نازحو مأرب اليمنية... معاناة تستمر

28 سبتمبر 2021
قد يكون هذا نزوح عائلتهما الثاني (نبيل الأوزري/ فرانس برس)
+ الخط -

 

لا تكاد جراح النازحين في مأرب اليمنية تندمل من خلال الاستقرار في منطقة معيّنة، حتى تُنكأ مجدداً إذ تصرّ النيران على ملاحقتهم منذ أكثر من عام. وفي المحافظة الواقعة شرقي اليمن، يبدو الوضع الإنساني مزرياً بشكل يفوق التصوّر. وما إن يبدأ السكان بالتقاط أنفاسهم وقد ظنّوا أنّهم وصلوا إلى "منطقة خضراء" توفر لهم الأمان المفقود، حتى تباغتهم قذائف مدفعية الحوثيين وتجبرهم على الرحيل والتشرّد مرّة أخرى، مثلما هي الحال مع سكان مديريتَي رحبة وحريب جنوبي مأرب.

في مديرية رحبة، تنفّس السكان الصعداء بعد قيام القوات الحكومية بدحر المقاتلين الحوثيين منها منتصف يوليو/ تموز الماضي، وعادوا إلى منازلهم وأراضيهم الزراعية بعد نحو عام من التشتت في مخيمات أقيمت بمديريات مجاورة. لكنّ بقاء هؤلاء في منازلهم لم يدم طويلاً مع استئناف الهجمات وسيطرة الحوثيين مجدداً منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري وكذلك الحصار. وإلى جانب التهجير، يشير مصدر محلي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "عدداً من المنازل تعرّض إلى التفجير على أيدي مسلحين حوثيين. ومثل هذه الأعمال الانتقامية تجعل سكان تلك المنازل بلا مأوى حتى لو وضعت الحرب أوزارها يوما ماً".

وشهدت مديرية رحبة موجة نزوح عالية في خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من سبتمبر/ أيلول الجاري. وبحسب الأرقام التي رصدتها المنظمات العاملة في المجال الإغاثي، فقد نزحت 1118 أسرة مؤلّفة من سبعة آلاف و828 فرداً. وقد كشفت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، وهي هيئة تابعة للحكومة اليمنية، عن نزوح 180 أسرة إلى منازل مضيفة في داخل مديرية رحبة ذاتها، فيما قصدت 296 أسرة أخرى مديرية جبل مراد و543 إلى مدينة مأرب عاصمة المحافظة و97 إلى مديرية الجوبة و17 إلى مديرية حريب. ويفيد مسؤول في الوحدة التنفيذية "العربي الجديد" بأنّ "الهجوم المفاجئ للحوثيين أجبر مئات الأسر على النفاد بجلدها فقط، إذ لم يكن بمقدور أفرادها أخذ أبسط مستلزماتهم الشخصية أو ما يضمن بقاءهم على قيد الحياة".

وسكان مديرية رحبة ليسوا الوحيدين الذين طاولتهم نيران الحرب وقضّت مضاجعهم. ففي مديريتَي حريب والعبدية المجاورتَين، كان السكان على موعد جديد مع التهجير عقب وصول الهجمات الحوثية إلى أسوارها للمرّة الأولى. ومن المفارقات أنّ مديرية حريب التي اجتاحها الحوثيون في 22 سبتمبر الجاري كانت أحد المجتمعات المضيفة للنازحين الوافدين من رحبة، لكنّها ضاقت الآن مع اشتداد رقعة المعارك.

ويؤكد المسؤولون في وحدة إدارة مخيمات النازحين أنّ مديرية حريب كانت تحتضن نحو 5600 أسرة تتوزّع في مركز المدينة والأرياف، وذلك في ضيافة المجتمع والأسر التي ترتبط معها بصلة قرابة، علماً أنّ تلك الأسر بمعظمها باتت الآن عالقة مع اجتياح الحوثيين للمدينة فيما تمكّنت بعض الأسر من الفرار نحو مديرات الجوبة ومأرب المدينة والوادي.

ويرزح تحت الحصار في مديرية العبدية جنوبي مأرب، نحو 50 ألف نازح يتوزّعون في سبعة آلاف و500 أسرة، وذلك في المخيمات والمجتمع المضيف. وبحسب وحدة إدارة مخيمات النازحين، فإنّ كلّ هذه الأعداد محاصرة بالكامل من قبل الحوثيين ولم يُسمح لهم بإدخال المياه والغذاء منذ 22 سبتمبر الجاري، بهدف إجبار القوات الحكومية على الاستسلام. وتوقّعت مصادر حقوقية لـ"العربي الجديد" أن تتضاعف معدلات النزوح في خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع بلوغ الأعمال القتالية ذروتها في الأطراف الجنوبية لمأرب وشبوة.

الصورة
أطفال يمنيون في مخيم نزوح في مأرب (نبيل الأوزري/ فرانس برس)
لهو على الرغم من المآسي (نبيل الأوزري/ فرانس برس)

ووسط الانفجار الهائل، تشكو الوحدة التنفيذية وغيرها من الجهات الإغاثية من نقص حاد في تغطية احتياجات الأسر النازحة من قبل المنظمات الدولية، وتشير إلى أنّ السلطة المحلية نفّذت تدخّلات عدّة من خلال تقديم مساعدات نقدية ومواد غذائية طارئة. ونظراً إلى اتساع رقعة المعارك بشكل قياسي، عجزت المنظمات الدولية الخاصة بتتبع النزوح، عن مواكبة المستجدّات مع امتداد المعارك إلى تخوم محافظة شبوة.

ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فقد بلغ عدد الأسر التي فرّت من مواقعها الأصلية أو اضطرت إلى النزوح في خلال الفترة الممتدة ما بين الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي و18 سبتمبر الجاري، إلى 10 آلاف و516 أسرة، ما يعادل نحو 64 ألف نسمة. وأوضحت المنظمة في تقرير حديث أنّ الفترة الممتدة ما بين 12 و18 سبتمبر الجاري شهدت أكبر عدد من عمليات النزوح في ثلاث محافظات هي مأرب والبيضاء وشبوة، وقد شهدت كلها تصعيداً وأعمالاً قتالية. وفي تفصيل لأعداد الأسر، أفادت المنظمة بأنّ حالات النزوح المسجلة بمعظمها كانت من مديريات بيحان وعسيلان ومرخة في شبوة بواقع 166 أسرة، فيما رُصد نزوح 98 أسرة من محافظة مأرب و62 أسرة من محافظة البيضاء. يُذكر أنّ المنظمة في حاجة إلى 170 مليون دولار أميركي في العام الجاري لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنازحين والمتضرّرين من الصراع والمهاجرين في اليمن، إذ إنّه من دون تمويل إضافي قد تضطر المنظمات إلى تقليل العمليات بشكل مباشر.

تجدر الإشارة إلى أنّ النزوح في مأرب يمثّل نحو 40 في المائة من جملة عمليات النزوح على مستوى 13 محافظة يمنية، بحسب منظمة الهجرة الدولية التي أحصت أكثر من 4 ملايين نازح في عموم المحافظات اليمنية منذ بداية الحرب في عام 2015. وقد رصدت أنّ نحو 600 أسرة نازحة غادرت مواقع نزوحها منذ مطلع عام 2021، وهي إمّا عادت إلى مواقعها الأصلية وإمّا إلى أماكن أخرى. إلى جانب ذلك، أدّت الأعمال العدائية في مأرب منذ بداية عام 2020 إلى نزوح نحو 170 ألف شخص.

المساهمون