تنتشر المخدرات في مدارس تونس، وخصوصاً بين المراهقين، ما دفع الجهات المعنية إلى المطالبة بإيجاد حلول. ولهذا أسباب عدة، سواء داخل العائلة أو خارجها. إلا أن الخطورة تكمن في ارتفاع نسبة الإدمان من عام إلى آخر
انتشار المخدرات في مدارس تونس بات يقلق المنظمات العاملة في مجال مكافحة الإدمان والتربويين. وتدعو بعض الجهات المعنية إلى وضع خطة وطنية لمكافحة الإدمان على المخدرات بين أطفال المدارس. ولعلّ النتائج التي كشفتها دراسة حديثة أعدّتها الجمعية التونسية لطب الإدمان، أشارت إلى أن نصف التلاميذ في تونس جربوا التدخين والمخدرات، وأنه يوجد أكثر من 400 ألف مدمن على المخدرات والكحول، إضافة إلى 33 ألفاً يتعاطون المخدرات من خلال الحقن إجمالاً، تستدعي تضافر الجهود للحد من هذه المؤشرات الخطيرة.
ويؤكد رئيس الجمعية التونسية لطب الإدمان، نبيل بن صالح، لـ "العربي الجديد"، أنّ الدراسة التي قامت بها الجمعية تشير إلى أن 3 في المائة من تلاميذ تونس يستهلكون المخدرات بانتظام، وتتراوح أعمار هؤلاء ما بين 15 و17 عاماً، علماً أنها كانت واحداً في المائة. يضيف أن الرقم كبير لأنه سنوي، والواقع قد يفوق الأرقام، ما يعني أن الاستهلاك إلى ارتفاع من عام إلى آخر. ويوضح أن الجمعية أجرت دراستين، الأولى شملت عينة مؤلفة من ستة آلاف تلميذ، وأخرى من سبعة آلاف تلميذ. وكان التركيز على الفئة التي يتراوح عمرها ما بين 15 و17 عاماً، إذ عادة ما يسعى المراهقون إلى اكتشاف أشياء جديدة.
ويشير إلى أن اختيار التلاميذ شمل معاهد عمومية وخاصة من كامل المحافظات التونسية، مؤكداً أنّ أبرز ما تمت ملاحظته في كلا الدراستين هو أن نسبة انتشار التدخين في الأوساط المدرسية لم تكن مرتفعة، في حين أن الإقبال على مخدّر "الزطلة" تضاعف نحو 3 مرات. كما أن استهلاك الأقراص المخدرة تضاعف سبع مرات.
ويلاحظ أن استهلاك المخدرات في المدارس يشمل الذكور والفتيات. وفي وقت يستهلك الصبيان "الزطلة"، تقبل الفتيات على أقراص مخدرة. ويشير إلى أنّ استهلاك أقراص الاكستاسي زاد من 0.2 في المائة إلى 1.4 في المائة، الأمر الذي زاد المخاوف. ويشير إلى أنه لا بد من زيادة التوعية حول خطورة المواد المخدرة التي تؤثر على أدمغة الأطفال وتضعف قدراتهم الذهنية وتهدّد مستقبلهم الدراسي. ويشير إلى أن الأخطر يتمثل في لجوء بعض الأطفال إلى الحقن، الأمر الذي خلصت إليه الدراسة. كما أنّ استهلاك المخدرات في مثل هذه السن يساهم في تغيير وجهة ومستقبل الشخص.
ويلفت إلى أن المسؤولية تنطلق من العائلة إلى المنظومة التربوية والشارع، لأن عدم التصدي لهذه الظاهرة سيؤدي إلى نتائج وخيمة، مضيفاً أنه لا بد من ملء أوقات فراغ التلاميذ من خلال إشراكهم في أنشطة ونوادٍ ووضع خطة وطنية لمقاومة المخدرات.
إضافة إلى ذلك، يقول الباحث في علم الاجتماع الطيب الطويلي إننا أصبحنا نتحدّث بسهولة عن وجود المواد المخدرة من زطلة أو حبوب هلوسة بين التلاميذ، وهو أمر خطير يهدّد السلامة الذهنية والاجتماعية لشبابنا، خصوصاً أن المحيط التربوي لطالما كان إطاراً للتهذيب والتعليم والتقويم، لكنه أصبح اليوم مكاناً يسهل فيه انحراف الأطفال.
يضيف الطويلي في حديث لـ "العربي الجديد" أن غياب الحراسة داخل المعاهد والمدارس تسبّب في سهولة دخول المنحرفين إلى هذه الأطر التربوية ونشر سمومهم داخلها. وتبيّن الدراسات أن المخدرات متوفرة وبشكل سهل، ما يشجّع الأطفال على تجريبها وبشتى أنواعها؛ كالقنب الهندي (الزطلة) وحبوب الهلوسة كالأرتين والسوبيتاكس والاكستاسي والباركيزول وصولاً إلى الهيرويين والكوكايين. ويبيّن أنه بحسب وزارة الداخلية، فإن قضايا المخدرات في صفوف المتورطين من الشباب والتلاميذ قفزت من 213 في عام 2012 إلى 475 في عام 2016.
كذلك يبيّن أن الانفلات داخل المدارس على مستوى الأمن وتوقيت الدروس وغياب المدرسين وإضراباتهم يساهم بشكل مستمر في تفشّي هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر السلبية في الوسط المدرسي. كثيراً ما يجد التلميذ نفسه على قارعة الطريق قبالة المدرسة بسبب غياب المدرس أو الساعات الجوفاء. بالتالي، يكون عرضة للعصابات المنظّمة التي تعمل على ترويج هذه السموم.
ويرى رئيس الجمعية التونسية للوقاية ومعالجة الإدمان الدكتور عبد المجيد الزحاف أنّه لوحظ خلال السنوات القليلة الماضية انتشار ظاهرة المخدرات التي أصبحت متاحة لجميع الفئات. يضيف لـ "العربي الجديد" أن انتشار المخدرات ساهم في تنامي الجريمة والقتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم. ويلاحظ أنه من بين أسباب إقبال التلاميذ على المخدرات التفكّك الأسري والطلاق والدلال المفرط. ومن بين الحالات التي صدمته قصة شاب (18 عاماً) اشترط على والدته أن تشتري له السيارة التي يريدها أو يواصل استهلاك المخدرات.
ويشير إلى أنّ ضغوط الحياة وانشغال أولياء الأمور بالعمل وغياب الحوار جلّها عوامل ساهمت في زيادة إقبال التلاميذ على المخدرات، على الرغم من وعيهم بمضارها، في محاولة منهم لإبراز شخصياتهم. ويفيد بأن على أولياء الأمور ألا يصمتوا هرباً من الفضيحة أو العقاب، بل عليهم التحاور والاتصال بالمتخصصين لطلب المساعدة، مؤكداً أنّه يجب تغيير طريقة التعامل مع الظاهرة وحماية هؤلاء الشباب لأنهم عماد المستقبل.