أثار وقف استحقاق انتخابات نقابة المحامين الفلسطينيين للمرة الثانية خلال أقل من أربعة أشهر، بقرار من محكمة العدل العليا الفلسطينية، هذه المرة، بعد طعن تقدم به محامٍ على العملية الانتخابية وفق النظام الحالي، ردود أفعال كثيرة. إذ اعتبر البعض أنّ هناك جهات استفادت من الأمر باتجاه تعطيل كافة الانتخابات بعد تعطيل الانتخابات التشريعية والعامة، وآخرون تمنّوا ألا يكون في القرار رسالة من مجلس القضاء إلى نقابة المحامين التي نظمت احتجاجات بداية العام رفضاً لتعديل القوانين القضائية.
وتمّ الخميس، التقدم بطلب إلى محكمة النقض بطلب الرجوع عن قرار وقف الانتخابات، باسم ائتلاف النقابة للجميع وهو تحالف انتخابي لكتل نقابية يسارية وإسلامية ومستقلة، فيما عبّر مرشّحون بكتلة القدس الانتخابية المحسوبة على حركة فتح عن أن القرار خطير، مع التأكيد على احترام القرارات القضائية.
في الخامس من مارس/ آذار الماضي، تمّ تأجيل الانتخابات النقابية بقرار بقانون رقم (9) لسنة 2021، والذي صدر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في ظلّ عدم وجود مجلس تشريعي لتأجيل انتخابات النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية، وخلال التحضير للانتخابات التشريعية التي تمّ تأجيلها لاحقاً. وفي حينها صدرت اتهامات للسلطة الفلسطينية أنها أصدرت ذلك القرار من أجل ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي استباقاً للانتخابات العامة.
أما القرار الحالي فقد صدر، الأربعاء 23 يونيو/حزيران الجاري، بقبول المحكمة العليا النظر في الطعن الذي قدّمه المحامي، محمد هزيم دويكات، ووقف الانتخابات التي كان من المفترض أن تجري في التاسع من الشهر المقبل، وتعيين جلسة للنظر في موضوع الطعن في الثلاثين من الشهر الحالي. والطعن قدم على إجراء الانتخابات وفق النظام الداخلي باختيار الهيئة العامة للنقابة لمجلسها، والأخير بدوره ينتخب النقيب، بينما يرى أنّ قانون نقابة المحامين أعطى الهيئة العامة حق الانتخاب المباشر للنقيب.
يقول المحامي محمد دويكات، الذي تقدم بالطعن لـ"العربي الجديد": "إنه تقدم بالطعن بصفته صاحب مصلحة، فهو عضو هيئة عامة في النقابة، له مصلحة شخصية بالترشح لمنصب النقيب وانتخابه بطريقة الاقتراع المباشر السري".
يشير دويكات في حديثه وأسباب تقديم الطعن، إلى أنّ قانون نقابة المحامين الصادر في العام 1999، ينصّ على أنّ من بين اختصاصات الهيئة العامة للنقابة، حسب إحدى مواده، انتخاب النقيب وأعضاء المجلس. وتشير مادة أخرى إلى أنّ الهيئة العامة تنتخب نقيب المحامين وأعضاء المجلس، بينما حدّد النظام الداخلي الصادر في العام 2000 اختصاص الهيئة العامة بانتخاب مجلس النقابة، وليس النقيب؛ ومن مهمات المجلس انتخاب النقيب من بين أعضائه برفع الأيدي.
وأشار دويكات حول قرار المحكمة إلى أنه "من المستقر عليه فقهاً وقضاء أنّ مناط وقف تنفيذ القرارات الإدارية قوامه توافر شرطي الجدية والاستعجال، وشرط الجدية يقوم على ترجيح الرأي لدى المحكمة بقبول طلب الإلغاء، وشرط الاستعجال يقوم على تعذّر تدارك نتائج الاستمرار في تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه (في إشارة إلى قرار إقامة الانتخابات)".
وحول أيّ خلفيات سياسية لتوجّه دويكات للقضاء بهذا الطعن، قال: "إنه لم يدخل بأي حسابات سياسية أو غيرها"، مؤكداً أنه كان فاعلاً في النقابة ومشاركاً بانتخاباتها السابقة وفي ترشيح مرشحين، لكنه ابتعد عن المشهد هذه المرة ليتمكن من تقديم الطعن دون أن يكون يُحسب على أية جهة كانت.
وقال دويكات: "فتح تتهمني أنني عطلت الانتخابات لأنها ستفوز، والمستقلون يتهمونني أنني عطلتها لأجل فتح، وحماس تتهمني أنّ ذلك لأجل فتح، أنا لم أدخل بهذه الحسابات بالمطلق".
في المقابل، يرى الناطق باسم ائتلاف النقابة للجميع، داود درعاوي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ مناكفات لها أبعاد سياسية ما زالت تؤثر من خلال سطوة بعض المتنفذين على القرار القضائي والمؤسسات العامة، وهو ما ينعكس على تلك المؤسسات.
وأضاف درعاوي: "واضح أنّ هناك جهات استفادت من الطعن إن لم تقف وراءه باتجاه تعطيل الانتخابات، وذلك في سياق قائم لتعطيل كافة الانتخابات".
أمّا مرشح كتلة القدس الانتخابية، أمجد الشلة، فأجاب عن سؤال لمصلحة من يتم تعطيل الانتخابات بالقول: "ليس لدينا تقديرات شخصية حول الموضوع، ونتعامل معه على أساس أنّ هناك قرارا قضائيا وقع على رؤوسنا كالصدمة".
وحول الحديث الذي يدور بين المحامين عن وجود مصلحة لمجلس القضاء الأعلى بتعطيل الانتخابات، إثر الاحتجاجات ضدّ تشكيل المجلس الحالي وتعديل قوانين القضاء، قال الشلّة: "أتمنى ألا يكون لدى مجلس القضاء أي نظرة انتقامية، وما زلنا مقتنعين أنّ هناك روافد وأعمدة في القضاء لا تسمح بذلك". لكن الشلة أكد تداول هذا السبب بين المحامين وقال: "هناك حديث عام وحالة غليان بين المحامين أنّ هذه هي الرسالة، نحن كمرشحين وأعضاء مجلس حالي للنقابة بحكم القانون نتمنى ألا يكون هذا حقيقيا، ونتمنى أن تكون الهيئة التي أصدرت هذا القرار متمسكة في إطار قانوني ومهني محترم".
أما عن الرأي القانوني والآثار لقرار وقف الانتخابات، فقد رفض كلّ من الشلة ودرعاوي المبررات القانونية، حيث أكّد درعاوي أنّ قراراً بقانون صدر في العام 2011، عدّل قانون نقابة المحامين وعدل المادة السادسة منه؛ المادة 40 من قانون العام 2000، حيث قالت: "إنّ مجلس النقابة يتكوّن من 15 عضواً بينهم النقيب، تسعة منهم تنتخبهم الهيئة العامة في المركز الرئيسي في القدس، والآخرون يُنتخبون من الهيئة العامة في غزة"، مؤكداً أنّ التعديل فصل بين المركزين في القدس (يشمل الضفة الغربية) وقطاع غزة وأعطى لكل منهما نائباً للنقيب.
وأكّد درعاوي أنّ ذلك التعديل عطّل أي إمكانية لانتخاب النقيب بشكل مباشر، كما أشار إلى وجود معوقات لوصول المحامين من غزة إلى الضفة أو العكس بسبب الاحتلال.
الشلة أكد أيضاً على النقطة ذاتها؛ فالأمر سيؤدي برأيه إلى حرمان قطاع غزة من العدالة في اختيار النقيب، حيث يوجد قرابة 10 آلاف محامٍ في الضفة الغربية مقابل 3 آلاف فقط في غزة، حسب الأرقام التي قدّمها، ما سيؤدي إلى سيادة الوضع الجغرافي، محذراً من أنّ ذلك قد يؤدي إلى أن تنفصل النقابة إلى نقابتين بنقيبين.
وأشار الشلة إلى وجود طعن قديم مشابه في الأعوام 2004 و2005، لكن الطاعن تراجع عنه لأنه يتنافى مع مصلحة جموع المحامين، قائلاً: "إنه كان بإمكان المحكمة أن تنظر في الطعن دون ترتيب آثار قانونية توقف العملية الانتخابية".
أما الناشط الحقوقي، ماجد العاروري، فكتب على حسابه على فيسبوك: "إنه من الضروري أن تسارع المحكمة إجرائياً بالبت في مضمون الدعوى إن كانت قد قبلتها شكلاً خلال أيام معدودة دون وقف الانتخابات، فليس من العدل إطلاقاً تعطيل حق قانوني أساسي مثل الانتخابات، وكان على المحكمة أن تحقق الموازنة بين ضمان إجراء هذا الحق وتصحيحه إذا كان هناك أية مخالفات تحول دون ذلك".
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أوقف انتخابات النقابات بقرار بقانون أصدره في إطار التحضير لإقامة الانتخابات التشريعية، قبل أن يصدر مرسوماً آخر يوقف بموجبه إجراء الانتخابات التشريعية بسبب عدم صدور موافقة إسرائيلية على إجرائها في القدس.