في العاصمة بيروت، نظّم تلاميذ مدارس وطلاب جامعات مسيرات عدة منذ الصباح، وانتقل التلاميذ ومعظمهم من الصفوف الثانوية، من مدارسهم باتجاه مبنى وزارة التربية والتعليم العالي في الأونيسكو، بيروت. واجتمعوا حول الوزارة وأقفلوا الطريق، كما رددوا شعارات الثورة. وفي حين لم يحاولوا اقتحام الوزارة، إلا أنهم حاولوا عدم السماح لأيّ موظف بالدخول إليها. وعلى الرغم من أنّ بعض المدارس منعت تلاميذها من التظاهر، فقد تحدّوا قراراتها وأصرّوا على الانضمام.
وقال ميشيل شويري، وهو في الثانوي الثالث، لـ"العربي الجديد"، إنّه هرب من المدرسة لكن بعلم أهله للمشاركة في التظاهرة "نحن موجودون هنا من أجل الحصول على حقوقنا، ونزلنا على الرغم من أنّ المدرسة ترسل رسائل إلى ذوينا ليعيدونا إليها". وأكّد شويري وبعض أصدقائه أنّهم ليسوا خائفين من إدارة المدرسة، إذ لا يحق لها أن تتخذ بحقهم أي قرار بالفصل أو عدم تقديم طلبات ترشيحهم لامتحانات الثانوية العامة "لأنّنا نمارس حقنا بالتظاهر ولا نخالف أيّ قانون بحسب الدستور اللبناني".
في المقابل، قال بعض التلاميذ إنّ إدارات مدارسهم كانت الداعم الأكبر لهم. وقالت مريان شمس الدين لـ"العربي الجديد": "الجيل الطائفي المتعصّب قد ولّى، نحن اليوم نمثّل الوطن، الوطن فقط. نحن لا نطالب بغير حقوقنا الإنسانية".
وأضافت أنّها لا تكترث لكمية الدروس المتراكمة، فالوطن بحاجة إليهم اليوم أكثر من أيّ شيء. صديقتها بيا مسلماني قالت بحرقة: "لا أريد أن أتعلم كي أهاجر فتبكي أمّي عليّ بعدما ربتني وتعبت. أريد أن أعيش هنا وأموت هنا، وهذا حقّي".
شارك طلاب الجامعة اللبنانية في احتجاج حاشد، في المجمع الجامعي في الحدث، بالقرب من بيروت، مرددين هتافات الثورة. واللافت أنّها من المرات النادرة التي يتمكن فيها الطلاب المستقلون في هذا المجمع الذي يضمّ أكثر اختصاصات الجامعة، من كسر هيمنة الأحزاب التقليدية المشاركة في السلطة، لا سيما حزب الله وحركة أمل.
كذلك، تجمع طلاب الجامعة اللبنانية الأميركية منذ السابعة صباحاً ليؤكدوا على ضرورة الإقفال. وقالت يارا عيسى، وهي طالبة في الجامعة اللبنانية الأميركية، إنّ طلاب الجامعات أهم عنصر في هذه الثورة. تابعت لـ"ألعربي الجديد": "من واجبنا أن ننزل نحن ونطالب بحقنا، نحن الجيل الجديد وهذا حقنا". أما عن تأخير الفصل أو تراكم الامتحانات، فتقول: "هذا يخيفنا لكنّ خوفنا على بلدنا ومستقبلنا أكبر، ومن واجب الجامعات أن تسمع مطالبنا وتقفل أبوابها".
حاصبيا ومرجعيون
في حاصبيا، جنوبي لبنان، نفذ التلاميذ اعتصاماً أمام السراي الشهابية للتعبير عن تضامنهم مع زملائهم في بقية المناطق اللبنانية رافعين الأعلام اللبنانية ولافتات كتب على بعضها: "نحن أحرار... نحن أصحاب حق... نحن مستقبل لبنان والثورة لنا عنوان". وكان لافتاً وصول كثير من التلاميذ بباصات المدارس إلى ساحة الاعتصام. وقد رددوا هتافات تؤكد على استمرار الثورة وتحركهم حتى إسقاط السلطة واستعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين وتشكيل حكومة اختصاصيين.
وتوجه التلميذ جاد حديفة إلى المشاركين بكلمة قال فيها: "أتينا اليوم لنقول للجميع إنّنا شركاء في هذا الوطن، وعصب هذا الوطن. نحن لسنا هواة عطلة حتى ليوم واحد، بالعكس نحن لدينا مطالب وحقوق طبيعية مثلنا مثل أي مواطن، وكلّ واحد بإمكانه التعبير عن رأيه ومطلبه، وهذه فرصة لتكون هناك نقاشات جماعية في ما بيننا، لأنّ بإمكاننا أن نعلّم هذه السلطة كيف تُحكَم الأوطان".
كذلك، نظم تلاميذ الثانويات والمدارس والمهنيات الرسمية والخاصة في جديدة مرجعيون، مركز قضاء مرجعيون، جنوبي لبنان، مسيرة حاشدة انطلقت من أمام ثانوية مرجعيون الرسمية باتجاه المدارس الرسمية والخاصة وجابت شوارع جديدة مرجعيون وصولاً إلى ساحة السراي الحكومي في البلدة، رافعين الأعلام اللبنانية، ومطلقين الهتافات المطالبة بتصحيح الوضع وتأمين حقوق المواطنين ومحاسبة الفاسدين في مختلف قطاعات الدولة.
وفي قرى منطقة العرقوب، قضاء حاصبيا، نفذ تلاميذ مدرسة الإيمان، وهي مدرسة خاصة، وثانوية شبعا الرسمية والمدرسة الابتدائية في شبعا وغيرها من مدارس العرقوب مسيرات جابت شوارع البلدة هاتفة: "كلن يعني كلن، ثورة ثورة". وكان لافتاً خلال تحدث عدد من التلاميذ إلى "العربي الجديد" مدى معرفتهم بتفاصيل ما يحدث في وطنهم وقلقهم على مستقبلهم بعد تخرجهم من الجامعات ورفضهم الوقوف أمام المسؤولين للحصول على وظيفة، أو السفر إلى الخارج بحثاً عن لقمة عيش كريمة.
وقالت التلميذة ميرنا مداح: "جئنا للمطالبة بحقوقنا والعيش بكرامة، وبمساواة مع الجميع، وللمطالبة بعمل بعد تخرجنا من الجامعة بدلاً من تعليق الشهادة على الحائط أو السفر خارج لبنان". وقالت التلميذة في معهد ميمس الفني، قضاء حاصبيا، شيراز دعيبس: "اجتمعنا من مختلف مدارس حاصبيا لنطالب بحقوقنا وحريتنا مثل كلّ الناس، ونريد تأمين مستقبلنا من دون أن نقبّل مائة يد كي نحصل على عمل". من جهتها، قالت المعلمة أديل صياغة: "حضرنا اليوم للتضامن مع تلاميذنا، وبسبب خوفنا على مستقبل أبنائنا نحن هنا على الطرقات ولن نخرج منها حتى ينزلوا جميعاً عن كراسيهم".
من جهته، قال التلميذ أدونيس حديفة: "كلنا نمثل الثورة وكل حرّ يمثلنا، واتحدنا جميعا كتلاميذ لنطالب بحقوقنا". أما تيا مداح فقالت: "يوم أمس كانت لدينا حصة في التربية المدنية، فشرح لنا الأستاذ عن مفهوم الحق والواجب. لماذا ندرس هذه الأمور طالما ليس هناك شيء صحيح في الواقع؟ منذ صغري أسمع الجميع يقولون: ليس هناك عمل، ومن جهتي أريد أن أعمل في وطني ولا أغادر، لأنّنا أجيال المستقبل". بدورها، قالت المعلمة رنا حديفة: "أتيت إلى هنا اليوم لأعبر عن رأيي، فالفساد بات في كلّ مكان ويؤثر على حياة جميع الناس، ممن ملّوا من هذا الوضع. هناك فقر وجوع واستغلال ومحاصصة وسيطرة للأحزاب في كلّ حياتنا، وأنا أتضامن مع التلاميذ لأنّ همّي أن يعيشوا هم وأولادي بواقع جديد هم يصنعونه بعيداً عن الهيمنة السياسية والأحزاب والطائفية".
صور وصيدا
وفي صور، جنوب لبنان، نظم عدد من الطلاب مسيرة راجلة من أمام شعبة صور في الفرع الخامس لكلية العلوم في الجامعة اللبنانية، حيث كانوا ينفذون اعتصاماً، وتوجهوا إلى الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم، حيث نفذوا وقفة احتجاجية رددوا خلالها هتافات مطلبية تتعلق بالمناهج، فيما عملت القوى الأمنية على منع الطلاب من الدخول إلى حرم الجامعة.
وفي صيدا، بوابة الجنوب، اعتصم تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات منذ ساعات الصباح الأولى في "ساحة الثورة" عند مستديرة إيليا، ثم توجهوا بمسيرة حاشدة بمشاركة بعض الأساتذة جابت شوارع المدينة وصولاً إلى سراي صيدا الحكومي رافعين لافتات كتب عليها: "مدرسة الثورة شهادتها أحلى".
وتوجهت المسيرة في ما بعد للاحتجاج أمام المصارف في المدينة مع هتافات ضد السياسات المالية التي تتبعها الحكومة، وضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لأنّه من وجهة نظرهم من يضع السياسة المالية للبلاد، ومن أبرز هتافاتهم: "يا للعار باعوا الليرة بالدولار"، إشارة إلى التداول بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة اللبنانية، أي العملة الوطنية.
ونفذ عدد من طلاب الجامعات اعتصاماً أمام فرع كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية (الرسمية) في صيدا لما لها من رمزية في تطبيق القوانين. واللافت هو وصول العلم الوطني مع الكتابة عليه "بلدية طرابلس"، في إشارة إلى أنّ مطلب الطلاب اللبنانيين من الشمال إلى الجنوب واحد وهو إلغاء النظام السياسي الطائفي وتأمين فرص عمل للمتخرجين من الجامعات.
مناطق
في الشوف (وسط)، أشارت الوكالة الوطنية للإعلام، الرسمية، إلى أنّ تلاميذ المدارس والثانويات في المنطقة نظموا اعتصاماً حاشداً بعدما انطلقوا من عدد من المدارس واتجهوا نحو ثانوية "الجديدة" في مسيرة احتجاجية على الأوضاع الاقتصادية ودعماً للمطالب الشعبية، وكانوا يرفعون الأعلام اللبنانية ويطلقون الشعارات.
شمالاً، في البترون، جاب التلاميذ الشوارع الداخلية ونظموا وقفة في محيط السراي. وبعد مطالبتهم وإصرارهم على الدخول الى الباحة الداخلية وبالتنسيق مع القائمقام روجيه طوبيا وضباط الجيش والقوى الأمنية، دخل التلاميذ بطريقة سلمية رافعين الأعلام اللبنانية واللافتات، في حضور عدد من الموظفين في الإدارات الرسمية. ثم غادروا مختتمين تظاهرتهم بترديد النشيد الوطني. وفي شكا، نظم التلاميذ والأهالي تظاهرة جابت عدداً من الشوارع وتوقفت أمام المصارف والمدارس، رافعين الأعلام اللبنانية واللافتات المطلبية "بتشكيل حكومة حيادية". وفي بلدة مزيارة في زغرتا (شمال لبنان)، نفذ تلاميذ المرحلتين المتوسطة والثانوية وقفة تضامنية مع تلاميذ وطلاب لبنان تعبيراً عن "سخطهم على الوضع القائم". وجابوا في شوارع البلدة وصولاً إلى ساحتها رافعين الأعلام اللبنانية والشعارات التي تطالب "بالعدالة التربوية والاجتماعية وحبّ الوطن".
وبينما استمرت التظاهرات الطلابية في كثير من المناطق اللبنانية، لتشمل جميع المراحل الدراسية أحياناً، نشط مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في نشر مقاطع فيديو وصور حول هذه الوقفات والمسيرات، مشيدين بالتلاميذ والطلاب باعتبارهم "الأمل في لبنان الغد".
Twitter Post
|
Twitter Post
|
Facebook Post |