مخيّمان للاجئين في باريس

19 سبتمبر 2016
"مشهد لا يليق بمدينة الأنوار" (العربي الجديد)
+ الخط -

تنشئ باريس مخيّمَين للاجئين بهدف إخلاء الشوارع من المهاجرين طالبي اللجوء، خلال فترة انتظارهم تسوية أوضاعهم. ويمكّنهم هذا من الاستفادة من مساعدات صحيّة، نفسيّة وجسديّة.
في حين تواصل الشرطة تفكيك مخيّم كاليه العشوائي للاجئين أو ما يُعرف بـ"غابة كاليه" في شمال فرنسا، أعلنت رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، عن إنشاء أوّل مخيّمَين رسميَّين للاجئين، أحدهما في شمال المدينة، من المتوقّع أن يُفتتح في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. أمّا الآخر، ففي وقت لاحق، في جنوب باريس الشرقي. يُذكر أنّ كلفة المخيّمَين تصل إلى نحو سبعة ملايين يورو، تغطي سلطات بلدية باريس 80 في المائة منها.

مخيّم اللاجئين الذي يفتتح في منطقة "لا شابيل"، شمال باريس، يشيَّد في موقع صناعي سابق وهو مخصّص للرجال فقط. في البداية، سوف يستوعب 400 شخص، وهو أوّل مخيّم للاجئين يقام في قلب عاصمة أوروبية. ومن المقرر أن يفتتح الثاني بحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، في مصنع قديم لتنقية مياه باريس فى منطقة "إيفري سور سين"، جنوب شرق العاصمة. في البداية، سوف يستقبل 400 شخص من النساء والأطفال المهاجرين الأفغان والسوريين والإريتريين والعراقيين.

توضح نائبة عمدة باريس، دومينيك فيرسيني، المسؤولة عن الشؤون الاجتماعية، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ "هذَين المركزين مؤقتان، لا تزيد مدة الإقامة فيهما عن ستة أيام. وهما يلعبان دور مركز عبور للمهاجرين الوافدين إلى البلاد من أجل الانتقال إلى مراكز أخرى". وتشدّد: "علينا ألا ننسى أنّ طالبي اللجوء هؤلاء عانوا من ويلات الحروب، وتكبّدوا مشقة وخطورة السفر الطويل. كذلك، عانوا خلال سفرهم من نقص في الحاجات الضرورية لبقائهم أحياء أو بصحة جيدة. لهذا، تعدّ مثل هذه المراكز محطة ضرورية خلال النظر في ملفاتهم".

يُذكر أنّ جمعية "إيمايوس" الخيرية تشرف على المركزَين وقد درّبت مئات المتطوعين إلى جانب موظفين أعدّتهم لتقديم المساعدات إلى المهاجرين طالبي اللجوء. وهي سوف توفّر كذلك ثلاث وجبات غذائية في اليوم بالتعاون مع منظمة "أطباء بلا حدود" التي تقدّم خدمات طبية واستشارات نفسية.

يأتي التحضير لهذَين المخيّمَين فيما تواصل الشرطة إخلاء مناطق عند الأطراف الشمالية لمدينة باريس، استقرّ فيها عشوائياً مهاجرون غير شرعيين، وسط ظروف مزرية. وتندّد جمعيات ومنظمات فرنسية عدّة بعمليات "الإجلاء" تلك. فيقول مدير عام جمعية "فرنسا أرض اللجوء"، بيار هنري، لـ"العربي الجديد": "أحيّي شجاعة آن هيدالغو التي أرادت من خلال إقامة مركزَين للاجئين، توفير مخيمات صحية لائقة في انتظار معالجة ملفات المهاجرين".



يضيف أنّ "جمعية فرنسا أرض اللجوء عقدت إلى جانب جمعيات ومنظمات إنسانية عدة، اجتماعات مع وزير الداخلية برنار كازنوف ورئيسة بلدية باريس. وقد نددنا بوضع المهاجرين في شوارع باريس، وشدّدنا على أنّ الحل ليس في يد الشرطة، على الرغم من أنّها تؤدّي دورها في تسجيل كل لاجئ يدخل التراب الفرنسي". ويوضح أنّ "الحل الذي طالبنا به هو تفعيل إرادة سياسية لإيجاد حلول على المدى الطويل، خصوصاً أنّ المهاجرين يعودون إلى الأماكن نفسها، الأمر الذي يجعل محطات المترو وأسفل الجسور الباريسية تشبه أحياء الصفيح". ويلفت إلى أنّه "لا يليق بمدينة الأنوار باريس أن تعامل من لجأ إليها عبر جعله على هامش المجتمع في العراء تحت الجسور".

خريطة أوّل مخيّم رسمي اللاجئين في لا شابيل (بلدية باريس)


في المقابل، تسأل تعاونيات خيرية تساعد طالبي اللجوء في باريس، عن جدوى إقامة مراكز مؤقتة. وتقول كليمنتين رافي، العضو في تعاونية "كوليكتيف لا شابيل دوبو"، إنّ "السلطات تصرف مبالغ هائلة لإنشاء مراكز سوف تضطر إلى هدمها بعد سنوات قليلة، في حين أنّ 10 في المائة من المباني العامة التابعة للدولة في باريس غير مسكونة". تضيف: "كان اقتراح مؤسسة آبيه بيار الخيرية استخدام هذه المباني لاستيعاب الأزمة. لكنه لم يجد آذاناً صاغية حتى يومنا هذا. لا أفهم عدم تمكّن الحكومة من الوضع، فهي لم تقدر حتى على مساعدة نسبة قليلة من حصّتها من طالبي اللجوء في إطار الخطة الأوروبية لإعادة توطين المهاجرين التي أقرّت في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. كان من المقرر أن تستقبل فرنسا 30 ألفاً".

بالتزامن مع إعلان إنشاء مركزَين للاجئين في باريس، أضرم مجهولون النار في مركز كان معداً لاستقبال 200 لاجئ في فرجليبا، وهي ضاحية باريسية نائية. وفي إشارة إلى هذه الحادثة، تقول فيرسيني: "أضمّ صوتي إلى صوت رئيسة بلدية باريس لأستنكر بشدّة هذا العمل الشنيع الذي أراه متعمداً من قبل أطراف تعارض الفكرة. كيف يمكن لهذه المشاريع أن تلقى معارضة قوية لا بل عنيفة". تضيف: "على الأحزاب السياسية في بلديات المدن الفرنسية أن تساهم في تخفيف حدّة الأزمة الإنسانية للاجئين بغض النظر عن الحسابات الانتخابية".

تجدر الإشارة إلى أنّ فرنسا تتأثّر بأزمة اللاجئين في أوروبا بدرجة أقلّ من جارتها ألمانيا، إذ إنّ آلاف الوافدين من سورية والعراق وبلدان أخرى، يعدّونها مجرّد نقطة عبور أملاً في بلوغ بريطانيا عبر مدينة كاليه. وفي هذا الإطار، كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد استنكرت ظروف إقامة المهاجرين (السيئة) في مخيّم كاليه، الذي كان في البداية مركزاً مؤقتاً.

دلالات
المساهمون