مياه الأردن... أزمة تطاول كلّ القطاعات ومناحي الحياة

24 ابريل 2022
المياه كانت تغطّي كلّ تلك المساحة في ما مضى (ماركوس يام/ Getty)
+ الخط -

تتفاقم أزمة المياه في الأردن وترتفع حدّتها مع الزيادة السكانية وانخفاض معدّل هطول الأمطار، في حين يأتي اتّفاق إعلان النوايا "الماء مقابل الكهرباء" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بدعم إماراتي ورعاية أميركية ليعيد هذا الموضوع إلى دائرة الاهتمام مجدداً. وكان أعضاء مجلس النواب الأردني، في جلسة خاصة عُقدت في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قد أجمعوا على رفض اتفاق إعلان النوايا الذي يتضمّن تزويد الأردن بالمياه من دولة الاحتلال بواقع 200 مليون متر مكعّب سنوياً في مقابل تزويدها بـ600 ميغاواط من الكهرباء لتوفير جزء من احتياجات الأردن الذي يعاني من الجفاف، وقرّروا إحالة الملف إلى لجنة الزراعة والمياه، فيما شارك مئات المواطنين في مسيرات احتجاجية واعتصامات وسط العاصمة عمّان للتنديد بالاتّفاق بعد توقيعه.

وتتوسّع الفجوة ما بين المتوفّر والمطلوب لجهة المصادر المائية، فيما فشلت الحكومات المتعاقبة في مواجهة الواقع المائي الضاغط. كذلك سلطت الخطوة الأخيرة الضوء مجدداً على ملف الاعتداءات على مصادر المياه والاختلالات الكبيرة التي يعاني منها قطاع المياه في الأردن منذ سنوات طويلة والتي تسببت في تضاؤل حصة الفرد من المياه سنوياً. وبحسب بيانات حكومية، فإنّ حصة الفرد من المياه في الأردن تبلغ 90 متراً مكعّباً سنوياً في كلّ المجالات؛ الشرب والاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية والسياحية وغيرها. وقد حذّرت دراسات دولية من تراجع حصة الفرد إلى 60 متراً مكعّباً سنوياً بحدود عام 2040، في ظلّ استمرار الأوضاع المائية الحالية، لجهة المصادر المائية المتوفرة ومعدلات الطلب الطبيعية المتوقعة على المياه.
وفي بيان أخير، أفادت وزارة المياه والريّ الأردنية بأنّ "تأمين مصادر مائية مستدامة يُعتمد عليها من خلال تحلية مياه البحر، وطنياً وإقليمياً، سيمكّن الأردن من الوصول إلى مرحلة من التزويد المستمر للمياه (اليومي)، ما يساعد في تقليل الفاقد وتحسين الشبكات وتوزيع المياه بشكل أفضل". من جهته، قال المتحدث باسم الوزارة عمر سلامة إنّ قيمة مشروع الناقل الوطني تصل إلى 2.2 مليار دينار أردني (نحو 3.1 مليارات دولار أميركي)، وإنّ الحكومة تعمل على تأمين جزء من المبلغ من منح ودعم حكومي، فيما الجزء الآخر قروض ميسرة سوف يُصار إلى التفاوض حولها، وذلك لتأمين نحو 300-350 مليون متر مكعّب من المياه المحلاة من البحر الأحمر لتزويد كل المحافظات حتى عام 2040.
وبموجب اتفاقية السلام مع دولة الاحتلال، تزوّد السلطات الإسرائيلية الأردن بكميات تصل إلى 55 مليون متر مكعّب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، في مقابل سنت واحد لكلّ متر مكعّب. وفي عام 2010، اتفق الطرفان على إضافة 10 ملايين متر مكعّب في مقابل 40 سنتاً لكلّ متر، وهو السعر المقرّر أيضاً للإمدادات الإضافية التي وافقت السلطات الإسرائيلية عليها. وهو ما تمّ هذا العام بحصول الأردن على كميات إضافية على دفعتَين، كل واحدة منهما 50 مليون متر مكعّب، إلى جانب حصة الأردن من المياه من الجانب السوري (من نهر اليرموك) والبالغة نحو 90 مليون متر مكعّب سنوياً.

تظاهرة ضد اتفاق الماء مقابل الكهرباء بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي (محمد صلاح الدين/ الأناضول)
مسيرة احتجاجية تنديداً باتّفاق إعلان النوايا "الماء مقابل الكهرباء" (محمد صلاح الدين/ الأناضول)

تقاعس حكومي
يقول الخبير في قطاعَي الطاقة والمياه والنائب في البرلمان الأردني موسى هنطش، لـ"العربي الجديد": "لا بدّ من أن يكون ثمّة خط أحمر أمام التعامل مع دولة الاحتلال في أيّ مجال من المجالات. فنحن كدولة لدينا طاقة كافية ومياه من الممكن أن تكفي عبر التعاون مع دول المحيط العربي وتنفيذ مشروع الناقل الوطني (لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة)، ويجب على الأمور أن تسير بالاتجاه الصحيح". ويوضح هنطش أنّ "ثمّة بدائل متاحة محلياً لتوفير مزيد من المياه، من أبرزها تحلية مياه البحر الأحمر، وهي لا تكلّف الحكومة أيّ مبالغ. فقد تقدّمت شركات عدّة، وأبدت اهتماماً بتنفيذ مشروع الناقل الوطني على نظام البناء الذي ينتهي بالتملّك، وهو بديل جيّد ومناسب لاتفاقية الماء مقابل الكهرباء مع دولة الاحتلال".
ويرى هنطش أنّ "مشكلة نقص المياه تأتي أيضاً نتيجة الاعتداءات الكبيرة على مصادر المياه في البلاد، إذ إنّ 50 في المائة من المياه الجوفية معتدى عليها من قبل متنفّذين وأصحاب مزارع"، لافتاً إلى أنّ "وزراء المياه بمعظمهم يتهرّبون من الحلول الداخلية، خصوصاً تلك المتعلقة بالحدّ من السرقات، خشية الاصطدام مع أصحاب المزارع وتجنّباً لردود فعلهم". ويتّهم هنطش "الحكومات المتلاحقة بالتقاعس عن وضع استراتيجيات حقيقية لتجاوز مشكلة المياه والتخبط في إدارة المياه. ولأنّ القطاعات كلها لا تستطيع الاستغناء عن المياه، فإنّ عدم الاهتمام بهذا القطاع هو فساد كبير". ويشير هنطش إلى أنّ "فاقد المياه في دول أخرى لا يزيد عن 15 في المائة، فيما يصل في الأردن بمحافظات العاصمة والزرقاء إلى 45 في المائة، علماً أنّه يرتفع في الأغوار والمفرق إلى أكثر من 70 في المائة". ويؤكد هنطش أنّه "أينما تحفر في الأردن، فإنّك سوف تعثر على مياه، لكنّ الأمر يرتبط بالعمل على ثلاثة أسس، وهي العمق ونوعية المياه وكميتها. والاكتفاء الذاتي ممكن في معظم المناطق باستثناء المدن الكبرى"، موضحاً أنّه "في الإمكان التوسع من خلال إنشاء سدود".

زراعات غير ضرورية
من جهته، يقول الخبير المائي ورئيس مجلس إدارة جمعية "إدامة" للطاقة والمياه والبيئة دريد محاسنة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "موسم الأمطار لم ينتهِ بعد، لكنّ مشكلة المياه في الأردن كبيرة ولا ترتبط بموسم أو موسمَين مطريَّين ناجحَين، إذ إنّ حاجة الأردن إلى المياه أكبر من المتوفّر. المياه لدينا تكفي مليونَي نسمة من السكان، فيما المجموع يتجاوز 11 مليون نسمة. بالتالي، فإنّ الموضوع صعب، إذ هو ليس موضوع إدارة مياه فقط. فالمياه غير متوفرة. وقد وصل الجميع إلى قناعة بأنّ لا مصادر كافية ولا بدّ من اللجوء إلى تحلية مياه البحر، وهو أمر غير ممكن إلا من العقبة، جنوبي البلاد. وهنا الأمر يتطلّب العمل على مشروع لتحلية المياه في العقبة (مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر)، ثمّ نقلها إلى عمّان".
ويلفت محاسنة، وهو الرئيس السابق لسلطة وادي الأردن، إلى "بديل، هو قناة البحرين. لكنّ هذا البديل يتطلّب اتفاقات دولية  وإقليمية، بالتالي تعثّر المشروع بسبب ارتباطه بدول إقليمية"، ويرى أنّ "الوضع المائي في الأردن يستلزم عدم التوجّه صوب الزراعات التي تستهلك كثيراً من المياه، في حين يتوجّب على الدولة امتلاك استراتيجية زراعية لا تستنزف مخزون المياه. فثمّة زراعات غير ضرورية. مثلاً، لا داعي لزراعة الموز أو البندورة (الطماطم)، وبالتالي يكون فائض من الإنتاج  بأسعار متدنية جداً في حين تُستهلك كميات كبيرة من المياه". ويؤكد محاسنة أنّ "الحديث عن السلة الغذائية في ظلّ خوف على الإنتاج الزراعي أمر غير دقيق"، لافتاً إلى أنّ "قطاع الزراعة يستهلك ما بين 50 و60  في المائة من المياه، فيما يُفترض إعطاء الأولوية لمياه الشرب"، ويدعو إلى "إدارة المياه بشكل أفضل في ظل إضاعة كميات كبيرة منها، سواء نتيجة السرقة أو التسرّب في جوف الأرض أو الاستعمالات الخاطئة في زراعات غير صحيحة".

مزارعون وجفاف في الأردن (ماركوس يام/ Getty)
لا بدّ من وضع استراتيجية زراعية لا تستنزف مخزون المياه (ماركوس يام/ Getty)

المشاريع الاستراتيجية ضرورة
في سياق متصل، يرى رئيس "الجمعية الأردنية للمحافظة على المياه" أحمد الروسان أنّه "لا يمكن للمواطن أن ينتظر كلّ أسبوعَين دوره للحصول على المياه لساعات عدّة، ولا أن يعتمد على صهاريج المياه ذات الكلفة العالية"، مطالباً بـ"مشاريع استراتيجية للمياه، في ظل ازدياد الحاجات المائية للسكان والقطاعات الاقتصادية". ويقول الروسان لـ"العربي الجديد"، إنّ "المنطقة (كما العالم) تتعرض للتغيّر المناخي، والأردن جزء منها"، مشيراً إلى أنّ "معدّل هطول الأمطار سجّل في سنوات سابقة ثمانية مليارات متر مكعّب سنوياً، لكنّ حجم الأمطار في العام الماضي والعام الجاري لم يتجاوز خمسة مليارات متر مكعّب حتى الآن. واليوم ثمّة تحدّ كبير في توفير المياه للشرب والزراعة وحتى لقطاع السياحة الذي ينشط أخيراً".
يضيف الروسان أنّ "الأردن يواجه تحديات كبيرة ولا يمكن حلّ الأمر إلا بخطوات عدّة، أبرزها الناقل الوطني للمياه من العقبة الذي من شأنه أن يوفّر 300 مليون متر مكعّب فيما يُقدَّر العجز بنحو 500 مليون متر مكعّب، علماً أنّه في تزايد مستمر، إذ إنّ الاستهلاك سوف يرتفع من 1.2 مليار متر مكعّب إلى 1.4 مليار متر مكعّب في السنوات المقبلة". ويلفت الروسان إلى أنّ "نسبة فاقد المياه في الأردن تُقدَّر بما بين 40 و45 في المائة بعدد من المحافظات، بما فيها العاصمة عمّان. لذا لا بدّ من صيانة الشبكات لتقليل الفاقد. كذلك فإنّ الفاقد مرتبط بالسرقات، سواء من الخطوط الرئيسية أو من الآبار الجوفية، الأمر الذي يتطلب رقابة قوية وقوانين رادعة".

ويتحدّث الروسان عن "خلل في المعلومات التي تُقدَّم حول واقع المياه في الأردن. ففي حين أعلن وزير سابق أنّ لدينا مياهاً تكفي لخمسة آلاف سنة، قال آخر إنّنا وصلنا إلى الخط الأحمر. بالتالي، ثمّة مشكلة تتعلق بالوصول إلى المعلومة والتي  تتغيّر بسبب عدم توفّر دراسات دقيقة". ويشدّد الروسان على "أهميّة التعاون الإقليمي لتوفير المياه"، داعياً وزارة المياه إلى "البحث عن حلول بالتعاون مع المجتمع المحلي والخبراء، خصوصاً في الجامعات، وليس فقط من خلال لجان تشكّلها الوزارة أو من خلال قرار وزير". ويوضح الروسان أنه "صحيح أنّنا نفكّر أكثر بمياه الشرب، لكنّ المياه عصب كل القطاعات، من صناعة وسياحة وغيرهما. وهو ما يعني أنّ عدم توفّر المياه سوف يؤثر على الاقتصاد والصحة والظروف الحياتية عموماً".

المساهمون