لاجئون سودانيون يموتون على طرق التهريب إلى مصر

17 يوليو 2024
فارون من السودان ينتظرون حافلات لنقلهم إلى أسوان (فرانس برس)
+ الخط -

هرباً من مصيدة الموت بسبب الحرب، يموت سودانيون على طريق التهريب إلى مصر، وتتعدد الأسباب من مخاطر الطرقات إلى الوقوع في فخاخ احتيال المهربين ومواجهة الحرارة المرتفعة "القاتلة".

ضاعفت مخاطر لجوء السودانيين المنكوبين بالحرب المندلعة منذ 15 إبريل/ نيسان الماضي إلى مصر هرباً من الجحيم في بلدهم، إذ بلغ عددهم خلال الأشهر الأخيرة أكثر من 500 ألف شخص، وحصل قليلون منهم على تأشيرات دخول من القنصليات المصرية، فيما دخل معظمهم البلد المجاور بطريقة غير قانونية، باستخدام سيارات عبرت الحدود البرية.
تسلك سيارات التهريب طرقاً صحراوية محفوفة بالمخاطر وصولاً إلى مدينة أسوان المصرية، ثم يستقل اللاجئون حافلات محلية للوصول إلى العاصمة القاهرة أو غيرها من المدن الكبرى. يتعرض اللاجئون لعمليات نهب تنفذها عصابات، واستغلال مالي واحتيال من المهربين، ويواجهون وعورة الطرق التي تسببت في حوادث مرورية لم يستطع أحد التعامل معها بسبب عدم وجود فرق للإسعاف. كما يسلك هذه الطرق أيضاً مرضى تعرضوا لانتكاسات صحية أدت إلى وفاة بعضهم ودفنهم في الصحراء. 
في الأسابيع الأخيرة، تزايدت مخاطر ارتفاع درجات الحرارة، ما أدى إلى وفاة كثيرين بضربات شمس أثناء رحلات التهريب. نُقِلت جثامين بعضهم إلى مستشفيات في أسوان، ودُفن آخرون في الصحراء، فيما أنقذ مواطنون البعض من الموت عطشاً. وتحدثت تقارير عن تكدس جثامين في مشارح مدينة أسوان، من بينها أب وأم وثلاثة من أبنائهما قضوا بعدما تاهوا في الصحراء.
وزادت الدعوات الرسمية والشعبية للسودانيين بعدم السفر إلى مصر عبر طرق التهريب البرية، خصوصاً مع تصاعد حملات السلطات المصرية ضد المقيمين غير النظاميين، والضغوط الشعبية لطرد جميع اللاجئين بحجة تأثيرهم السلبي على الاقتصاد والخدمات الأساسية في مصر، وأيضاً على الأمن الداخلي.
يُقول سيف الدين (اسم مستعار) لـ "العربي الجديد" إنه ذهب قبل أيام إلى منطقة أبي حمد مع زوجته ووالديها وأطفالهما، ودفع نحو مليون جنيه مصري (21 ألف دولار) لمهربين من أجل إيصالهم إلى مدينة أسوان، فيما بقي هو نفسه في السودان لمواصلة عمله وتوفير جزء مما يكسبه لإرساله إلى أسرته التي وصلت إلى القاهرة. 

ويوضح أنه كان يسكن مع أسرته في الخرطوم قبل اندلاع القتال، ثم نزح إلى ولاية النيل الأبيض، لكن في الأشهر الأخيرة أصبحت الحياة صعبة بعد سقوط ولاية الجزيرة بيد قوات الدعم السريع، وسيطرتها على مدينة القطينة ومهاجمتها شمال وجنوب ولاية النيل الأبيض، والطريق الذي يربط بين ربك وسنار، المنفذ الوحيد لحصول الولاية على إمدادات. ويشير إلى أن الضغوط النفسية زادت على أسرته بعدما ارتكبت قوات الدعم السريع مجازر في قرى بولاية الجزيرة، لذا قررت زوجته وأبناؤها وأمها وأبوها المغادرة هرباً من الواقع السائد.
يضيف سيف الدين: "بقيت معهم حتى تحركت سيارة التهريب، ثم انقطع التواصل معهم لأربعة أيام، حتى اتصلت بي زوجتي، وأخبرتني أن والدتها توفيت بضربة شمس خلال الرحلة. وبعد ثلاثة أيام من هذا الاتصال أبلغتني أن والدها وصل بحالة سيئة من ضربة شمس أيضاً، وأدخل المستشفى حيث فارق الحياة. وهكذا يمكن القول إننا هربنا من الموت إلى الموت، علماً أن زوجتي تحتاج إلى فترة من الزمن للتعافي من الصدمة. ما زالت خائفاً على زوجتي وأبنائي بعدما تخطوا الموت في طريق التهريب، لأن السلطات المصرية يمكن أن تقبض عليهم وترحّلهم إلى السودان ليواجهوا رحلة موت أخرى". 
ويقول الناشط الحقوقي طارق إلياس لـ"العربي الجديد" إن "اتفاق الأمم المتحدة الخاص باللاجئين الذي صدر عام 1951 وبروتوكول عام 1967 يكفلان كل الحقوق الإنسانية للاجئين بسبب ظروف الحرب، ويمنع طرد أي لاجئ إلا لأسباب تتعلق بالأمن القومي والنظام العام، ويحظر الاتفاق إعادة اللاجئ إلى دولته في حال تهديد حياته أو حريته بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة". 

باصات تقل لاجئين سودانيين إلى أسوان (فرانس برس)
حافلات تقلّ لاجئين سودانيين إلى أسوان (فرانس برس)

ويرى إلياس أن "السلطات المصرية ارتكبت مخالفة صريحة للاتفاق عبر إرجاعها نحو 700 لاجئ سوداني هربوا من ويلات الحرب، كما نُفِد قرار الإبعاد في ظروف مناخية قاسية، علماً أن السودان عُرف باستضافته لاجئين من كل دول الجوار، ومعاملتهم مثل المواطنين، وقد منح بعضهم جوازات سفر سودانية. يجعلنا ذلك نضع علامة استفهام حول طريقة تعامل مصر وإثيوبيا مع اللاجئين السودانيين".
في حين يرى المحامي أشرف خليل، المقيم في مصر، أن "ثمّة تعقيدات ماثلة في أوضاع السودانيين بمصر تتلخص في شكوى المقيمين بشكل نظامي من بطء إجراءات تجديد الإقامات السياحية والمدرسية. السلطات المصرية منحت مهلة لتسوية أوضاع المخالفين انتهت في الأول من يونيو/ حزيران، ومكاتب اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لا تعمل على نحو مرضٍ، ويصطف السودانيون أمامها على أمل الحصول على مواعيد لمقابلات بعد ستة أشهر كحد أدنى". 
ويذكر أن الوجود السوداني الكثيف والمفاجئ في مصر لم يتوزع في شكل جيد حيث اكتظت بعض الأحياء، ما أشعر المصريين بضغوط، ونبّه إلى وجود مظاهر سلبية في بعض مناطق الأطراف حيث انتشرت مجموعات نشرت الرعب والهلع.

يتابع خليل: "حصلت مداهمات أمنية للبحث عن النقد الأجنبي وتجار العملة، وشملت سودانيين، ما أثار انتقادات في شأن طريقة تنفيذ المداهمات، والخسائر الفادحة التي تعرّض لها البعض بسبب جهلهم الإجراءات التي يجب اتباعها في شأن سياسات الإفصاح. كما عمّت أجواء الكراهية حيال الوجود السوداني، وقد تنتقل هذه الأجواء إلى مراحل أخرى إذا لم تعالج بعض الثغرات، وتتدخل السلطات المصرية والسودانية من أجل تلافي الانزلاق. السفارة السودانية في القاهرة كلّفت فريقاً قانونياً بوضع إطار لمعالجة المشكلات والمعوقات تمهيداً لمناقشتها مع الجانب المصري".
وكانت منظمات للمجتمع المدني في السودان طالبت دول اللجوء بتحسين التعامل مع السودانيين. وأبدت منظمة "شباب دارفور"، في بيان أصدرته أخيراً، قلقها الشديد مما يتعرض له اللاجئون السودانيون من مضايقات واعتداءات في عدد من دول الجوار، خاصة إثيوبيا وتشاد، ما تسبب في أضرار نفسية بالغة لكثيرين، وفي تدهور مريع في مستوى تقديم الخدمات والاحتياجات الأساسية.
وشددت المنظمة على ضرورة توفير الحماية والرعاية للاجئين السودانيين، فيما حثت السلطات السودانية على الاضطلاع بدورها تجاه مواطنيها اللاجئين الذين أصبحوا معرضين لكل أشكال الإذلال والإهانة والانتهاكات الشنيعة، وتأكيد أولوية سلامتهم للحفاظ على حياتهم وكرامتهم. كما طالبت "شباب دارفور" المنظمات الدولية والإقليمية بالإيفاء بالتزاماتها وواجباتها تجاه اللاجئين السودانيين، والعمل لتقديم العون القانوني لهم في دول اللجوء، ومساندتهم عبر توفير متطلبات الحياة والعيش الكريم.

المساهمون