أُسدل الستار على قصّة المُطوّر التكنولوجي جون ديفيد مكافي، مبتكر شركة "مكافحة الفيروسات" التي تحمل اسمه (مكافي)، بعدما تمّ العثور عليه ميتاً في زنزانته بالسجن في برشلونة في وقت متأخر من مساء الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران الجاري، وفق ما أعلنه محاميه نيشاي سنان.
جاءت وفاته في الوقت الذي كان من المقرر تسليمه إلى الولايات المتحدة لمواجهة تهم تتعلق بالتهرّب الضريبي، والتي تصل عقوبتها إلى السجن مدة 30 عاماً.
وكانت أعلى محكمة في إسبانيا قد وافقت في صباح الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران، بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية، على تسليم مكافي للولايات المتحدة. وجاء في الحكم المؤلف من 16 صفحة: "توافق المحكمة على تسليم جون مكافي بناءً على طلب السلطات القضائية الأميركية عن الجرائم المشار إليها في لوائح اتهام الجرائم الضريبية للأعوام 2016 إلى 2018".
من المرجح أنّ مكافي قد انتحر في السجن، إلا أن السلطات لاتزال تجري التحقيقات
وبحسب البيانات الأولية لوزارة العدل الكاتالونية، فإنه من المرجح أنّ مكافي قد انتحر في السجن، إلا أن السلطات لا تزال تجري التحقيقات.
غير أنّ محاميه سنان لم يخف، بحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية، شكوكه من أن السلطات الأميركية حاولت التخلص منه قائلاً ": مرة أخرى تحاول الحكومة الأميركية محو جون مكافي، لقد كان هذا الرجل مقاتلاً، وفي أذهان كل من عرفه سيكون دائماً هكذا".
القصة الكاملة
بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، تم إلقاء القبض على مكافي في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2020، عندما كان على وشك التوجه إلى تركيا من مطار برشلونة. وقد واجه مكافي اتهامات تتعلق بالتهرب الضريبي المتعلقة بتجارته بالعملات المشفرة بقيمة ملايين الدولارات.
ووفق لائحة الاتهام، فقد أخفى مكافي أيضاً أرباحاً تلقاها نظير نشر قصة حياته في فيلم وثائقي، إضافة إلى تهربه عن دفع مستحقات مالية نظير عمله مستشاراً.
واستناداً إلى مكتب التحقيقات الفدرالي، استخدم مكافي وأحد شركائه، جيمي جيل واتسون جونيور، وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لبيع العملات الرقمية، من دون الإفصاح عن قيمة الأرباح إلى السلطات الفدرالية.
وبموازاة ذلك، عبرت شركة مكافي، التي لا تزال تستخدم اسمه، عن أسفها لنبأ وفاته، ونفت أن يكون للشركة أي علاقة به، وبحسب بيان صادر عنها، أكدت أنه "على الرغم من أن جون مكافي أسس الشركة، إلا أنه لم يرتبط بشركتنا بأي صفة لأكثر من 25 عاماً".
وقد ساعدت الشركة في إطلاق صناعة بمليارات الدولارات في عالم الكمبيوتر. تم بيعها إلى شركة إنتل العملاقة للتكنولوجيا بأكثر من 7.6 مليارات دولار (4.7 مليارات جنيه إسترليني).
من هو مكافي؟
جون ديفيد مكافي مبرمج كمبيوتر ورجل أعمال، ولد في سبتمبر/ أيلول في العام 1945 في منطقة جلوسيسترشاير في إنكلترا. ظهر لأول مرة في الثمانينيات، عندما أسس شركته للتكنولوجيا وأطلق McAfee VirusScan في العام 1987، وأدارها حتى عام 1994 عندما استقال منها. نمت الشركة بسرعة لتشمل أكثر من نصف سوق برامج مكافحة الفيروسات.
قبل تأسيسه الشركة، عمل مبرمجَ كمبيوتر ومقاولاً حكومياً.
عاش مكافي بأسلوب حياة فخم، وقام بتمويل مشروعات برامج جدار الحماية الخاصة بالفيروسات الإلكترونية، واستثمر في العقارات، إلا أنه خسر الكثير من أمواله بسبب الأزمة المالية في العام 2009، بحسب حديث سابق له نشرته قناة "سي إن بي سي" الأميركية في العام 2009.
وفي حديث آخر لشبكة "بي بي سي"، اعترف مكافي بأنه لم يستخدم البرنامج الذي طوره مطلقًا على أجهزة الكمبيوتر الخاصة به، كما أنه لم يستخدم أي برنامج آخر لمكافحة الفيروسات.
قال لمراسل" بي بي سي التكنولوجي" ليو كيليون في العام 2013: "أحمي نفسي من خلال تغيير عنوان IP "بروتوكول الإنترنت" الخاص بي باستمرار، من خلال عدم إرفاق اسمي بأي جهاز أستخدمه".
إضافة إلى ذلك، كان مكافي مهتماً بالشؤون السياسية الأميركية، ووفق صحيفة الغارديان البريطانية، قام مرتين بجولات طويلة للترشح لرئاسة الولايات المتحدة، وكان مشاركاً في المناظرات الرئاسية للحزب الليبرتاري في العام 2016 -هو حزب سياسي في الولايات المتحدة يروّج للحريات المدنية والرأسمالية- انخرط أيضاً في ممارسة رياضة اليوغا وصناعة الطائرات الخفيفة، وإنتاج الأدوية العشبية.
حياة صاخبة؟
أصبح مكافي محطّ حديث وسائل الإعلام في العام 2012 بعد اتهامه بمقتل أحد جيرانه، وهو رجل أعمال أميركي مغترب يدعى جريجوري فول، نفى مكافي هذه المزاعم، وفر فيما بعد بشكل غير قانوني إلى غواتيمالا المجاورة قبل ترحيله إلى الولايات المتحدة، بحسب ما جاء في صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وفي العام نفسه، وجدته الشرطة يعيش مع فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً، واكتشفت ترسانة كبيرة من الأسلحة في منزله. اختفى مكافي في رحلة استمرت شهراً، وحظيت أخباره بتغطية إعلامية قوية.
رفعت عائلة رجل الأعمال المتوفى، في وقت لاحق، دعوى ضد مكافي. وفي العام الماضي، حكمت محكمة في فلوريدا ضده، وأمرته بدفع أكثر من 25 مليون دولار للعائلة.
في عام 2015، ألقي القبض على مكافي في الولايات المتحدة لقيادته وبحيازته أسلحة غير مرخصة.
في يوليو/ تموز 2019، أفرج عنه من معتقل في جمهورية الدومينيكان، حيث كان معتقلا بعد الاشتباه في سفره مع خمسة آخرين على متن يخت يحمل أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية من العيار الثقيل، حسب ما قال مسؤولون في جزيرة الكاريبي في ذلك الوقت.
لغز وفاته
بدا لافتاً ظهور منشور على حساب Instagram، تم تأسيسه بعد فترة وجيزة من ظهور تقارير عن وفاته، يحمل المنشور حرف "Q". ربط العديد من المستخدمين الرسالة بـQAnon، وهي مجموعة ذات أيديولوجية حرضت على العنف والأعمال الإجرامية، وصنفها مكتب التحقيقات الفدرالي أنها تهديد إرهابي محلي.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها مكافي إلى وفاته. في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، غرد مكافي "أعلم أنه إذا شنقت نفسي، على غرار الملياردير جيفري إبستين، فلن يكون ذنبي". وقد توفي إبستين شنقًا في أحد سجون نيويورك.