استمع إلى الملخص
- قامت إدارات المستشفيات المتضررة بجولات إعلامية لتفنيد الادعاءات الإسرائيلية، بينما دعا مدير عام وزارة الصحة اللبنانية المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف العدوان، مؤكداً على الأضرار الجسيمة التي لحقت بالقطاع الصحي.
- يواجه القطاع الصحي اللبناني تحديات كبيرة بسبب الاستهداف الإسرائيلي، حيث تضررت مستشفيات ومراكز صحية، لكن القطاع الطبي يواصل العمل رغم الأزمات الاقتصادية وهجرة الأطباء، مع اتخاذ إجراءات طوارئ لحماية المدنيين والطواقم الطبية.
تواجه المستشفيات في لبنان تهديدات إسرائيلية تذكر اللبنانيين بما شهدوه في قطاع غزة على الشاشات، ويسعى المعنيون إلى مناشدة المسؤولين الدوليين لتحييد المستشفيات في ظل زيف الادعاءات الإسرائيلية
حالة من الذعر سيطرت على اللبنانيين والعاملين في القطاع الصحي ليل الاثنين الثلاثاء، عقب المزاعم الإسرائيلية بوجود نفق لحزب الله اللبناني أسفل مستشفى الساحل الطبي الجامعي في منطقة حارة حريك (الضاحية الجنوبية لبيروت)، وبعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت محيط مستشفى رفيق الحريرى الجامعي الحكومي في منطقة الجناح (بيروت)، وأدت لاستشهاد عدد من المدنيين وجرح العشرات.
التهديدات الإسرائيلية للمستشفيات أثارت القلق من تكرار سيناريو مجزرة مستشفى المعمداني ومجمّع الشفاء الطبي وغيرها من المستشفيات في قطاع غزة. وناشدت الجهات الرسمية والفاعلة في البلاد وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق لبنان، وضرورة تحييد المستشفيات والقطاعات الطبية والصحية وحماية طواقم الرعاية الصحية وسيارات الإسعاف. ودعت إدارة مستشفى الساحل وسائل الإعلام المحلية والعالمية إلى جولة في المستشفى صباح الثلاثاء لدحض مزاعم جيش الاحتلال الذي يحاول تبرير اعتداءاته على المؤسسات الطبية والصروح الصحية. كما عقدت إدارة مستشفى رفيق الحريري الجامعي مؤتمراً صحافياً أعقبه جولة إعلامية داخل حرم المستشفى، لتفقد الأضرار المادية التي لحقت به.
وأكد مدير عام وزارة الصحة اللبنانية فادي سنان، بعد جولة داخل مستشفى رفيق الحريري، على ضرورة إبقاء القطاع الصحي بعيداً عن حرب الإبادة الإسرائيلية. وأشار إلى أنّ "العدو دمّر أكثر من 50 مركزاً صحياً و150 سيارة إسعاف واستشهد ما يزيد عن 150 مسعفاً وتضرّر أكثر من 15 مستشفى" لافتاً إلى أن القطاع الصحي بعيد كلّ البعد من أي أعمال غير صحيّة، وهو يخضع لنظام المؤسسات الدولية التي على اطلاع كامل على ما يجري فيه. وقال سنان إنّ "الاستهداف هذا هو من أخطر الاستهدافات التي تحرّمها كافة المواثيق والمعاهدات الدولية، ونطلب من المجتمع الدولي أن يحترم المواثيق ويضغط لإيقاف العدوان على لبنان والقطاع الصحي". من جهته، قال مدير مستشفى رفيق الحريري في بيروت جهاد سعادة إننا "تعرضنا أول من أمس لعدوان سواء كان الاستهداف مباشرا أم لا، فلا خطوط حمر للإسرائيلي"، لافتاً إلى أنّ "الأضرار التي سجلت في المستشفى جسيمة وهناك 3 مبان بالجوار سوّيت بالأرض وبعض الأشخاص لا يزالون تحت الأنقاض والعمل جارٍ نظراً لقوة الغارات"، مشيراً إلى أنّ أحداً لم يصب بأذى من الطاقم والعاملين في المستشفى.
إلى ذلك، يؤكد مدير عام مستشفى الساحل، الدكتور مازن علامة، لـ"العربي الجديد"، أن "التهديدات الإسرائيلية تشكل استهدافاً للقطاع الصحي في كل لبنان، وللأطباء والممرضين، ولمستشفى عمره أكثر من 40 عاماً شيد بجهد شخصي، وهو مستشفى جامعي خاص وتعليمي تابع لوزارة الصحة اللبنانية حصراً، وليس لحزب الله، ويلتزم بتطبيق القوانين اللبنانية". يضيف: "ما من دعم مادي للمستشفى، بل يعمل باللحم الحي ومعروف أنه أب الفقراء". يضيف: "هذه التهديدات لا تضرب القطاع الصحي فقط، بل القطاع التعليمي الطبي في لبنان، حيث يستقبل المستشفى طلاباً متدرّبين من الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية وغيرهما، من تخصصات الطب والتمريض والصيدلة والعلاج الفيزيائي واختصاصيي التغذية. ويخرّج المستشفى سنويّاً مئات الأطباء".
ويشير علامة إلى أن "مستشفى الساحل هو مستشفى جامعي لكل المقيمين في لبنان، من مواطنين ولاجئين سوريين وفلسطينيين وأجانب، وقد تعاقدنا في هذا الإطار مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)". ويتّسع المستشفى لمائتَي سرير ويعالج آلاف المرضى كل شهر، ويوفر الرعاية الطبية المتكاملة من عمليات جراحية وعناية فائقة وعلاج أطفال وخدمات الطوارئ. ويكشف أنه حتى يوم الاثنين، "كان المستشفى يعالج 30 مريضاً في قسم غسيل الكلى، إذ لا يمكن لهؤلاء المرضى أن ينقطعوا عن العلاج، وإلا تتدهور أحوالهم الصحية، وقد يتهددهم الموت. وكان من المفترض أن نقدم العلاج لمرضى السرطان كما جرت العادة كل يوم ثلاثاء، لكن التهديدات الإسرائيلية منعتهم من تلقّي العلاج، ما قد يؤثر سلباً على حياتهم. أخذنا التهديد على محمل الجد ولم نقبل المخاطرة بحياة المرضى أو الموظفين، فقمنا بإخلائه، وعملت الفرق الإسعافية على نقل المرضى إلى مستشفيات أخرى".
من جهته، يوضح مدير عام مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي، الدكتور جهاد سعادة، لـ"العربي الجديد"، أن "الاستهداف الإسرائيلي طاول عدداً من المقيمين بجانب المستشفى، لكن مداخل المستشفى تضررت وكذلك معظم طوابقه، بما فيها تلك الموجودة تحت الأرض، حيث تساقط الزجاج في كل مكان. العدو لا يفرّق ولا يكترث لأي شيء، وعلينا ألا ننسى ما تعرّض له مستشفى المعمداني في غزة. لذلك، نتوقع كل شيء".
يُشار إلى أن مستشفى رفيق الحريري الحكومي يتّسع لـ550 مريضاً، وهناك 20 سريراً في غرف العناية الفائقة للأطفال والكبار. كما أنه من أكبر المستشفيات في لبنان لناحية المساحة وعدد الأسرّة، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص. ويعد مستشفى مهماً على الخريطة الصحية لوزارة الصحة العامة في لبنان، ويلعب دوراً مهماً باعتباره مستشفى جامعيا وحكوميا في قلب بيروت، كونه قريبا من الضاحية الجنوبية للعاصمة، وقد أبرم العديد من الشراكات مع المنظمات الدولية وعدد من السفارات والجمعيات المحلية. وهو مرجع معتمد من قبل منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية لعلاج المصابين في الحروب والكوارث الطبيعية. وقد ساهم بعلاج جرحى ومصابي حرب يوليو/ تموز 2006 وضحايا الطائرة الأثيوبية التي سقطت فوق العاصمة بيروت، وكذلك ضحايا انفجار مرفأ بيروت. هذا، ويضم مستشفى الحريري مركزاً للحجر الصحي لحالات الإنفلونزا وجدري القردة والكوليرا وجائحة كورونا. وقد تحول هذا المركز اليوم استثنائيّاً لمركز عناية بجروح المصابين جراء العدوان الإسرائيلي. كما أن المستشفى كان من أوائل المستجيبين لمعالجة اللاجئين السوريين، منذ بداية أزمة اللجوء. ويضم المستشفى كذلك طابقاً خاصاً باللجنة الدولية للصليب الأحمر، لمعالجة جرحى ومصابي الحروب، والمرضى غير المشمولين بالتغطية الصحية التي توفرها وزارة الصحة اللبنانية أو أي جهات أخرى، كما تساهم اللجنة بدعم أعمال الصيانة وتدريب كوادر المستشفى. ويضم المستشفى كل الاختصاصات، وتُجرى فيه عمليات جراحية من جراحة القلب والأعصاب والعظام والمفاصل وجراحة العيون وزراعة الأعضاء وزراعة الكلى وتركيب الأطراف الاصطناعية، إلى خدمات الصحة النفسية والعقلية والخدمات البحثية ومعالجة المدمنين على المخدرات، وكذلك علاج مرضى السرطان من الأطفال والكبار، حيث توجد وحدة علاج كيميائي.
بدوره، يعتبر نقيب أطباء لبنان في بيروت، البروفسور يوسف بخاش، أن "الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات والطواقم الطبية، هو استهداف ممنهج ومخطط له بهدف شلّ القطاع الصحي، خصوصاً أن عدد الجرحى تخطى 11.500 جريح. لكن الاستهدافات ليست أمراً جديداً، إنما بدأت منذ بداية الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من خلال استهداف الطواقم الإسعافية. ومؤخراً بعد 17 سبتمبر/ أيلول 2024، تم استهداف المستشفيات في جنوب البلاد بشكل مباشر، مثل مستشفى صلاح غندور، مستشفى مرجعيون الحكومي، مستشفى ميس الجبل الحكومي ومستشفى بنت جبيل الحكومي، وخرجت هذه المستشفيات عن الخدمة. كما استهدف مستشفى المرتضى ومستشفى دار الأمل الجامعي في منطقة دورس – بعلبك (البقاع الشمالي)، إلى جانب تضرر عدد كبير من المستشفيات جزئيّاً".
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "يواصل القطاع الطبي والاستشفائي القيام بواجباته الإنسانية، رغم كل الصعوبات والأزمات التي يحملها على أكتافه منذ سنوات، سواء جراء الأزمة الاقتصادية في البلاد أو هجرة الأطباء، لا يزال القطاع لغاية اليوم يقف إلى جانب المواطن والجرحى. ولا نستغرب هذه الحملة وهذه الذرائع التي يطلقها العدو الإسرائيلي بوجود أنفاق، ولا نتعجب أن يستهدف مستشفيات أخرى لاحقاً مع ذرائع مختلفة".
ويشير بخاش إلى أنّ "خمسة مستشفيات باتت خارج الخدمة في لبنان، وأكثر من 100 مركز رعاية صحية أولية. كما أن أكثر من 150 سيارة إسعاف تابعة للهيئة الصحية الإسلامية وجمعية كشافة الرسالة الإسلامية والصليب الأحمر اللبناني، استهدفت مباشرة خلال الأسبوع الماضي. وتكبد القطاع أكثر من 150 شهيداً من الطواقم الطبية والتمريضية، بينهم أربعة أطباء، وأكثر من 200 جريح. مع ذلك، نحن مستمرون بالعمل، وقد رفعنا الصوت ووجّهنا رسالة إلى منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة للتدخل وإجبار العدو الإسرائيلي على احترام ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف التي تحيّد المدنيين والطواقم الطبية عن أي صراع، وتمنح كل مدني حقه بالاستشفاء. وسنواصل رفع الصوت والصمود كمقاومين باللباس الأبيض".
ويبدي بخاش خشيته من "تكرّر المشهد الأليم في مجمع الشفاء الطبي ومستشفى المعمداني، كون إسرائيل تعتمد في لبنان السياسة ذاتها التي اتّبعتها في قطاع غزة. لذلك، الهاجس والخوف كبيران، وتم اتخاذ القرار منذ نحو أسبوعين بوقف استقبال العمليات الباردة في مستشفيات الضاحية الجنوبية لبيروت، كونها تقع في منطقة مستهدفة، وهناك خطر كبير على العاملين. وضمن خطة الطوارئ الصحية، تم نقل المرضى إلى مستشفيات أخرى خارج الضاحية الجنوبية، وتوجيه الطواقم الطبية في مستشفيات الضاحية الجنوبية، مثل مستشفيات بهمن والرسول الأعظم والساحل، لعلاج جرحى الحرب وخدمات الطوارئ فقط. أما مستشفى سانت تريز الواقع في منطقة الحدث المحاذية للضاحية، فيخضع للتوجيهات ذاتها وتم نقل مرضاه، لكنه مستمر بكل طواقمه وقدراته، رغم القصف الكثيف في محيطه، وبشكل متكرر".