استمع إلى الملخص
- أنسام عيسى، ناجية من القصف، تشارك تجربتها المؤلمة، مؤكدة على أن الضحايا كانوا مدنيين يبحثون عن الأمان في المدرسة التي تعتبر ملجأً آمنًا تحت إدارة أونروا.
- وكالة "أونروا" تنفي وجود مسلحين بالمدرسة وتصف الهجوم بأنه "صادم"، مشيرة إلى تأثير القصف على مكانة مدارسها بين سكان غزة الذين كانوا يرون فيها ملجأً في أوقات الأزمات.
كان معظم النازحين إلى مدرسة ذكور النصيرات الإعدادية نائمين ليل الأربعاء- الخميس، ووسط الظلام الدامس، سقطت قذائف إسرائيلية داخل منطقة المخيم الجديد، وهي أحد أفرع مخيم النصيرات الكبير في وسط قطاع غزة، وطاول القصف المدرسة التي كانت تضم عشرات العائلات النازحة من مناطق وسط قطاع غزة ونازحين من مخيم البريج.
وصلت أعداد شهداء المجزرة الإسرائيلية في مدرسة النصيرات التابعة لوكالة أونروا إلى 45 شهيداً، من بينهم 15 طفلاً و9 نساء، إلى جانب أكثر من 80 جريحاً، إذ قصف الاحتلال بشكلٍ مباشر الطابقين الأول والثاني.
تصف الشابة الفلسطينية أنسام عيسى نفسها بأنها "ابنة الشهيد وشقيقة الشهداء"، فقد استشهد والدها سعيد محمد عيسى مع أشقائها عمر وعبد الله في مجزرة المدرسة. تقول لـ"العربي الجديد" إنهم نزحوا من مخيم البريج يوم الثلاثاء الماضي نتيجة القصف المكثف، وتوجهوا إلى مخيم النصيرات لأنهم ضمنوا الإقامة في أحد فصول مدرسة ذكور النصيرات الإعدادية مع آخرين من أفراد عائلتهِم، وكانوا يعتقدون أنهم سيكونون في أمان داخل المدرسة التي تتبع وكالة أونروا، رغم أن القصف كان متواصلاً على الأطراف الغربية من المخيم.
تتعرض أطراف مخيم النصيرات لقصف متكرر من قبل جيش الاحتلال
توضح أنسام لـ"العربي الجديد": "قضينا ليلة واحدة هادئة في المنطقة التي تضم المدرسة وعيادة الرازي التخصصية التي تستقبل المصابين والمرضى، وقد قسمنا أنفسنا إلى قسمين، فالنساء في فصل دراسي، والرجال في فصل آخر. عند الساعة الثانية من فجر الخميس تقريباً، حدث انفجار ضخم في المدرسة. قمنا من نومنا مفزوعين، وكانت ثلاثة فصول تحترق بمن فيها، والأشلاء منتشرة على الأرض، والمصابون في كل مكان، علمنا باستشهاد والدي، وأن أشقائي الاثنين كانا معه في ذات الغرفة، فسارعنا إلى المكان، وكانت النار تمسك بجسد أخي عبد الله، فحاولنا إطفاء النار، لكنه استشهد، وكان والدي وشقيقي عمر قد استشهدا قبله".
تضيف: "استشهد عدد كبير من الأطفال، وغالبيتهم كانوا ممن فضلوا المبيت مع آبائهم في الفصول لأنهم لا يرونهم كثيراً، فالآباء يبحثون طوال اليوم تقريباً عن الطعام. لا يوجد دليل على وجود مسلحين في المكان لتبرير القصف، والموجودون هم عائلات نازحة تحتمي بالمدرسة".
وتتعرض أطراف المخيم لقصف متكرر من قبل جيش الاحتلال، إذ يقع المخيم بالقرب من "شارع 749" الذي أقامه الاحتلال ليفصل قطاع غزة إلى قسمين. وكان الكثير من النازحين يفضلون تلك المدرسة كونها تقع في منطقة بعيدة عن الشوارع العامة، وبعيدة عن أطراف المخيم التي تشهد تكرار القصف، وكانت تضم نحو ستة آلاف من النازحين قبل المجزرة الإسرائيلية، كما أشار بيان لوكالة أونروا، لكن أعداداً كبيرة منهم اضطرت بعد المجزرة إلى النزوح إلى مناطق أخرى.
وبعد قصف مدرسة النصيرات، ارتفعت أعداد الشهداء داخل مدارس وكالة أونروا في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي إلى قرابة 500 شهيد، وأكثر من 1550 جريحاً بمختلف أنواع الإصابات، وبلغ عدد مدارس الوكالة التي تعرضت للقصف 187 مدرسة، وسجلت 432 حادثة أثرت على مباني "أونروا"، وعلى الأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء الحرب.
فقد محمود المغاري ثلاثة من أفراد عائلته، وهم الشهداء أحمد وإياد ومحمد المغاري، الذين كانوا داخل أحد الفصول التي طاولها القصف، ويقول إن عدداً من الموجودين في المدرسة كانوا يتنقلون منها إلى منازلهم المدمرة في مخيم البريج، والكثير منهم من المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة، وكانوا يفضلون البقاء في المدرسة كونها قريبة من مركز الرازي الطبي في ظل خروج المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة.
يضيف المغاري: "كانت المدرسة قبل المجزرة تنعم بالهدوء النسبي، لكني اضطررت بعدها إلى النزوح مع بقية أفراد عائلتي إلى مدرسة قريبة، فشقيقي من بين الجرحى، وكنا بحاجة إلى إيجاد مركز صحي لرعايته لعدم وجود أسرة لاستقباله في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح القريبة من المخيم، وهو أحد من جرت معالجتهم في مستشفى العودة بمخيم النصيرات، وآخرين عولجوا في مركز الرازي الصحي".
يقول لـ"العربي الجديد": "سمعنا بعد وقوع المجزرة الحجة الإسرائيلية حول وجود عناصر مسلحين في المكان، وهذا أمر لا يمكن تصديقه، فنحن عائلات ولدينا أطفال، ولو لاحظنا وجود مسلحين لما قررنا البقاء في المكان. إصرارنا على الوجود بالمدرسة كان لأننا جميعاً مدنيون، ومعنا الكثير من كبار السن والمرضى والأطفال، وقد كنا أشبه بعائلة كبيرة نساند بعضنا بعضاً، ويتولى بعضنا إحضار الطبيب أو الممرض لغير القادرين على الذهاب إلى العيادات الصحية. لكن في الأيام الأخيرة، يقصف الاحتلال مناطق وسط القطاع بشكل جنوني".
بدوره، يؤكد محمد أبو نعمة لـ"العربي الجديد": "استشهد ابن عمي جهاد أبو نعمة في المجزرة. لم نعد نثق بأحد، لا منظمة دولية ولا غيرها، فالجميع عاجز عن منع الاحتلال من قتلنا تحت علم الأمم المتحدة، وكل المجتمع الدولي الذي يكرر الكلام والشجب طوال تسعة أشهر لم يستطع إيقاف مجازر الاحتلال. قررت النزوح إلى الخيام، ولا أملك أي شيء، وأشعر بالضياع، وأعتقد أنني سأموت في أي لحظة".
ووصفت وكالة "أونروا" مجزرة مدرسة النصيرات بأنها "صادمة"، مستنكرة مزاعم وجود مسلحين فيها، مع تأكيد مشاركة إحداثيات جميع مرافقها مع الجيش الإسرائيلي حتى لا يُلحق الضرر بها. واعتبرت أن "مهاجمة مباني الأمم المتحدة أو استهدافها هو تجاهل صارخ للقانون الإنساني الدولي، ولا يمكنه أن يصبح عُرفاً جديداً"
وقال مصدر من "أونروا" في غزة لـ"العربي الجديد، إن الوكالة رصدت جميع الأضرار التي لحقت بالمدرسة، وشاركت المعلومات مع مكاتب الأمم المتحدة، موضحاً أن "أونروا لا تزال تتعرض لحملة تضليل كبيرة، وهناك غضب إسرائيلي متزايد بعد عودة عدد من الدول إلى تمويل الوكالة بعد أن تبينت لها الحقائق بشأن المزاعم الإسرائيلية، وعدم صحة ما يُروَّج، فقد أجرت الوكالة الأممية تحقيقات عدة، ولم تجد أي دليل على الادعاءات الإسرائيلية المتكررة لتبرير قصف المدارس".
يضيف المصدر: "مدارس أونروا فقدت مكانتها في عيون سكان قطاع غزة الذين طالما كانوا ينظرون إلى الوكالة باعتبارها جزءاً مهماً من حياتهم، إذ كبرت معهم، ورافقتهم في كل تفاصيل الحياة منذ النكبة الفلسطينية".