصد حقيقي وواقعي لمدى انتشار تلك الأجسام، ونحن بالتالي ننظر بجدية في العمل على تنبيه وتوعية المواطنين بخطر الأجسام غير المنفجرة، وكيفية التعامل معها". ويوضح مهنا أن "اللجنة الدولية تتعاون مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في توعية السكان، وكذلك يفعل العاملون في المجال الإنساني والطبي، وغيرهم من العاملين على خطوط المواجهة في قطاع غزة لتخفيف المخاطر الناجمة عن مخلفات الحرب القابلة للانفجار".