هل ستهجر النساء مهنة الصحافة؟

09 نوفمبر 2015
(تورنتو: مطابع جامعة تورنتو، 2015)
+ الخط -
تقتضي مهنة الصحافة العمل الدائم على مدار اليوم، طوال الأسبوع، فالتقدم التكنولوجي قضى على التوازن بين العمل والحياة الخاصة. ورغم ذلك تظل النظرة تجاه العاملات بحقل الصحافة وكأنهن غريبات أو مجرد ضيفات سيفارقن المكان آجلا أو عاجلا.

في سبعة فصول، تضع فيفيان سميث في كتابها "لا زلنا غريبات: لماذا تحب الصحافيات مهنتهن ولماذا يهجرنها؟"، خلاصة دراستها حول واقع المرأة الكندية في حقل الصحافة وما مرت به وما رأته على مدار أربعة عشر عاما في المهنة، ولقاءاتها مع النساء اللاتي يمثلن شرائح عمرية مختلفة.

وبرغم تركيز المؤلفة على هموم الصحافيات الكنديات، فإن الجميع في الهم شرقُ؛ فمتاعب ومشكلات المرأة العاملة على مستوى العالم تكاد تتشابه وإن اختلف مذاقها.

استخفاف وتجاهل
- "هل ما زلتِ هنا؟!".
فوجئت فيفيان بهذا السؤال الذي وجّهه لها روي ميجاري، رئيس تحرير صحيفتها والصحافي اللامع، وهو يخاطبها مباشرة، الرجل الذي نادرا ما يراه أحدٌ في الجريدة!

تقول الكاتبة إنها لم تفهم مقصده فورا، ولكن في ما بعد علمت أنه كان يلمح إلى بطنها المنتفخ، فقد كانت حاملا في الشهر الثامن وعلى وشك أن تبدأ إجازة الشهور الأربعة للولادة ورعاية المولود. كان واضحا أنه يعتبر ذلك نقصا في كفاءتها للعمل، على حد تعبيرها. ففي الوقت نفسه، تمت ترقية زوجها المراسل السياسي والذي بدأ العمل في الصحيفة ذاتها بعدها بأربعة أشهر، إلى منصب مدير مكتب فيكتوريا لصحيفة غلوب، في حين رفضت الجريدة السماح لها أن تعمل بدوام جزئي بدعوى أن ذلك سيؤثر على سير العمل.

الخيار الصعب
تتذكر إليسا برنارد، كاتبة الأخبار الفنية في الهيرالد هاليفاكس، وقت أن كان ولدها رضيعاً، كانت تنهي مقابلاتها وتجلس لتحرر مقالتها في منتصف الليل وسط صراخ طفلها الجائع، وإرهاق يوم طويل من العمل، وقتها كان عليها الاختيار بين صراخ رضيعها أو صراخ رئيسها، وبالطبع لتستمر في وظيفتها كانت تختار الأخير.

يتناول الفصل الثالث الصحافيات اللواتي أصبحن في منتصف الحياة المهنية، ثم وجدن أنفسهن في مفترق طرق بسبب متطلبات المهنة والحياة الخاصة. فبرغم العمل المرهق، تتزايد الضغوط في العمل من تجاهل في الترقية، وسخرية من حاجاتهن الطبيعية وما أقره القانون لهن من حقوق للإنجاب ورعاية الأطفال، ما يجعل النساء يشعرن بأن تكوين الأسرة قد يضع حدا لمهنتهن الصحافية، لكن النساء في منتصف العمر اعتبرن أن صراع العمل والأسرة هو أمر طبيعي، فهيّأن أنفسهن لمواجهته وإضافته إلى التحديات الأخرى التي يواجهنها.

ثم يحلل الفصل الرابع قصص ست شابات حديثات العمل بالصحافة في خمس صحف مختلفة، يتشاطرن الطبقة الاجتماعية والمؤهل العلمي نفسه. وبرغم اعتراف رؤسائهن من الرجال بمدى قدرة هؤلاء الصحافيات على مواجهة التطور التكنولوجي وعدم الخوف منه، كذلك الاعتماد عليهن في توجيه الأكبر سنا وتعليمهم استخدام تلك التكنولوجيا، فإن هؤلاء الشابات كن ينظرن بقلق إلى احتمال تأخير تكوين أسرة، وإلى احتمال طردهن من العمل قبل اكتمال مدة تعاقدهن.
ليتساءلن: لماذا نعمل بهذه الطريقة؟ وما المقابل لكل هذا التمييز؟ بالطبع هي مهنة جيدة وراتبها مناسب لمتوسط الرواتب. لكن لماذا نضحي بالكثير في مقابل عمل لا يحقق الرضى النفسي ولا يتناسب مع ما أنفقناه من وقت ومال على التعلم ونيل الشهادات المؤهلة؟!

تتحدث فيفيان عن الهيكل الذكوري داخل دور الصحف، فعلى مستوى العمل اليومي هناك تأسيس للتفرقة النوعية في مكان العمل، فصناعة القرار تأخذ دائما في الاعتبار جنس المحرر، خصوصا في ما يتعلق بالأمور المالية، فتشير إحدى المساهمات في الدراسة إلى أن الاستقطاعات وتخفيض النفقات لا يطال إلا النساء.

نهاية سعيدة
في الفصل السادس، تتحدث اللواتي تركن المهنة حول إنجازاتهن وندمهن وآمالهن. وتقول الكاتبة إنه بعد سنوات من العمل والمقاومة، عبّرت الصحافيات اللواتي تركن العمل الصحافي عن أنهن لم يكنّ قادرات أو حتى راغبات في قمع ذواتهن أو التكيّف مع تعقيدات بيئة العمل وبخاصة الجنس والعمر والخلفية العرقية، رغم أنهن قضين عقودا يحاولن تهيئة أنفسهن مع وجود القوى الذكورية السائدة في غرف الأخبار.

لقد اضطررن للاختيار بين الانصياع التام أو الدخول في صراع يستهلكهن ويقعن فريسة لممارسات متحيّزة ضدهن. كانت قصصهن تصف كيف يجري إخراسهن وتخويفهن والتحرش بهن، بل وتقليل أجورهن. بالنسبة لهؤلاء النساء كان الوقت قد حان لنقطة تحوّل، فقد استنفدن حظهن في غرف الأخبار وجاء وقت العمل الخاص والبحث عن نهاية سعيدة لحياتهن المهنية.

وتأمل فيفيان أن تقرأ النساء العاملات في مجال الصحافة المطبوعة بالذات كتابها، لا سيما اللاتي يشغلن مناصب إدارية، ليدركن العوامل المعقدة التي تؤثر في تطورهن داخل غرف الأخبار، ولتأسيس علاقتهن بمكان العمل. وتقول "يجب على الصحافيات المحترفات استشفاف الرؤى في كيفية توفير الأمان في أماكن عملهن، وكيف يوقفن من ينتجون ويروجون الخرافات حول قدرة المرأة على القيادة".

رغم ما يسرده الكتاب من مصاعب وهموم الصحافيات الكنديات، فإن من يقرأه لا يستطيع إخفاء إعجابه بهؤلاء النسوة اللواتي استطعن العمل في مثل هذه البيئة المعادية لجنسهن، واللواتي ساهمن في ثراء الصحافة الكندية، فنساؤها صنعن على أكتافهن مجد غرف التحرير أيضا. والمؤلم هو نسيان ذلك، بل وتجاهله من قبل من يؤرخون للصناعة الجميلة والمتعبة بآن معا.

(كاتبة مصرية)
المساهمون