تغيّر المناخ يُجبر تونسيين على النزوح

09 يوليو 2024
يتأثر مزارعو تونس بتغير المناخ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **نزوح المزارعين بسبب الجفاف:** تزايد نزوح المزارعين التونسيين من المناطق الريفية إلى المدن الساحلية بسبب الجفاف الناتج عن تغير المناخ، مثل حالة رقية التي انتقلت من سليانة إلى المنستير بحثاً عن عمل.

- **تأثير تغير المناخ على الهجرة الداخلية:** دراسة للمعهد الوطني للإحصاء أظهرت أن المناطق الداخلية تسجل هجرة سلبية، بينما تجذب المناطق الساحلية النازحين، حيث يعتبر البحث عن العمل الدافع الرئيسي بنسبة 20.7%.

- **جهود التكيف مع التغيرات المناخية:** منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن يعملون على خطط لتمكين المرأة الريفية اقتصادياً وتشجيعها على بعث مشاريع لمواجهة تأثيرات تغير المناخ.

تزداد أعداد التونسيين، خصوصاً المزارعين، المضطرين إلى النزوح بسبب جفاف أراضيهم الناتج عن تغير المناخ لتتفاقم معاناتهم.

غادرت رقية (29 عاماً) ولاية سليانة (إقليم الشمال الغربي) إلى إحدى المدن الساحلية للبحث عن عمل، حالها حال مئات العاطلين عن العمل. فبعدما كانت تعمل في الزراعة وتربية الماشية، انتقلت إلى المدينة بسبب الجفاف الذي شهدته مزارعهم نتيجة تراجع نسبة المتساقطات خلال السنوات الأخيرة. تقول إنها انقطعت عن الدراسة بعد إخفاقها مرتين في الحصول على شهادة البكالوريا، لتعمل مع والدها في رعي الأغنام والزراعة، لكن تراجع نسبة التساقطات خلال السنوات الأخيرة أثر كثيراً على نشاطهم الزراعي. كما أن اشتعال الحرائق وتقلص المساحات الخضراء في جهتهم دفعها وإخوتها للانتقال إلى مدينة المنستير (الساحل التونسي) للعمل. 
تضيف: "العديد من العائلات في منطقتنا نزحت منذ سنتين أو أكثر بسبب انعدام المياه بالإضافة إلى الجفاف الذي أثر على الزراعة. تركنا خلفنا مكاناً بات شبه مهجور بعدما كان سكانه يقتاتون من الزراعة وتربية المواشي. لم نكن نرغب في ترك زراعاتنا وأراضينا بحثاً عن أعمال أخرى في المدن بسبب البطالة. كنا نعوّل على أنشطتنا الزراعية، لكن تغير المناخ أثّر على شكل حياتنا في بعض الأرياف، فقررنا الهجرة".
لم تكن رقية الأولى التي نزحت من منطقتها بحثاً عن العمل، فقد نزح إخوتها قبلها بنحو سنتين للعمل في مدن عدة في الحضائر وورش الحدادة وغيرها من الأنشطة الحرفية، علماً أن نشاطهم كان ينحصر في الاهتمام بالأرض والزراعة. ويتأثر سكان المناطق الريفية كثيراً بتغير المناخ، ولا سيما ممن تعتمد حياتهم اعتماداً مباشراً على الزراعة التي باتت تتأثر بتلك التغيرات، خصوصاً الجفاف والتصحر. وتشهد تونس باستمرار نزوحاً داخلياً متغيراً بحسب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. ففي آخر تعداد سكاني، بينت دراسة للمعهد الوطني للإحصاء عام 2014 أنّ "المناطق الداخلية تعتبر مناطق منفرة؛ فقد سجلت الأقاليم الثلاثة الغربية حصيلة هجرة سلبية تراوحت بين 34.8 ألف ساكن في الشمال الغربي، و39.5 ألف ساكن في الوسط الغربي، و5800 في ما يخص الجنوب الغربي، بينما لم تكن هذه المناطق الداخلية وجهة للنازحين". 

كما أظهرت الدراسة أنّ المناطق الجاذبة لموجات الهجرة الداخليّة تمثلت في إقليم تونس الكبرى أي العاصمة وأحوازها، وحققت في الفترة الفاصلة بين 2009 و2014 صافي هجرة ناهز 46 ألف مواطن، بالإضافة إلى الوسط والجنوب الشرقي اللذين استقطبا 119.6 ألفاً من إجمالي عدد الوافدين على الأقاليم الساحليّة والبالغ عددهم 360.8 ألفاً. واختلفت أسباب الهجرة بحسب الدراسة بين البحث عن عمل أو الدراسة أو الزواج ومصاحبة العائلة. وأوضح التقرير المذكور أنّ السبب الأهمّ الذي يدفع سكّان الأقاليم المنفّرة للانتقال نحو الأقاليم الشرقيّة هو البحث عن العمل، والذي تصدّر قائمة الدوافع للهجرة بنسبة 20.7%.  

ستينية تشهد على جفاف أرضها (ياسين/ قايدي/ الأناضول)
ستينية تشهد على جفاف أرضها (ياسين/ قايدي/ الأناضول)

وتغير المناخ يعد أحد أسباب النزوح الداخلي في تونس، بعدما شهدت العديد من المناطق الداخلية تراجع الأنشطة الزراعية بسبب الجفاف ونقص الأمطار، ولعل التعداد السكاني الجديد الذي سينجزه المعهد الوطني للإحصاء خلال هذا العام سيحدد تلك الأسباب الجديدة وتأثيرها على الحركة الداخلية للنزوح، وقد وضع صندوق النقد الدولي تونس ضمن مجموعة الدول المهدّدة بتنامي النزوح الداخلي لأسباب بيئية، محذّراً من أن تغير المناخ هو أحد أبرز عوامل النزوح التي تزداد قوة يومياً بعد يوم. وأوضح في تقرير أخير أنّ تغيّر المناخ قد يجبر 216 مليون شخص في 6 مناطق حول العالم على الارتحال داخل حدود بلدانهم بحلول عام 2050، من بينها تونس.
وبحسب التقرير، يعدّ تغيّر المناخ محرّكاً قوياً للنزوح الداخلي بسبب آثاره على سبل كسب عيش السكان وفقدان إمكانية العيش في الأماكن المعرّضة بشدّة إلى المخاطر. وعلى الرغم من أنّ النزوح الداخلي في البلاد يبرر دوماً بانعدام فرص العمل في المناطق الداخلية لأسباب اقتصادية واجتماعية في الأساس، باتت بعض الدراسات والتقارير في جانب كبير منها تركز على تأثير تغير المناخ على حركة الانتقال والهجرة للسكان، خصوصاً الجهات التي يعتمد سكانها في الأساس على الرعي وتربية الأغنام أو الإبل وجميع أنواع الزراعات والخضار، وتحديداً في المناطق التي تنعدم فيها حتى الآبار والمياه. 

وأكد منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في أكثر من دراسة تأثير تغير المناخ على النزوح الداخلي. وبيّنت المتخصصة في الملف البيئي في المنتدى منيار المجذري، أنّ "تغير المناخ والجفاف والحرائق السنوية المتكررة في جهات عدة باتت من العوامل الدافعة إلى نزوح الأشخاص من المناطق المتأثرة بتلك التغيرات. فالعديد من سكان الأرياف والمناطق الجبلية والحدودية يتمسكون بالعيش في مناطقهم ويعتمدون فيها على الأنشطة الزراعية للعيش، لكن الجفاف وقلة تساقط الأمطار وغيرها أثرت على عملهم تأثيراً كبيراً، وتدفع صغار الفلاحين إلى التخلي عن أنشطتهم ومن ثم البحث عن مصادر دخل أخرى لا تتوفر سوى في المدن". 
من جهتها، أقرت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في يناير/ كانون الثاني الماضي، خطة وطنية للمرأة والتغيرات المناخية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. داعية إلى إيلاء التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية الأولوية ضمن هذه الخطة، للتشجيع على بعث مشاريع خصوصاً في المناطق الريفية.

المساهمون