هل تقفل الأسواق المالية عام 2015 على وقع الانخفاضات؟

31 اغسطس 2015
من اليمين معز الجودي وعثمان كاير (العربي الجديد)
+ الخط -
اهتزّت أسواق المال بداية الأسبوع الماضي على وقع انخفاضات حادّة طاولت الأسواق العربية. فهل تنهي البورصات العالمية العام 2015 باللون الأحمر؟

معز الجودي: الاقتصاد العالمي يشهد تحولات متوقعة

يعتبر المحلل المالي والاقتصادي التونسي، معز الجودي، أن الأسواق المالية بعد هزة الانخفاضات الحادة التي شهدتها بداية الأسبوع الماضي، استطاعت الصمود وإرجاع نسقها في الأداء إلى مستوياته الطبيعية. ورغم أن مجموعة من الأسواق تأثرت بقرارات "بنك الشعب الصيني"، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحول القول بأن جميع بلدان العالم وأسواقها المالية مرتبطة بشكل وثيق بما يقع في الاقتصاد الصيني، على حد قول المتحدث ذاته.
 
ويرى معز الجودي في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن ما يقع في الاقتصاد الصيني تحولات لم تكن مستبعدة من طرف المحللين والخبراء، نظراً لعدة عوامل ومتغيرات طاولت النسق الاقتصادي للبلد، أهمها، حسب الجودي، اعتماد الصين لوقت طويل على نموذج اقتصادي قوامه الكلفة الإنتاجية الضعيفة، وتصدير المنتوجات بأسعار تنافسية قليلة جداً، والقدرة التنافسية للمنتوجات الصينية مبنية على ثمنها في الأسواق. ويوضح المحلل المالي والاقتصادي التونسي، أن هذه العوامل أصبحت مصدر ضعف، عوض قوة، للاقتصاد الصيني، نظراً لبروز قوى صاعدة في آسيا ودول أميركا اللاتينية تنافس الصين في جذب الاستثمارات، خاصة المرتبطة بالشركات العملاقة العاملة في مجالات التكنولوجيا، أي أن جاذبية الصين أمام تلك الدول، ضعفت. وأهم عامل هنا، يضيف الجودي، هو كلفة الإنتاج التي لم تعد بنفس الرخص الذي كانت عليه سابقاً، نظراً لتحسن مستوى المعيشة في الصين، ورفض فئات واسعة العمل داخل مصانع الإنتاج بنفس الشروط السابقة.

ويورد معز الجودي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مؤشرات الأسواق العملية ارتكزت مع بداية العام على توقعات تشير إلى استمرار نمو الاقتصاد الصيني بنقطتين (أي أكثر من 10%)، لكن التوقعات اليوم تضع سقف النمو في قرابة 7% فقط، وما دون ذلك بسبب المتغيرات الأخيرة.

وعن تصريحات مسؤولين في مؤسسات دولية مالية مثل صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، بالإضافة إلى تطمينات المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تجاه قوة صلابة الاقتصاد الصيني، يضع معز الجودي هذه التصريحات في سياق تحويلات كبرى يشهدها الاقتصاد العالمي، والمسؤولون واعون بها رغم تصريحاتهم. مؤكدا في الوقت ذاته، رغبة الدول المرتبطة صناعياً بشكل كبير بالإنتاجية والأداء الاقتصادي في صين مثل الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، وألمانيا، (رغبتها) في طمأنة المستثمرين في الأسواق المالية، واحتواء التخوف الذي يطاول بورصات كبرى ويلحق خسائر قوية بأسهم كبريات الشركات.

وبخصوص التحول الكبير الذي تحدث عنه المحلل المالي والاقتصادي التونسي، يرى هذا الأخير، أن جميع المعطيات اليوم تؤكد بالملموس تحول مراكز قوة الاقتصاد العالمية، وهناك من المسؤولين الماليين الدوليين، حسب تصريحه، من لمح بعد ما شهدته أسواق المال بداية الأسبوع الماضي، إلى أن "ما يحدث ضروري لإعادة التوازن وترتيب الأوضاع الدولية الاقتصادية". ويضع الجودي كل هذا، ضمن ما تشهده أسواق الطاقة العالمية، خاصة المرتبط بالنفط، والتي تنبئ، حسب وجهة نظر معز الجودي، بتحولات اقتصادية مستقبلية كبرى في الاقتصاد العالمي.

ويختم المحلل المالي والاقتصادي معز الجودي، تصريحه لـ"العربي الجديد"، بالتشديد على ضرورة الاقتناع بأن ليست كل أسواق المال متضررة بما يقع في الاقتصاد الصيني من تحولات، بل هناك مجموعة من الدول تعد بالنسبة إليها الصين مصدر منتوجات بمليارات الدولارات، سوف تستفيد وتنعش خزينتها بسبب خفض سعر صرف العملة الصينية، كما سوف يتحسن أداء مجموعة من الدول المنافسة للصين على استقطاب توظيف أموال شركات عملاقة لديها.

اقرأ أيضا: خفض "اليوان" الصيني ينعكس على الاقتصاد العربي

عثمان كاير: شبح الانخفاضات مستمر

يفسر الخبير الاقتصادي المغربي الأزمة التي شهدتها الأسواق المالية بداية الأسبوع الماضي والتي شبهها الخبراء بـ"الاثنين الأسود"، حيث فتحت مجموعة من البورصات العالمية تداولاتها على وقع انخفاضات قوية، بسبب التراجعات الحادة للأسهم الصينية بتأكيد على "أن أزمة الأسواق المالية الصينية هي بالأساس تعبير عن قلق المستثمرين من واقع الاقتصاد الصيني ومستقبله، وهو ما يجد تفسيره بصيغة أو بأخرى في اعتقاد المستثمرين بأن قيمة الأصول المتداولة في البورصة الصينية جد متضخمة، وهو ما يخلق نوعاً من الفقاعة المالية التي إن واصلت تضخمها فستنتهي بالانفجار". ويؤكد أن ترابط الأسواق المالية العالمية، سوف يجر بالتأكيد تبعات ستستمر حتى نهاية العام الحالي خاصة في الأسواق المالية الآسيوية، وسوف تتعداها لتشمل الأسواق الأوربية بعد انتقال تأثيرات الاقتصاد الصيني على المجال الصناعي.

من جهة أخرى، يوضح عثمان كاير، في تصريحه لـ "العربي الجديد"، على وجود نوع من الحذر إزاء التلاعب في الإحصائيات العمومية، خصوصا تلك المرتبطة بنسبة النمو المتوقعة لهذه السنة في الصين، والتي لن تتجاوز حسب المختصين 2 إلى 3%، في حين تراهن الدولة على 9%. ويرى المتحدث ذاته بشكل عام أن الاقتصاد الصيني، وبعد سنوات طويلة من استمرار النمو الاقتصادي في مستويات مرتفعة واستثنائية، ربما قد حان الوقت ليستقر في مستويات موضوعية وطبيعية، وهو ما لن يتم بالضرورة في ظروف هادئة وسليمة، مما يستوجب من السلطات الصينية اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة من أجل التقليل من حجم الخسائر المنتظرة.

ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن نصف مدخرات الطبقات المتوسطة في الصين تقريباً قد تم استثماره في السوق المالية، والنصف الأخر في العقار، وهما قطاعان يتسمان بالهشاشة البنيوية. أما على المستوى الدولي، حسب تصريح الخبير الاقتصادي المغربي عثمان كاير، وبالنظر لترابط الأسواق المالية الدولية، فإن أزمة الأسواق المالية قد تكون لها تداعيات مالية خصوصاً على محيطها الأسيوي، على أن تتعاظم تلك التأثيرات بانتقالها إلى المجال الصناعي، والذي سوف يعجّل بانتقال الأزمة التي يعرفها الاقتصاد الصيني اليوم إلى الدول الأوربية على الخصوص.

ويشدد كاير على استمرار قلق المستثمرين تجاه الاقتصاد الصيني، رغم التطمينات التي صدرت عن المسؤولين في المؤسسات الدولية المالية، وعدد من القادة في مجموعة من الدول الأوروبية، بناء على المعطيات المالية السالفة الذكر.
المساهمون