لا خدمات صحية في المحويت

14 اغسطس 2019
19.7 مليون يمني بحاجة إلى رعاية صحية (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

مع استمرار الحرب في اليمن، تتدهور أوضاع القطاع الصحي أكثر فأكثر. ويطاول ذلك التدهور محافظة المحويت.

"توفي ابني قبل أن أصل إلى مستشفى الجمهوري في صنعاء"، يقول أمين عبد الله، الذي توفي نجله إثر إصابته بحروق في أنحاء مختلفة من جسمه، من جراء اشتعال غالون بلاستيكي مليء بالبترول قرب منزله في محافظة المحويت، غربي البلاد. حاول نقل ابنه إلى مستشفى الجمهوري في صنعاء، المتخصصة في علاج الحروق، لكن صغيره توفي قبل أن يصل. يقول لـ"العربي الجديد": "أصيب ابني بحروق نتيجة انفجار غالون بلاستيكي مليء بالبترول مخصص لدراجتي النارية، وعندما نقلته من منطقتي إلى مدينة المحويت، نصحني أصدقاء بنقله إلى صنعاء لأن الإمكانيات هنا ضعيفة ولا يستطيع الأطباء علاجه"، لكن كان قد فات الأوان.

وتضطرّ غالبية سكان مدينة المحويت إلى نقل مرضاهم إلى العاصمة صنعاء بسبب عدم توفر الرعاية الصحية المناسبة في مستشفيات المحافظة. من بين هؤلاء إبراهيم محمد (50 عاماً)، الذي يضطر للسفر إلى صنعاء للعلاج من آلام العمود الفقري. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه يعاني كثيراً من جرّاء اضطراره للسفر بين الحين والآخر إلى أمانة العاصمة لتلقي العلاج، خصوصاً مع استمرار انقطاع راتبه الحكومي منذ نحو ثلاث سنوات. يضيف: "المنظومة الصحية في محافظة المحويت متدنية منذ ما قبل الحرب، لكنها الآن منهارة تماماً، ولا يوجد أي مستشفى أو عيادة خاصة تعالج أمراض العمود الفقري".

ويشير محمد إلى أن أوضاعه الاقتصادية باتت صعبة للغاية كغالبية سكان المحويت، من جراء تداعيات الحرب التي تشهدها البلاد منذ مارس/ آذار 2015". ولم يعد في وسعه تحمل تكاليف الإقامة والعلاج الباهظ في صنعاء، بعدما باع حلي زوجته وأنفق كل مدخراته. ويسأل: "لماذا لا تملك محافظة المحويت مستشفيات وكوادر طبية لعلاج المرضى كباقي محافظات البلاد؟". ويطالب الحكومة في صنعاء بسرعة دعم المحافظة بالمستلزمات والأجهزة الطبية اللازمة والكادر المؤهل للتخفيف من معاناة المواطنين التي تتفاقم يوماً بعد آخر.




أما الطفل فارس عبد الرحمن (ثمانية أعوام)، والمصاب بسرطان الدم (لوكيميا)، فيقول والده لـ"العربي الجديد"، إنّه باع كل ما يملك خلال سنوات الحرب الأربع الماضية حتى يتمكن من مواصلة علاج طفله في مستشفى الكويت (حكومية) في صنعاء. يضيف لـ"العربي الجديد": "تتكفل بعض المنظمات بدفع بدل العلاج الكيميائي. لكن أشتري بقية الأدوية، وهي كثيرة، من الصيدليات الخاصة، وهو ما يفوق إمكانياتي". يتابع: "ليس عدلاً أن تظل محافظة بحجم المحويت من دون أطباء ولا معدات وأجهزة طبية لعلاج المرضى. يجب على الدولة إيجاد حل لهذه المشكلة للحد من معاناة الأهالي". وتزايدت الأخطاء الطبية خلال السنوات القليلة الماضية في مدينة المحويت، نتيجة عدم وجود كوادر طبية مؤهلة، وغياب الأجهزة الرقابية على المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.

في هذا الإطار، تقول أم أحمد إنها سافرت من المحويت إلى صنعاء مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، وبقيت في منزل شقيقها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حملها، حتى تلد في أحد مستشفيات أمانة العاصمة، بعد تزايد الأخطاء الطبية في المحافظة خلال الفترة الماضية. تضيف: "كثيرة هي الأخطاء الطبية، وكان آخرها قبل أشهر عندما تسببت طبيبة تعمل في المستشفى الجمهوري في المحويت بموت طفل خلال إجراء عملية قيصرية لأمه نتيجة الإهمال. بعدما علمت بالحادثة، قررت الولادة في أمانة العاصمة، على الرغم من الكلفة الباهظة".

ويعدّ مستشفى الجمهوري في مدينة المحويت (مركز المحافظة)، المستشفى الحكومي الوحيد الذي يستقبل المرضى من كافة مديريات المحافظة، وفقاً لناشط مقيم في المحويت فضّل عدم الكشف عن هويته. ويبين الناشط أن المحافظة برمتها خالية تماماً من الكوادر الصحية وتفتقر لأبسط الإمكانيات، لا سيما منذ بدء الحرب قبل أكثر من أربع سنوات. ويقول المصدر لـ"العربي الجديد"، إن عشرات آلاف سكان مدينة المحويت يعانون من ظروف إنسانية مأساوية "تفوق الوصف، من جراء الانعدام التام للخدمات الطبية في المحافظة". يضيف: "يضطر السكان للسفر إلى العاصمة صنعاء أو إلى محافظة الحديدة (غرب)، لإجراء التصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي، وعمليات بسيطة مثل البواسير، واستئصال الزائدة الدودية، واللوزتين". يتابع الناشط: "الفقراء وحدهم مجبرون على الذهاب للعلاج في المستشفى الجمهوري، لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف السفر خارج المحافظة"، مؤكداً أنه "ما من شخص عاقل يملك المال يعالج في أي مرفق صحي في المحافظة، خصوصاً مع تزايد الأخطاء الطبية التي راح ضحيتها الكثير من الأشخاص".

ويلفت الناشط نفسه إلى أنّ الكادر الطبي في المستشفى الجمهوري "مؤلف من طبيب أطفال مصري كبير في السن، وطبيبات للأمراض النسائية والولادة، وطبيبة واحدة للأسنان قدمت أخيراً، والبقية ممرضون ومساعدو أطباء من المحافظة نفسها، جميعهم غير مؤهلين ولا يمكن الاعتماد على قدراتهم المتواضعة". ويوضح أن بعض المنظمات الدولية بالتعاون مع منظمات محلية، نفذت مشاريع بهدف علاج المرضى في المحافظة. "لكن مع مرور الوقت، اتضح أنها وهمية، والغرض الأساسي منها جمع المال فقط، إذ لم يستفد منها أحد حتى الآن في ظل تجاهل مريب من السلطات الصحية في المحافظة".




وتقع محافظة المحويت في غرب اليمن، وتتكون من تسع مديريات. كما أن إجمالي مساحتها تبلغ 2328 كيلومتراً مربعاً، وعدد سكانها نحو نصف مليون شخص، وفقاً لآخر الإحصائيات الرسمية. وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن باتت خارج الخدمة من جراء الحرب المتصاعدة منذ مارس/ آذار عام 2015. ووفقاً لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2019، والتي أعدتها في فبراير/ شباط الماضي، فإن 19.7 مليون شخص في حاجة إلى رعاية صحية في كل أنحاء البلاد. أما الكلفة، فتصل إلى 627 مليون دولار أميركي.
المساهمون