استُرجعت سيرة وفاة النجمة مارلين مونرو بشريط سينمائي وثائقي بعنوان "لغز مارلين مونرو: الأشرطة غير المسموعة"، أضاف إلى العديد من الاستعادات السينمائية التي انشغلت بحياتها ونهايتها المأساوية، وكأنّ الفنانة الشابة لمّا تزل حيّة، في ذاكرة المُعجبين.
لم يعد بالإمكان الوصول إليها، بعدما أمست أرضها ساحة صراع حربي. أغلق مدخلها الغربي بستارة طويلة، بغاية حجب الرؤية عن أعين القناصين ومناظيرهم، تنسدل من أعالي عمارة تتوسط الشارع المؤدي إليها.
يهزون، من حين لآخر، باطن أكفهم المفتوحة فوق شتلات الحبق المركونة قربهم، التي تتصاعد أعذاقها القزمة، من داخل أوعية معدنية رقيقة، ملأتها يوماً زيوت معدنية أو أوعية أصغر حجماً لسمون نباتية، مُلئت بالتراب.
كان يوسف كنعان كتوماً، قليل الكلام مع بناته وكل من حوله من الأصدقاء والزملاء. ونادراً ما أتى على ذكر مكانة عائلته، وغناها ومركزها في العراق. حيث حمل جده لقب "باشا" من السلطنة العثمانية.
تتغير الأمور بأسرع مما هو متوقع، استبدل الناس في حواراتهم، الكلمة الحسنة أو حتى الشتيمة المقذعة، بالسكاكين والهراوات، وانتظم المسار اللغوي كتعبير عن التوتر الاجتماعي، وفق صيغة "يا قاتل يا مقتول"، وكأنه تشييع للكلام والحوار إلى مقبرته
تغدو الإنجازات الطبية لإطالة أعمار الديكتاتوريين أمراً أقلّ مأساوية من الإنجازات السياسية وما يتبعها من توظيف القوة الجهنمية، لإطالة عمر الأنظمة المنسوبة إليهم.
لم يتعلموا قواعد اللعب الهانئ، يقذفون الكرة إلى الأعلى ويركضون لملاقاتها ومداراتها بأقدامهم. ترتطم رؤوسهم برؤوسهم، وأقدامهم بأقدامهم وأكتافهم بأكتافهم.... كما لم يكن أملهم إحراز الأهداف في المرمى المقابل فحسب، بل إتمام المباراة قبل تمزّق الكرة، أو تمزق لحمهم
تتجاهل نشرات الأخبار عن عمد، وهي تصنف بسخرية "المعارضة المعتدلة" وتضمها كمستحيل، للمستحيلات الثلاثة التي تداولها العرب لقرون طويلة عن الغول والعنقاء والخل الوفي
الأقفاص معلّقة قرب بعضها، بمسامير مرتفعة، مثبتة على جدار العمارة العالية. أخرجها من بيته الذي لا يطل على الشارع، واستعان على رفعها بعصا طويلة. عاد بعدها إلى الرصيف المقابل، جلس على كرسي خشبي واطئ، لينظر إليها وهو يدخن.
بعد هذه الحركات المتقنة، رفع الرجل جذعه إلى الأعلى، انتظر محركاً سكينيه في الهواء. شحذهما ببعضهما، شاغلاً الوقت باحتراف الخبير، مترقباً دنو لحظة استسلام الكائن الضعيف، وفقدانه أي أمل بالنجاة.
استفسروا بتأنٍ عن حوائجهم المتخيلة وأسعارها، من أصحابها الجالسين على كراس خشبية قرب أبوابها، الذين سرعان ما وقفوا ودعوهم بلهفة إلى الداخل، لم يكن باستطاعتهم شراء ما يعرضونه عليهم ولا ما يرونه زاهياً فوق أرففها المضيئة
يقول الباعة، الموزّعون على الأرصفة وناصيات الشوارع، ومواقف انتظار الحافلات، وبوابات الحدائق والمشافي والمستوصفات والمراكز الحكومية. حيث لم يبق مكان في شوارع المدينة وساحاتها، خالٍ من بائع عطور، تكاثروا حتى لتحسبهم طوابع لا نهائية على أوراق معاملة حكومية.
يبدو هذا الشارع مهجوراً، بهدوئه المربك، الذي يشعر العابر بخلوّه وتبدّد أهله، لتتبقى بعض الحركات الشبحية على الشرفات الواسعة؛ الرأس المطلّ ليتفقد السيارة المركونة بمحاذاة الرصيف
لم يدخل المدينة كغازٍ، ليسرق أهلها ويدوس على رقابهم، ويذل كرامتهم... دخلها مع عائلته الممزّقة على عربة تتعثر بالحجارة والوهدات الممتلئة بمياه الأمطار. مطرودون من بلادهم ومطاردين من كتائب القَتَلة.
هرول الفتى ابن الثلاث سنوات، في الأروقة الملتوية للقصر، متعثراً بأعباء تركها افتقاد الأب في عمر مبكّر، في مجتمع يتكئ على النسب الأبوي، والإفاضة بالامتيازية المؤسسة على الذكورية.
لن يعودوا إلى بيوتهم، أولئك الذين غادروها في الصباح إلى أعمالهم، أو مدارسهم، معاهدهم، جامعاتهم، إلى التسوّق أو الحدائق المتاحة، أو لدفع فواتير المياه والكهرباء. كلّ الذين لم تبتر سيقانهم بعد، لتقعدهم الكراسي ذات العجلتين، ليدوّروا دواليبها بأصابعهم المشدودة.
هي كلاب سائبة، تجتمع على وليمة من عظام جُرّف لحمها، وبقايا من أطعمة بائتة، عافها طبّاخوها. ولم تجتمع على غير ذلك، إلا بنباح طويل، يغربل رمال الهواء، ويشحن فلواته بإضمارات عن شجاعة خائبة
ومن جوف العتمة، انطلق الصوتُ الفتيُّ عالياً "كلكن ع البطل" من بين الأولاد المخنوقين بألبستهم الضيقة، الذين شدّوا أكفّهم الدبقة على مساند المقاعد، ورأوا بأعينهم المفتوحة في وهج العتمة الآتية من الشاشة الكتانية
يشبه هذا النصّ ببتلاته الثلاث كاتبه، الذي يعايش الواقع عن كثب، ويعاين تأثير الحرب على الحياة اليومية للسوريين، منتقلاً من وصف ماضي أمكنة بعينها إلى حاضرها الأليم
تغيّرت الأمور، لم يعد الناس يكترثون بأنواع الشامبو والصابون، حيث تنتشر اللوحات واللصقات الدعائية على واجهات الصيدليات والمجمّعات التجارية، الجميع بات يستخدم طواعية شامبو "سنان" المضاد للقمل والصئبان.
كانت مكاشفتها، من ضرورات واجبه البنوي، وإبلاغها بأنه لن يعود من ذاك المكان الذي سيق إليه في الليل، لا لنقصٍ في الأشواق، التي تصاعدت من أعماقه كبخور، بل لأن من أخذوه، لا يريدون له العودة.
وما كُوب الشاي الدافئ، إلا مجازٌ إنقاذي لا بديل عنه، قد يفيد في تسكين الآلام، وقد لا يفيد بعد تعمّق المرض، وتعالي أنين الأوجاع، سيكون لو حصل، جرعة تتوخى المداواة، وتحفز المعونة الآدمية لمغادرة حجرات اللامبالاة والتجاهل.