صيادان

14 ابريل 2018
البحر كان هادئاً (عصام سحمراني)
+ الخط -

منذ الصباح الباكر، جهز الصياد الأول أغراض الصيد، وأعدّ الطُعم المناسب، عجيناً ممزوجاً بزبدة وفانيليا وخميرة و"بايكنغ باودر" وكاتشاب. هي خلطته السرية التي داوم عليها طوال سنوات، وآتت أكلها، إذ يعود دائماً إلى البيت، بعد رحلة نصف أسبوعية، بصيد وفير.

عدته قصبة وخيطان وغدارات مختلفة الأحجام تنغرز في فم السمكة أو جسمها، ورصاصات صغيرة لتثقيل الخيط والسماح له بالغرق، ثم بلبل يطوف على وجه الماء فيراقب حركته الصياد كما يراقب رأس قصبته لينتبه إلى التقاط سمكة.

الطُعم أساس الصيد. ولكلّ نوع سمك طُعمه، ما بين حيواني كالقريدس والصبيدج والصدف والديدان، وغير حيواني كالعجين والخبز. الأخير هو الأكثر شيوعاً عادة، فهو الأرخص، لكنّ بعضهم، كالصياد الأول، يتفنن في إضافة خلطته السرية إلى العجين كي يجذب سمكاً أكبر عند صخور كورنيش المنارة على ساحل العاصمة اللبنانية بيروت، أو حتى أنواعاً أخرى قد تشدها تلك الرائحة الدسمة المختلفة.

كالعادة، اتجه إلى الصخور القريبة من الماء، على عكس معظم من يصطادون من فوق الكورنيش، ويستسهلون الصيد عند مصب المياه الآسنة الذي يجمع سمكاً كثيراً حوله. هو ينتخب مكان صيده، فالصيد لديه متعة مهما انتظر وهو يراقب البلبل قبل أن يسحب القصبة. بدأ الصيد وكان جيداً.

بعد نحو ساعتين وصل الصياد الثاني. هو غير معتاد على المكان. وقلّما يصطاد أساساً. لكنّ النهار جميل، واليوم إجازة، فلمَ لا؟ جلب عدته التي ربما نسي إن كان شيء ما ينقصها، على عجل، ولم ينسَ أن يأخذ في طريقه بقايا الخبز من البيت. عند الصخور بدأ في إعداد الطُعم من الخبز وحده. جعل يبلل الخبز بالماء ويحاول عجنه مجدداً، ليعيده إلى سيرته الأولى. نجح في إعداد كرة كبيرة من العجين، تتطلّب الضغط عليها باستمرار كلّ فترة بسيطة كي تبقى على طراوتها التي تسمح بلصقها في الغدارات.

البحر هادئ هذا النهار، والصياد الثاني استمر طوال ساعة من دون صيد. وقعت كرة الطُعم بأكملها في الماء، لتوتره، أو ربما عن قصد، فطلب من الصياد الأول تسليفه بعض الطُعم. وبالفعل أعطاه.




باتا هما الاثنان يستخدمان الطُعم نفسه، ويتنافسان على السمك نفسه. الصياد الثاني التقط سمكة من أول مرة بالطعم الجديد، ثم سمكة أخرى تصل إلى حجم اليد. لكنّه بعد ذلك لم يلتقط أكثر من سمكة واحدة طوال أكثر من ساعة، حتى غادر المكان وعاد إلى منزله.

بقي الصياد الأول وحده، واستمر على النظام نفسه، يجلس على براده الذي يضع فيه السمك، يضع الطعم ويرمي، وينتظر طويلاً، وكلّ ثلاث رميات أو أربع يُخرج سمكة كبيرة.

لعلّ الطُعم لم يكن وحده السبب في النهاية.
دلالات
المساهمون