في خطوة فريدة، أنشئت في مدن صينية مدارس لـ "الأبوة والأمومة" تعلم أولياء الأسر كيفية التعامل مع أبنائهم. ولاقت الفكرة رواجاً كونها تستهدف تحسين العلاقات الأسرية لفائدة المجتمع.
ليس التعليم في الصين حكراً على الأبناء، فالآباء يملكون فرصة نيل قسط من العلم رغم تقدمهم في السن وانشغالهم في الحياة الصناعية. ففي مقاطعة جيجيانغ الواقعة شرقي البلاد، أنشأت جهات حكومية مدارس "الأبوة والأمومة" لتعليم آباء وأمهات كيفية التعامل مع أبنائهم وتربيتهم في شكل سليم. وتعتمد هذه المدارس نظام النقاط الذي يمنح الآباء، في حال اجتازوا معدلاً محدداً، شهادات معتمدة من مكتب التعليم في المقاطعة.
ومنذ إعلان البرنامج الجديد الفريد من نوعه، التحق به أكثر من 220 ألف ولي أمر في المدارس، ما حتم بدء الترويج لتعميمه في مدن ومقاطعات أخرى. وتقدم المدارس حالياً حصصاً مجانية في كيفية رعاية الأطفال حتى سن الـ 15، والتواصل معهم في مواضيع محددة مصممة لكل فئة عمرية. وخلال تفشي فيروس كورونا، قدمت المدارس حصصاً حول التعليم عن بعد ومهارات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب الوقاية من الأوبئة، واستشارات نفسية.
وأثار إنشاء هذه المدارس ردود فعل متباينة في موقع "ويبو" (التطبيق الصيني المماثل لموقع تويتر). واعتبر مستخدمون أن البرنامج الجديد لهذه المدارس قد يشكل عبئاً إضافياً على أولياء الأمور بسبب طبيعة الحياة الصناعية التي تفرض بقاءهم فترات طويلة خارج منازلهم، من أجل إعالة أسرهم وتوفير حياة كريمة لهم. كما أن لا نظرية محددة أو منهاج ثابتاً يصلح لتربية الأسرة، باعتبار أن ظروف كل منها تختلف ويصعب تعميم نظرية واحدة عليها.
في المقابل، يرى آخرون أن البرنامج ضروري لتحسين مهارات الآباء في التعامل مع أبنائهم، خصوصاً بعد تزايد شكاوى الأطفال من قلة الرعاية والاهتمام، في ظل الانشغالات الدائمة لآبائهم، وتعرضهم نفسهم لاضطرابات نفسية أثناء الحجر الصحي الناتج من تفشي فيروس كورونا.
يقول دونغ شي (46 عاماً)، أحد الآباء الذين التحقوا حديثاً بمدرسة "الأبوة والأمومة" في مدينة شانغ تشنغ، لـ"العربي الجديد": "لا أعتبر نفسي أباً مثالياً. أملك عيوباً مثل الجميع، وأرتكب أخطاء كثيرة خلال رعايتي أبنائي، لذا لم أتردد لحظة في الالتحاق بالمدرسة حين علمت بفتح باب التسجيل. أريد أن أكون أباً صالحاً لديه القدرة والمهارة في التعامل مع أبنائه". يضيف: "واجهت أثناء الحجر الصحي بسبب انتشار وباء كورونا صعوبة في توفير المستلزمات اللازمة لابنتي البالغة 12 سنة من أجل متابعة دروسها عن بعد. فأنا لم أكمل تعليمي ولا خبرة لدي في مجال التكنولوجيا، في حين تعمل زوجتي في مزرعة وهي أميّة لا تقرأ ولا تكتب. واليوم بت أستطيع بفضل الحصص الدراسية التي أتلقاها أسبوعياً وتشمل استخدام الكومبيوتر ومبادئ التربية والعلوم العامة وعلم النفس وصحة المجتمع، التواصل بطريقة أسهل مع الأجيال الصغيرة، ومواكبة التطور المجتمعي الحاصل، علماً أنني لم أتخيل أن يصبح لدي بريد إلكتروني، وأتابع واجبات ابنتي الدراسية بنفسي عبر برامج حديثة لم أسمع بها".
من جهتها، تؤكد الباحثة الاجتماعية لونغ يي، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن "إتقان المعرفة والمهارات الخاصة بتربية الأبناء، أمر في غاية الأهمية، لذا يجب أن يصبح البرنامج إلزامياً في أنحاء البلاد، سواء في الريف أو المناطق الحضرية". تضيف: "تحتم حقيقة أن سلوك الآباء يمثل قدوة لأبنائهم، تقييمه وفق معايير تربوية سليمة وصحية، بغض النظر عن مستوى التحصيل العلمي للآباء، لأن مهارات التواصل شيء مكتسب لا علاقة لها بالأميّة. وإذا أوجدنا مدارس خاصة لتعليم أولياء الأمور وفق مناهج محددة، سنخلق جيلاً يملك وعياً وثقافة ومؤهلات لمواجهة تحديات الحياة بكل تقلباتها وفصولها. لكن هذه البرامج يجب أن تنفذ أيضاً بحذر شديد لأن أي إخفاق في مرحلة ما قد يؤثر على علاقة الأبناء بآبائهم، ويتسبب في حدوث شرخ كبير يصعب معالجة ذيوله في المستقبل".
في المقابل، يشكك مراقبون في جدوى تعليم الآباء وفق البرنامج المعلن، بسبب إسقاط فرضية الرسوب، "فكون جميع الملتحقين سينجحون بغض النظر عن اجتهادهم والتزامهم، لا يوفر حافزاً إضافياً، وقد يجعل الانضمام للمدرسة مجرد هدر وقت لبعضهم، وفرصة للتسلية والترويح عن النفس، خصوصاً أن رسوم الدراسة رمزية وفي متناول الجميع، كما أن غالبية المدرسين متطوعون ولا تتوافر عائدات مادية لهم تحثهم على بذل جهد إضافي في حصص الدراسة". ويربط بعضهم توقيت الترويج للمدرسة بسماح الحكومة الصينية للأسر بإنجاب طفل ثالث، ويتوقعون أن يكون الهدف مجرد مقدمة تربوية لإنجاب طفل جديد، بعد عزوف المجتمع عن الإنجاب رغم تحسين سياسات تحديد النسل في البلاد.
وكانت مديرية التربية والتعليم في مقاطعة جيجيانغ قد ذكرت في بيان أن المشروع الحديث أصبح علامة تجارية مؤثرة لتعليم أولياء الأمور في عموم الصين. وقالت إنه "يهدف إلى تعزيز تعليم شريحة كبيرة في المجتمع ممن لم يتلقوا تعليمهم الأساسي بدرجة كافية، ما قد يسهّل في المستقبل عملية التواصل بين المدرسين وأولياء الأمور، وتحمل الآباء واجبات متابعة أبنائهم في المنزل، ويساهم في تخفيف العبء الملقى على كاهل المعلمين".