قبل أكثر من عامَين، تلقّت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين صفعة مؤلمة عندما أوقفت واشنطن مساعداتها لها، الأمر الذي شكل تهديداً حقيقياً للمستفيدين من خدماتها. أمّا اليوم، فيبدو أنّ الأمور تتّجه إلى الحلحلة.
لم تستطع وكالة إغاثة ودعم اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تعويض النقص الذي سبّبه وقف الدعم الأميركي لها، والذي أعلنته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في سبتمبر/ أيلول من عام 2018. أمّا اليوم، فقد تلتقط الوكالة الأممية أنفاسها بعد إعلان الإدارة الأميركية الجديدة عزمها على استئناف مساعداتها لها أخيراً، ولا سيّما أنّ الولايات المتحدة الأميركية تُعَدّ المساهم الأكبر في ميزانية الوكالة بواقع 365 مليون دولار أميركي، أي ما يساوي ربع ميزانية أونروا العامة المخصصة لتقديم خدماتها الحيوية في مناطق عملياتها الخمس، وهي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ولبنان والأردن وسورية، ودفع رواتب 28 ألف موظف فيها.
ويُسأل عن كيفية انعكاس إعلان إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن على عمل الوكالة الأممية، بعد نحو ثلاث سنوات صعبة زادت جائحة كورونا مُرّها على اللاجئين الفلسطينيين حيثما وُجدوا. يُذكر أنّ قرار وقف المساعدات الأميركية لوكالة أونروا أتى مفاجئاً، بين ليلة وضحاها، ويُعَدّ سياسياً بامتياز، إذ لم يكن له علاقة بأداء الوكالة. فالإدارات الأميركية المتعاقبة لطالما منحت الوكالة علامات عالية في الإدارة والشفافية وفي تصويب الأموال نحو خدمات مُنقذة لحياة اللاجئين الفلسطينيين، بحسب ما يؤكّده المتحدّث الرسمي باسم وكالة أونروا سامي مشعشع في حديث إلى "العربي الجديد".
يؤكّد مشعشع أنّ وقف مساعدات الولايات المتحدة الأميركية التي تُعَدّ أكبر متبرّع لمصلحة أونروا كاد أن يعصف بالوكالة وعملها، وقد جاء نتيجة ضغوطات من لوبيات وشخصيات تحاول الضغط على أصحاب القرار في الولايات المتحدة وأوروبا لتعطيل الوكالة وتجفيف مواردها وإنهائها كمدخل لإنهاء ملف اللاجئين كاملاً. لذا، أطلقت الوكالة حملة دولية تحت عنوان "الكرامة لا تُقدّر بثمن" وحاولت من خلالها تعويض النقص الأميركي وقد حقّقت نجاحاً باهراً. ويشرح: "كنّا نواجه عجزاً كبيراً مع توقف المساعدات، وهذه الحملة مكّنتنا من توسيع رقعة المتبرّعين وأنهينا عام 2018 مع صفر في نسبة عجز الميزانية، وهذا إنجاز كبير. وجزء أساسي من هذا الإنجاز يعود إلى تمكّننا من الحصول على 200 مليون دولار من الدول الخليجية العربية الأربع، قطر والكويت والسعودية والإمارات، علماً أنّها المرّة الأولى التي تقدّم لنا هذه الدول دعمها بمبالغ مماثلة للميزانية العادية. فهي تقدّم دعمها المالي في العادة في إطار الطوارئ، بالإضافة إلى ما قدمته المجموعة الأوروبية إلى جانب بريطانيا واليابان وتركيا وغيرها من الدول".
ويشير مشعشع إلى أنّه على الرغم من نجاح أونروا في إيجاد مصادر مالية بديلة من أكبر داعميها، الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ ذلك كان نجاحاً مؤقتاً حققته الوكالة في العام الذي أعلن في خلاله ترامب قطع الشريان المالي عن الوكالة. وبلغ تأثير قطع المساعدات الأميركية أقصاه في خلال العامَين 2019 و2020 وحتى في بداية العام الجاري. ويوضح: "لقد عانت الوكالة كثيراً، إذ إنّنا لم نستطع الاستمرار بتعويض النقص الأميركي، وقد أثّر ذلك بتقديم خدماتنا العادية كمّاً وكيفاً على كل الصعد، أي التعليم والصحة والإغاثة والقروض، بالإضافة إلى خدمات الطوارئ التي تخصص لها الوكالة ميزانية منفصلة وكبيرة، وتشمل نداءات الإغاثة في سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة. وبالفعل، تضرّر هذان المفصلان كثيراً، وتضرّر بالتالي عدد كبير من اللاجئين، وصاروا تحت خط الفقر، لعدم قدرة الوكالة على الاستجابة لاحتياجاتهم الأساسية".
في 19 مخيماً في الضفة الغربية، تُعَدّ أونروا مسؤولة عن تقديم كل الخدمات الأساسية للاجئين فيها، لعلّ أكبرها مخيّم بلاطة شرقي مدينة نابلس في شمال الضفة، ويقترب عدد لاجئيه من ثلاثين ألفاً. وقد حال تدهور الإمكانات المالية في الوكالة دون حصول هؤلاء على مستوى حياة مقبول، علماً أنّه لم يكن بأفضل حال حتى قبل قرار انسحاب واشنطن من قائمة داعمي أونروا.
وفي هذا الإطار، يقول مسؤول المكتب التنفيذي للجان الشعبية في مخيمات الضفة الغربية، محمود مبارك، لـ"العربي الجديد" إنّ "مخيمات الضفة تعاني منذ ما قبل إعلان الولايات المتحدة قطع مساعداتها. فالوكالة كانت قد قلّصت خدماتها في وقت سابق ولم تعد تقدّمها للجميع. وعندما أوقفت الإدارة الأميركية مساعداتها، زادت الطين بلّة، ولم يبقَ شيء تقدّمه الوكالة في التعليم والصحة للاجئين الذين تأثرت أوضاعهم المعيشية إلى حدّ كبير". يضيف مبارك متأسفاً أنّ "الوكالة كانت قد نجحت في خلال السنوات الماضية، إذا استثنينا السنوات السبع الأخيرة، في تقديم كل ما يلزم للاجئ الفلسطيني من ملابس ومواد تموينية وكذلك تحسين الخدمات العامة في المخيمات كالطرقات وشبكات الصرف الصحي. لكنّها قلّصت خدماتها إلى حدٍ كبير، ما أوجد مزيداً من الفقر والبطالة وتردّياً في تقديم الخدمات الطبية والتعليمية".
كريمة نخلة لاجئة فلسطينية ومديرة المركز النسوي في مخيم الجلزون للاجئين في شمال رام الله وسط الضفة الغربية، تخبر "العربي الجديد"، قائلة: "زوجي كان يعاني من مشكلات في عضلة القلب، لكنّه كان يعاني كذلك في الحصول على الأدوية اللازمة لقلبه ورئتيه وفي تلقي الخدمات الطبية البسيطة في مراكز الوكالة". تضيف نخلة أنّ "الأدوية التي كان يستخدمها زوجي لدرّ البول، على بساطتها، لم تعد متوافرة في عيادات أونروا ومراكزها، وصارت رفوف عياداتها تقتصر على المسكنات والمضادات الحيوية. لذا، كنّا نستدين من أجل شراء أدوية زوجي الذي فقدناه أخيراً". وتشير نخلة إلى أنّ تقليص الوكالة خدماتها دفع بعض المؤسسات والجهات الشعبية في المخيمات إلى بدء المساعدة والبحث عن بدائل مؤقتة، موضحة: "كنّا نعلن في المركز النسوي لمخيم الجلزون عن أيامٍ طبية مجانية للمرضى في المخيم، نقدّم فيها الفحوصات المجانية العادية وبعض الأدوية التي استطعنا جلبها. واليوم تبحث عائلات اللاجئين عن طرق أُخرى لتعزيز أوضاعها المعيشية والصحية عبر جمعيات خيرية مثلاً".
من جهته، يقول عفيف غطاش من اللجنة الشعبية في مخيم الفوار بجنوب الخليل جنوبي الضفة الغربية، إنّ "1800 تلميذ تقريباً في المرحلتين الابتدائية والأساسية في أربع مدارس تابعة لوكالة أونروا تضرّروا بفعل تقليصها لخدماتها. وقد خُفّض الكادر التعليمي، إذ لم يعد بمقدور الوكالة دفع رواتب المدرّسين والموظفين في تلك المدارس، وهو ما أدّى إلى تراجع العملية التعليمية وجودة التحصيل العلمي". يضيف غطاش لـ"العربي الجديد" أنّ "غياب المدرّسين عن بعض المواد والحصص لفترة ما، يدفع المدرّسين البدلاء إلى الاستعجال في شرح الدروس الفائتة بطريقة قد تكون عشوائية لا تفي المنهاج حقه. كذلك إنّ شعور التلاميذ بعدم اهتمام المدارس التي تديرها الوكالة بالعملية التعليمية، بسبب غياب المساعدات، يدفعهم بدورهم إلى عدم الاهتمام بالدراسة أو التحصيل العلمي. وقد أشعل هذا الفراغ في العملية التعليمية مشكلات ومماحكات بين التلاميذ قد تنتقل بسهولة إلى أهاليهم اللاجئين في المخيم الذي يعاني نقصاً في الخدمات، إلى جانب تسرّب تلاميذ من المدارس وتراجع رغبة عدد منهم في الالتحاق بالعملية التعليمية برمّتها".
يلفت مشعشع إلى أنّه في بداية العام الجاري، بلغ العجز في ميزانية وكالة أونروا 215 مليون دولار، لكنّها تلقّت 150 مليون دولار من الولايات المتحدة الأميركية أخيراً، وهو مبلغ أقلّ من نصف المخصصات الأميركية لميزانية الوكالة في نهاية عام 2017، أي 365 مليون دولار. وقد ساعد ذلك في خفض نسبة العجز، لكنّه مبلغ قليل قياساً بميزانية الوكالة البالغة ملياراً واحداً و500 مليون دولار. ويتابع: "ما زلنا نعمل على تلافي هذا الوضع وإيجاد آليات تمويلية مختلفة للقفز عن هذا العجز، كذلك نحاول إقناع الإدارة الأميركية بتقديم تبرّع آخر، وبذل محاولات لعودة التبرّعات العربية إلى سابق عهدها كما كانت الحال في عام 2018 قبل وقف إدارة ترامب مساعداتها للوكالة". ولا يخفي مشعشع أنّ الوكالة تعمل منذ أشهر عدّة مع السويد والأردن، وهما راعيا الحوار الاستراتيجي لوكالة أونروا لتنظيم مؤتمر دولي ربما يُعقَد في خلال صيف هذا العام، مؤكداً أنّه مؤتمر مهم جداً للوكالة. ويوضح مشعشع: "نحاول من خلال المؤتمر إشراك أكبر عدد ممكن من الدول المتبرعة والصديقة والمضيفة للاجئين لإقناعها بإيجاد آليات تمويلية مستدامة لسنوات عديدة. وإذا نجحنا في هذا المسعى، وثمّة بوادر إيجابية في هذا الموضوع، سنتمكن من إرجاع العافية إلى ميزانية الوكالة وتخطّي العجز المالي السنوي وإرجاع الكم والكيف إلى خدماتنا". ويكمل مشعشع أنّ "هذا العمل يتطلب جهوداً كبيرة، وهي سارية حالياً. لكنّ هذا لا يعني أنّنا سنتمكن من حل المشكلة بين ليلة وضحاها، وسيبقى هذا العام بالتالي عاماً صعباً ويشكل تحدياً كبيراً للوكالة. ونحن في أونروا نعاني بشكل دائم في ما يتعلق بمسألة السيولة، فلا نتمكّن أحياناً من دفع رواتب نحو 28 ألف موظف".
من جهة أخرى، يقول مشعشع إنّ "جائحة كورونا أتت ثقيلة جداً على وكالة أونروا، وعلى الرغم من ذلك استجابت الوكالة بشكل قوي لإجراءات مواجهة الجائحة من تعقيم وتعليم عن بُعد ومساعدة وزارة الصحة والدول المضيفة للاجئين في عزل هذا الفيروس ومكافحته. لكنّ الجائحة ضربت اللاجئين في قوتهم ومصادرهم المالية، خصوصاً أنّ أعداداً كبيرة من اللاجئين تعتمد على عمل المياومة، وبفعل أزمة كورونا سقطت أعداد كبيرة منهم دون خط الفقر المدقع. وهذا يؤدّي إلى اهتمام ومجال عمل جديدَين للوكالة يحتاجان إلى ميزانيات إضافية". ويكمل مشعشع أنّه "بهدف ذلك، تسعى الوكالة، سواء عبر المؤتمر الدولي من خلال السويد والأردن، أو عبر اللقاءات الثنائية مع الدول المتبرعة، قديمة كانت أو جديدة، والتي لا تتوقف للحظة، إلى الحصول على موارد مالية إضافية لمواجهة كل التحديات التي تواجه الفلسطينيين في شرق القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وسورية ولبنان والأردن".