لا للحرب الأهلية

28 أكتوبر 2019
لبنان يستمر في انتفاضته (حسين بيضون)
+ الخط -
كلما خرجنا من حرب يجهزون لنا أخرى، أو على الأقل يلوحون لنا بها، كلما حاولنا معارضة السلطات التي ضيقت عيش اللبنانيين، وتحكمت بمصير شعب بأسره كأنها أمر واقع لا مفرّ منه، وهذا حالنا في لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي.

تفيد الحروب بعض أطراف السلطة وتخدم مصالحهم، فهي أحد مبررات، وليس كلها، لاستمرار سيطرتها ونفوذها بحجة الدفاع عن أمن اللبناني داخل وطنه من أخيه اللبناني. زرعوا لدى المسيحي عقدة المسلم حتى صار فزاعته والعكس، وأخافوا الأقليات من خطر الطوائف الأقوى، حتى رسخوا في ذهنيات الناس على مدى أجيال أن التسويات والتلطي تحت مظلة الأقوياء هو الضمانة للاستمرار.

من لم يعش من اللبنانيين الحرب عاش شبحها المهيمن الذي طالما منع المواطنين من العبور بين المناطق للقاء الآخر، والتشارك الفعلي الحقيقي، إلا باستثناءات، من دون توجس أو خوف.
تمكنوا من السلطة وتقاسموها واحتكروها، وتوزعوا الوظائف بحسب الدين والولاء وليس الكفاءة، خصوصاً الوظائف العليا في المؤسسات الحكومية والأمنية والسلك الدبلوماسي والنقابات، ومنعوا التنمية وتأسيس المشاريع إن لم يكن لهم حصة فيها.

حاربوا التعليم الحكومي المجاني لصالح التعليم الخاص والدكاكين التي تسمي نفسها مدارس. ضربوا حقوق الطبابة والضمان الاجتماعي والتشغيل وحماية البيئة وإصلاح قطاع الخدمات من ماء وكهرباء وطرق وغيرها. وكان الشعب خاضعاً لتبريراتهم بفقر الميزانية والمديونية العامة.
اليوم كالسابق يريدون حرباً أهلية، ويهددون بها، ويقنعون جمهورهم بأنها المصير الحتمي لمن يريد إحداث تغيير فعلي في البلاد، والخلاص من الفساد والفاسدين.



اللبنانيون اليوم انفجروا بعد إفقارهم وسرقة مال خزينتهم، فرُبع الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر، ولهذا انتفضوا في الساحات والشوارع بكل المناطق من دون استثناء.
وحالة الغليان الشعبي تواجهها الحكومة بإنكارها، وتسارع إلى "تجميل" وترقيع ما خرّبه الدهر، وترفض التسليم بأن الفاسد والفاشل عليه أن يدفع الثمن.

أما الأخطر في مجريات الأحداث يكمن في التجييش ضد المنتفضين، وإعادة معزوفة اندلاع الحرب الأهلية، بالتزامن مع هتاف الناس بالوحدة على اختلاف انتماءاتهم الدينية.
الناس تقول تعبنا من الحروب ومن الكره وتقسيم المناطق بسبب الأحزاب الطائفية، والجواب أنتم مضللون وتعيشون وهمَ الوحدة وإن الحرب الأهلية بانتظاركم.

من السهل إيجاد الشرخ بين الطوائف، والأصعب توحيدها. لكن شعب لبنان المنتفض لديه الأمل في التغيير ونجح حتى الآن في تشكيل حالة من التعايش والوحدة توصف بالتاريخية.
دلالات
المساهمون