فنزويليون في خطر... معاناة طالبي اللجوء في شمال البرازيل

06 سبتمبر 2019
هنا ينامون (أطباء بلا حدود)
+ الخط -

تشهد ولاية رورايما البرازيليّة مأساة يعيشها آلاف الفنزويليين الفارين من بلادهم. وتسلّط "العربي الجديد" الضوء على معاناة هؤلاء من خلال نشر هذا التحقيق، بالتعاون مع منظمة "أطباء بلا حدود"، التي تسعى إلى تأمين بعض الرعاية الطبية لهؤلاء 

يعيش آلاف الفنزويليّين في ظروف محفوفة بالمخاطر، ويكافحون من أجل رعاية طبية مناسبة في ولاية رورايما البرازيلية، بعد فرارهم من بلادهم التي مزقتها الأزمة. وتعدّ ولاية رورايما الشمالية البوابة الرئيسية للبرازيل بالنسبة للفنزويليين الفارين من الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المستمرة في بلادهم. ونتيجة لظروف المنطقة الصعبة، زاد تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء إلى البرازيل بشكل كبير منذ عام 2017. وفي الوقت الحالي، يدخل نحو 600 فنزويلي إلى رورايما بشكل يومي.

ووفقًا للأرقام الرسمية، يعيش الآن نحو 40 ألف مهاجر وطالب لجوء في بوا فيستا، عاصمة الولاية. أما التقديرات غير الرسمية، فتشير إلى وجود نحو 100 ألف فنزويلي في رورايما، أي أنهم يشكلون خمس سكان الولاية، ومعظمهم يعيشون في ظروف صعبة. تجدر الإشارة إلى أن هذه الولاية تعد من أضعف الاقتصادات نمواً في البلاد، وتعاني نظاماً صحياً هشاً في ظل غياب الأطباء والإمدادات الطبية. كما تكافح البنية التحتية للولاية لمواجهة هذا التدفق الكبير من الفنزويليين.




في هذا الإطار، أقامت رورايما 13 ملجأً رسمياً تعمل بكامل طاقتها، وتستضيف نحو 6000 شخص، نصفهم من الأطفال، وقد جلب معظم الفنزويليين الذين أتوا إلى البرازيل عائلاتهم معهم. لكن على الرغم من هذه الجهود، يعيش عدد أكبر بكثير من الناس خارج الملاجئ أو في مبانٍ تفتقر إلى أدنى الشروط الأساسية، أو في مبانٍ مهجورة أو في الشارع. أما في
بوا فيستا، فيعيش نحو 23 ألف فنزويلي حالياً في مبان متضررة للغاية، فيما يعيش أكثر من 3000 فنزويلي في الشارع.

أمراض
المصاعب التي يواجهها المهاجرون وطالبو اللجوء الذين لا يقطنون في ملاجئ لها تأثير مباشر على صحتهم. تقول ماريانا فالينتي، وهي طبيبة تعمل مع منظمة "أطباء بلا حدود": "نحن نعالج الحالات المرضية الناتجة عن نقص النظافة والصرف الصحي مثل الإسهال. وهناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من أعراض الأنفلونزا والالتهاب الرئوي والتهاب الجيوب الأنفية والتهاب الأذن. كما أن الطفيليات المعوية والجرب شائعان". تعمل ماريانا في مركز صحي تديره بلدية بوا فيستا في مقاطعة 13 دي سيتيمبرو، وهي منطقة يعيش فيها الكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء الفنزويليين في الوقت الحالي.



وعادةً ما يلجأ الأشخاص الذين يعيشون في الشارع إلى منطقة تقع خلف محطة الحافلات في بوا فيستا. وفي كل يوم، عندما تغيب الشمس، يقوم أكثر من ألف مهاجر بنصب خيام صغيرة في منطقة ذات سطح مفتوح. والحقيقة أن قلة من الناس تملك خياماً. لذلك، يتولى الجيش منح الخيام لمن يحتاجها، وعادة ما تكون صغيرة ويتشاركها شخصان أو ثلاثة. وبما أن هذه الخيام لا تحتوي على فراش، ينام الأشخاص الذين لا يملكونها على الأرض مباشرة.

يقول سيزار مارتينيز، وهو رجل فنزويلي يقضي لياليه قرب محطة الحافلات مع زوجته وأطفاله الثلاثة: "هناك الكثير من الغبار والمياه المتسخة في هذا المكان، إضافة إلى أشياء أخرى تنقل المرض لنا ولأطفالنا". في الليل، يحصل الأشخاص الذين يقيمون هناك على عشاء مجاني في كافيتيريا إلى جوار المخيم. لكن يجب عليهم إخلاء المنطقة كل يوم عند الساعة السادسة صباحاً، باستثناء المرضى الذين يسمح لهم بالبقاء هناك خلال اليوم. يوضح أن الموقف الذي يواجهونه صعب للغاية، لكنه يشعر بالامتنان لجميع المنظمات والمواطنين البرازيليين الذين يساعدون أسرته والفنزويليين الآخرين.

تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الفنزويليين يعيشون في مبانٍ مهجورة من دون كهرباء، ولا يستطيعون تأمين المياه.




وتعدّ الظروف المعيشية في الملاجئ الرسمية البالغ عددها 13 بسيطة جداً، لكن الأوضاع أسوأ في الملاجئ المخصصة لاستضافة مجموعات السكان الأصليين: جانوكويدا في بلدة باكارايما، وبينتولانديا في بوا فيستا.

في بينتولانديا، يعيش أكثر من 500 شخص من مجموعة واراو العرقية، و30 شخصاً من مجموعة باناري العرقية في عشرات الخيام، التي ينتشر معظمها في ما كان يعد ملعباً متعدد الرياضات. ويقع الملجأ تحت مستوى الشارع، وتغطي طبقة من الحصى الأرض لمنعها من التبلل بشكل دائم. لكن عندما يتساقط المطر، تمتلئ المنطقة بالمياه ومعها الخيام.

أمطار
يقوم إسرائيل، وهو أحد أعضاء مجموعة واراو، بتنظيف خيمة عائلته بعد الفيضان. يقول والتعب ظاهر في عينيه: "أمطرت كثيراً قبل بضعة أيام، وتبللت الفرش وملابس الأطفال". وتوضح سارة لوبيز، فنية المياه والصرف الصحي في منظمة "أطباء بلا حدود": "الأمر لا يتوقف عند سهولة دخول مياه الأمطار والفيضانات إلى هذا الموقع، بل لا بد أن ندرك أن هذه المنطقة استوائية وتكثر فيها الأمطار. وقد نفذ جزء من خطة التصريف التي وضعناها، لكن هناك المزيد من العمل أمامنا".

وتعدّ نقاط المياه في الملجأ قليلة في الوقت الحالي. لذلك، يجب أن تنقل المياه المستخدمة لغسل الأواني والملابس من الخارج بواسطة الدلاء. وبالنسبة إلى الصرف الصحي، فإن القاطنين في الملجأ يواجهون مشكلة انسداد المراحيض بشكل متكرر. أما في المطبخ المشترك، فيطبخ الناس على نار مفتوحة، ويأكلون كل ما يعطى لهم، وعادة ما يكون عبارة عن لحم بقر وأرز. لكن حتى في المطبخ، لا ترقى الظروف الصحية إلى الحد الأدنى المقبول. فالرطوبة الدائمة وتردي مستوى النظافة يساعد في انتشار البعوض والصراصير، ما قد يؤدي إلى زيادة الأمراض.

أما الأشخاص الذين يعيشون في ملجأ بينتولانديا، فليس لديهم أي فرصة لتحسين أوضاعهم كالآخرين. ويزداد وضعهم تعقيداً بسبب عدم إدراجهم في برنامج التوطين البرازيلي، إذ تسمح الخطة التي ترعاها الحكومة والأمم المتحدة للمهاجرين وطالبي اللجوء وأسرهم بنقلهم طواعية إلى مناطق أخرى من البلاد، لكن السكان الأصليين لا يمكنهم التقدم لهذا البرنامج.



ويقول ديليو سيلفا، أحد أفراد مجموعة واراو التي تعيش في بينتولانديا: "الأمر يشبه أخذ طائر من البرية، ووضعه في قفص، وإعطائه كل ما لا يريده. هكذا يعيش السكان الأصليون هنا". وعلى الرغم من احتجازهم في خانة النسيان هذه، ما زال بعض هؤلاء الأشخاص يبذلون قصارى جهدهم لتحسين ظروفهم والعمل على تلبية احتياجاتهم. وتقوم النساء بتصنيع وبيع الحرف المصنوعة من ألياف البوريتي (شجرة نخيل محلية)، بينما يجمع الرجال الخردة المعدنية في شوارع بوا فيستا لتأمين الغذاء، مثل الخضار وأسماك النهر والدقيق. وبغض النظر عن وضعهم، يؤمن السكان الأصليون بأهمية إعداد طعامهم بأنفسهم.

يحاول المهاجرون وطالبو اللجوء الآخرين البقاء إيجابيين على الرغم من هذه المحن اليومية. ويقول ريكاردو كالزاديا، الذي يعيش الآن في ملجأ جارديم فلوريستا مع زوجته ميلاغروس وابنته ساراي: "كان علي أن أجعل عائلتي تدرك أن كل شيء يسير بشكل جيد". ويشرح بفخر أن التفاؤل ساعده على تسجيل ابنته البالغة من العمر ثماني سنوات في مدرسة تبعد ساعة واحدة سيراً على الأقدام عن الملجأ. ويصطحب ابنته ساراي في هذه الرحلة اليومية ذهاباً وإياباً.

ويقول ريكاردو، وهو فنزويلي آخر كان يعيش حياة رغيدة في بلاده بينما يحاول إبقاء الابتسامة على وجهه: "في السابق، كنا نأكل في منزلنا وحدنا نحن الثلاثة. أما الآن، فنتشارك طعامنا في كافيتيريا مع 600 عائلة أخرى. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نتشارك معهم الحمام أيضاً. لقد كبرت أسرتي وزاد عدد أفرادها. يتوجب عليك في بعض الأحيان أن تنظر إلى الأشياء بطريقة إيجابية، فذلك يساعد على المضي قدماً".




وبدأت منظمة "أطباء بلا حدود" أنشطتها في ولاية رورايما البرازيلية في نهاية عام 2018. ومنذ ذلك الحين، كان هدفها المساعدة في تحسين الرعاية الطبية للمهاجرين وطالبي اللجوء الفنزويليين والسكان المحليين. وتقدم المنظمة الاستشارات الطبية والمساعدة الصحية النفسية والمشورة الفنية في مجال المياه والصرف الصحي، كما وتدير أنشطة التوعية الصحية.

المساهمون