تعاني العاملات في القطاع الزراعي بالأردن ظروف عمل صعبة بسبب تدني الأجور، وساعات العمل الطويلة، وغياب الحماية الاجتماعية المتعلقة بتوفير الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، ووسائل السلامة الصحية العامة، وضعف الوعي بالحقوق العمالية، وخصوصاً أن العمالة الزراعية في الأردن موسمية، بالإضافة إلى التمييز بسبب الجنس في الأجور والتعامل.
وبحسب دراسة أعدها المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، فقد بلغ إجمالي الأردنيين العاملين في قطاع الزراعة عام 2021 نحو 300 ألف عامل، لكن الأرقام تبقى غير دقيقة بسبب الطبيعة الموسمية للعمل الزراعي في الأردن؛ فغالبية العاملين في القطاع من النساء، لكن من دون سجلات رسمية تظهر ذلك، ثم من اللاجئين السوريين والعمالة المصرية والعمالة الباكستانية.
ومؤخراً، قرّر مجلس الوزراء الأردني الموافقة على الأسباب الموجبة لمشروع نظام معدِّل لنظام عمّال الزراعة لسنة 2024، ويتضمن مشروع النظام "تعديلات مقترحة بشمول جميع العاملين في القطاع الزراعي بالتأمينات المشمولة بأحكام قانون الضمان الاجتماعي، وضمان حصولهم على قدم المساواة ودون أي تمييز على حقوقهم في ما يتعلق بالاشتراك في الضمان الاجتماعي، بغضّ النظر عن عدد العاملين في المنشآت والحيازات الزراعية"، بعدما كان محدداً سابقاً بـ 3 عمال أو أكثر، وكذلك حصول العاملين على الإجازات السنوية والمرضية وإجازة الأمومة والعطلة الأسبوعية وتنظيم ساعات عملهم، ووضع آلية احتساب بدل العمل الإضافي لهم، بغضّ النظر عن عدد العاملين لدى صاحب العمل الزراعي.
ويهدف مشروع النظام، وفق ما أعلنت الحكومة الأردنية، إلى جعل القطاع الزراعي جاذباً للأيدي العاملة الأردنية (ذكوراً وإناثاً)، الأمر الذي يساهم في توفير فرص عمل، والحدّ من البطالة، مشيرة إلى أن صدور نظام عمّال الزراعة عام 2021 ساهم في زيادة عددهم إلى ثلاثة أضعاف ليبلغ 18155 عاملاً وعاملة مقارنة مع 6259 عاملاً وعاملة قبل صدوره، وأنه من شأن التعديلات الجديدة المقترحة أن تزيد هذا العدد بشكل أكبر.
في هذا السياق، نظم مركز "تمكين" للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، حلقة نقاشية بعنوان "ظروف العاملين في الزراعة، بعد إقرار نظام عمال الزراعة ومدى فعاليته على أرض الواقع"، لمناقشة نظام العاملين في الزراعة، ومدى مواءمة بنوده مع خصوصية قطاع الزراعة على أرض الواقع، إلى جانب مناقشة التحديات التي تواجه العاملين والعاملات في هذا القطاع. وخلص المشاركون إلى أن قطاع الزراعة في الأردن يعاني مشكلة تنظيم العمل وخصوصاً في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث يغلب العمل المؤقت والموسمي، ما يتطلب صيغاً أكثر استدامة وعدالة تحفظ حقوق العاملين وأصحاب الأعمال في الوقت نفسه. وأكدوا ضرورة إنشاء نقابة عمالية خاصة رسمية بعمال الزراعة للدفاع عن مصالحهم وحمايتهم من أي انتهاكات محتملة.
وتقول رئيسة النقابة العامة للعاملين في المياه والزراعة والصناعات الغذائية في الأردن، بشرى السلمان، لـ"العربي الجديد"، إن المطلوب من الحكومة تحسين أوضاع العاملات والعاملين في القطاع الزراعي، سواء المنظم أو غير المنظم بتفعيل نظام عمال الزراعة، وأن تكون هناك جدية في تطبيقه لتحسين ظروف وشروط العمل اللائق، وخصوصاً للعاملات في هذا القطاع.
تضيف أن العاملات الزراعيات يختلفن عن العاملات في القطاعات الأخرى. فهذا القطاع يعاني من الإهمال ووضعة متردٍ، ويشهد العديد من الانتهاكات، خصوصاً أن هذا النوع من العمل يكثر في المحافظات البعيدة والمناطق النائية الأكثر فقراً، مشيرة إلى أن بيئة العمل غير لائقة في الكثير من الأحيان، وبالتالي معظم العاملات يعملن مجبرات في هذا القطاع بسبب الحاجة.
وتوضح أنه لا توجد إجازة أمومة أو إجازة مرضية أو بدل عمل إضافي، وهذا يعني غياب الحماية الاجتماعية، فيما الأجور اليومية تتراوح ما بين 6 إلى 7 دنانير (8 إلى 10 دولارات)، وهذا أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور في الأردن، مبينة أن العاملين في القطاع عرضة لأخطار لدغات العقارب والأفاعي، والتعرض لدرجات الحرارة العالية، واستنشاق المواد الخطرة كالمبيدات الكيميائية الخطرة.
وتدعو السلمان إلى أن يكون هناك رقابة وتفتيش أكبر على هذا القطاع لرصد التجاوزات التي تحصل بحق العاملين فيه من قبل وزارة العمل والجهات المعنية، وخصوصاً أن الأغلبية يعملون في القطاع غير المنظم، مؤكدة ضرورة أن يكون هناك شراكات لإيجاد عقد موحد للعاملات في الزراعة، واتفاقيات عمالية جماعية تكفل حقوقهم الأساسية.
بدورها، تقول مديرة البرامج في "تمكين" رانيا الصرايرة، لـ"العربي الجديد"، إن "تمكين ومن خلال عملها على ملف العاملين في الزراعة منذ عام 2008، خلصت إلى أن العاملين في الزراعة، وخصوصاً العاملات اللواتي يشكلن النسبة الأكبر من العاملين في هذا القطاع، يعانين من ظروف عمل صعبة جداً، وساعات عمل طويلة وأجور متدنية"، مبينة أن هناك تمييزاً بالأجور إذ يتلقى بعض الذكور أجوراً مضاعفة مقارنة بالإناث على أداء العمل نفسه. تضيف: "للأسف، فإن أكثر العاملين في الزراعة يفتقدون شروط السلامة والصحة المهنية، ويتعرضون للدغ الأفاعي والعقارب، والحرارة العالية وأحياناً الصقيع، خصوصاً أن العمل في الزراعة يبدأ مبكراً جداً قبل شروق الشمس أحياناً، والأصعب عدم وجود مرافق صحية (مراحيض) ما تسبب على مدى سنوات في انعكاسات على صحة العاملين، وتعرضهم لتبعات صحية، منها إصابتهم بالسكري، وأمراض الكلى، وغيرها، بسبب امتناعهم عن شرب المياه"، كي لا يضطروا لقضاء حاجتهم في أماكن لا تتوفر فيها أماكن مناسبة.
تتابع الصرايرة: "للأسف، غالبية العاملين في القطاع غير مؤمن عليهم صحياً، وغير مشمولين بخدمات الضمان الاجتماعي، باستثناء أعداد من العمالة الوافدة، بسبب اشتراط ربط الحصول على تصريح عمل في الأردن بالاشتراك بتأمين مؤسسة الضمان الاجتماعي". تضيف أنه "لا تتوفر وسائل مواصلات لائقة للعاملات تقلهن من وإلى أماكن عملهن، إذ يجري نقلهن غالباً بوسائل نقل غير لائقة في سيارات مخصصة في الأصل لنقل الأدوات والمواد الزراعية، أو حافلات نقل صغيرة. ويكون عدد الركاب أضعاف الحمولة المصرح بها، وهنا تكمن خطورة المشكلة بالنظر إلى خطورة العمل، وما يشكله ذلك من ارتفاع احتمالية تعرض العاملات لحوادث وإصابات عندها تضطر العاملة لدفع تكاليف ونفقات العلاج".