هموم شعرية: مع علي عاشور

05 يوليو 2024
علي عاشور
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعر السعودي يعبر عن غضبه تجاه العدوان على غزة ويؤكد أن تحرير فلسطين هو الهاجس الأكبر، مشيراً إلى ضرورة أن يكون الشعب غاضباً وثائراً لتحقيق هذا الهدف.

- يعترف الشاعر بأنه ليس شاعراً مقروءاً بشكل واسع، ويثني على دور المحرر الأدبي في تحسين النصوص، مشيراً إلى تجربته مع دور النشر "دار مسعى للنشر والتوزيع" و"منشورات تكوين".

- يفضل الشاعر النشر في المجلات والمواقع المهتمة بالشعر ويعبر عن قلقه من قلة الملاحق الثقافية، مؤكداً على أهمية العودة إلى الشعر لإنتاج أدب حديث وجماليات اللغة العربية.

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "ليتنا نعرف ما يحتويه تراثنا الأدبي قبل انتقاده"، يقول الشاعر السعودي لـ"العربي الجديد".


■ ما الهاجس الذي يشغلكَ هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- تحرير فلسطين. علينا أن نغضب. علينا أن نكون شعباً غاضباً ونثور على هذا العالَم. علينا أن نثور على كلّ شيء. إمّا فلسطين أو لا عالَم. إمّا فلسطين، أو النار جيلاً بعد جيل، في بقاع العالم كلّها. 


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟  

- لا أستطيع ادّعاء أنّني شاعر مقروء. كتبي وقصائدي متوفّرة في المكتبات ومعارض الكتب، وبعضها مقرصنٌ بصيغ إلكترونية. يتواصل معي بعض القرّاء والشعراء بين حين وآخر. غير أنّني انزويت على ذاتي وابتعدت عن المشهد في السنوات الأخيرة، وهذا ما قلّل من تواصلي مع القرّاء والوسط الثقافي عموماً. ما أعوّل عليه هو قارئ الشعر الذي يتعامل مع القصيدة كما يتعامل الجزّار مع الذبيحة. أبحث عن هذا النوع من القرّاء، الذين يغورون في متاهات النصوص، تفاصيل الجمل وتراكيبها، ودلالات المعاني وعلاقتها باللغة. قلت سابقاً إنّني أحترم الذائقة الأدبية، تلك التي تقوم على الإعجاب أو عدمه. هناك من يأنس للشعر الموسيقي، وهناك من يميل إلى الشعر الغامض، وغيرهم يميل إلى الشعر السهل الممتنع. لكن الذائقة الأدبية لا تضيف لي كشاعرٍ.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

- كنت محظوظاً منذ البداية في علاقتي مع الناشر. تعاملت مع دارَي نشر هما: "دار مسعى للنشر والتوزيع" و"منشورات تكوين". تبنّى الناشر والشاعر محمد النبهان، مدير "دار مسعى"، أوّل ثلاثة كتب، وتبنّى الناشر والشاعر محمد العتابي كتابي الرابع. في تجربة كلّ كتاب كانت هناك مراجعة ومناقشة وتحرير دون مجاملات ودون تحفّظات. أتذكّر عام 2012، عندما اتّصل بي النبهان والتقينا في البحرين لمناقشة المسوّدة الأُولى من كتاب "عين في إصبع". تناقشنا وحرّرنا الكتاب سوياً لمدّة أربع ساعات، ومن ثمّ التقينا مرّة أُخرى لمناقشة النسخة الأخيرة وتحريرها. كشابٍّ متعطّش لطباعة كتابه الأوّل، اعتقدت في البداية أنّ النبهان قاس جدّاً، وكأنّه يريد أن يتخلّص من الكتاب. لكن تلك التجربة علّمتني أهمية المحرّر الأدبي. التحرير يتجاوز التدقيق اللغوي وإعادة صياغة جملة هنا أو هناك؛ هي مراجعة كاملة لبنية النص ووحداته وأبعاده. عملية التحرير أضافت لتجربتي كشاعر قبل أن تضيف إلى تجربة النصّ المطبوع. وعلى هذا قس تجربة تحرير الكتابين الثاني والثالث.
بعد أن وافقت "منشورات تكوين" على ديوان "غيوم سيت"، اتّصل بي العتابي لاستشارتي بما يخصّ صفّ الكتاب وإخراجه، منوّهاً إلى أنّ الكثير من القراء  في العالم العربي لا يستسيغون قصيدة الومضة أو الكتابة الشذرية. قال العتابي إنّه يعوّل على الشعر بعيداً عن حُكم القرّاء، وأن عليّ تقبّل هجوم القرّاء الذي يرفضون رؤية صفحة بيضاء إلّا من جملة شعرية أو جملتين. فهناك من يرفض تسمية الشذرة نصّاً قائما بذاته. أجبت العتابي بإصراري على إخراج التجربة كما كُتبت، وأهلاً وسهلاً برفض القرّاء ونقدهم، بل حتى سخريتهم. لذلك أقول إنّي كنت محظوظاً. تعاملي كان مع شاعرين قبل أن يكون مع ناشرين. 


■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- أنا مع النشر أينما وجدَ الشاعر نفسه قادراً على ذلك. لا أحكم على الآخرين وخياراتهم. لكنّي أفضل أن يمرّ نصّي من المحرّر، أن يرفض نصّي، أن ينتقد، أن يراجع. للأسف لم تعد هناك ملاحق ثقافية كثيرة تهتم بالشعر، ولم يعد هناك محرّرون يتواصلون مع الشعراء بناءً على النصّ، لا عملية قبول أو رفض وحسب.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- صرت أتخلّص من الكثير من القصائد. بعد طباعة كتاب "عين في إصبع" أصبحت مهووساً بكتابة الشعر كمشروع. صرت أعتبر كلّ نصّ خارج عن الاشتغال على المشروع الشعري عبارة عن تمرين يد، أو محاولة تجريب في اللغة. مع انتقالي إلى كندا قلّلت نشري للنصوص تدريجياً، حتى وصلت لمرحلة أنّ الأصل هو التخلّص من النصوص ورمي الأوراق في سلّة المهملات كي لا أعود إليها. وطّدتُ علاقتي مع المحو وركّزت على كتابة المشروع الشعري. كل ما نشرته في السنوات الثلاث الأخيرة لا علاقة له بما أشتغل عليه كنصّ. كلّها تمارين يد لا أكثر.
أتابع بعض الشعراء الذين ينشرون على مواقع التواصل. أنا مدين لهم لتخفيفهم حنقي على الحياة، ولإبقاء علاقتي اليومية مع الشعر العربي. اشتغالي في الصحافة الكندية مؤخّراً أبعدني عن اللغة العربية.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- من وجهة نظري، على كلّ قارئ أدب عربي أن يكون قارئاً للشعر بالضرورة. تراثنا الأدبي والثقافي شعريٌّ أوّلاً وأخيراً. أتعجّب ممّن لا يقرأ تراثه الأدبي. وهنا عتبي على مؤسّسات التعليم والإعلام والثقافة.


■ هل توافق أنّ الشعر المترجم من اللغات الأُخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

- في السنوات الأخيرة لاحظت تحوّل علاقة القارئ مع الشعر المترجم أكثر من علاقته مع تراثه. الكارثة أنّني وجدت أنّ كتّاب رواية وقصّة وصحافيّين علاقتهم ضعيفة مع تراثهم. كيف يمكن لروائيّ، مثلاً، أن يغوص في عوالم نصّه، وكيف له أن يعتني ببنية نصّه، دون الاطلاع على تراثه الشعري الهائل! هذا سؤال ثقافي يجب طرحه ومناقشته بجدية. للأسف، هناك من يسخر من الأدب العربي والشعر العربي دون معرفة أوّلية بهذا الشعر والتراث، بل أحياناً دون معرفة باللغة نفسها. ولكثير من هؤلاء حضور في المشهد الثقافي وكتب مطبوعة. صار بعضهم يتّهمك بأنّك "عبد اللغة" ما إن تناقش معه التراث وأهميته. أعتقد أنّنا بحاجة للعودة إلى الشعر لإنتاج أدب حديث. والكسالى وحدهم من يتّهمون علاقة القارئ أو الكاتب العربي مع تراثه بالتمسّك بالماضي. ليتهم يعرفون ما يحتويه هذا الماضي قبل نقده.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟

- ميزة الشعر العربي هي اللغة العربية وجمالياتها وخواصها. ضعف النصّ من وجهة نظري هو ضعف في العلاقة مع اللغة، وفي التفكير شعرياً من خلال اللغة. 


■ شاعر عربي تعتقد أنّ من المهمّ استعادته الآن؟

- أبو تمام. أعتقد أنّ الصنعة ظُلمت. علينا أخذ الصنعة إلى أقصاها.


■ ما الذي تتمنّاه للشعر العربي؟

- أن يُقرأ من أهله أوّلاً. أن يُدرّس بالمدارس. أن يكون ثقافة عربية عامّة. هذا أهمّ من ترجمته إلى لغات العالم.


بطاقة

شاعر وصحافي مستقلّ مقيم في كندا، من مواليد قرية سنابس شمال شرق السعودية عام 1989. صدرت له أربع مجموعات شعرية، هي: "عين في إصبع" (2013)، و"من العتمة إلى الجياع" (2015)، و"سيرة الشبيه" (2017)، و"غيوم سيت" (2020). حاز مؤخّراً جائزتَي "شيرين أبو عاقلة للصحافة المختصّة بالعدالة الاجتماعية" و"ليونارد شيفرين ولويز دولود للمراسلين الناشئين" في كندا. يعمل حالياً في الصحافة المحلّية الكندية.

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون