متطلبات جنسية الدنمارك تترك الآلاف بلا مواطنة

20 يناير 2023
بعض الشباب لا يعرفون بلداً غير الدنمارك (دافوت كولاك/ الأناضول)
+ الخط -

ولد الشاب يزيد لأب فلسطيني وأم دنماركية، وهو يعتبر نفسه محظوظاً بتلقائية حمله الجنسية بسبب والدته، بينما أصدقاء كثيرون له ولدوا وكبروا في الدنمارك من دون أن يحملوا جنسيتها. ليس هؤلاء قلة، بل يتجاوز عددهم 54 ألف شاب وشابة، وكلهم بلا مواطنة بسبب تشدد كوبنهاغن في تجنيس من ولدوا في البلاد لآباء من أصول مهاجرة.
ويعيش عشرات آلاف الشباب الذين لم يعرفوا ثقافة أو مجتمعاً آخر كأجانب. يرتادون المدارس الابتدائية والثانوية، لكنهم لا يحملون جواز سفر، وأرقام مؤسسة "الإحصاء الدنماركي" (حكومية)، تثير نقاشاً متزايداً مع تزايد أعداد أولئك الذين تم استثناؤهم من المشاركة في الانتخابات الأخيرة، كما أن نحو 10 في المائة من السكان (نحو 5.9 ملايين نسمة) يعيشون من دون جنسية.
ولأنهم يصنفون كـ"أجانب" لأسباب تتعلق بأصول آبائهم المهاجرين، فإنهم يتعرضون لضغوط نفسية كثيرة تشعرهم أحياناً كأنهم على هامش المجتمع الذي يتحدثون لغته ويعرفون تاريخه وثقافته، ويزداد تأثرهم حين تشملهم "برامج الدنمركة" التي يخضع لها اللاجئون والمهاجرون الجدد، والهادفة إلى الدمج، وتعلم ثقافة وتقاليد البلد. 
يقول الباحث في شؤون الهجرة، مورتن فيسترغورد، لـ"العربي الجديد"، إن "الضغط النفسي للاستثناء من المجتمع الذي تعيش فيه ليس أمرا هيناً. بعض هؤلاء يفرض عليهم التقدم لتجديد رخصة إقامتهم رغم ولادتهم في مشافي كوبنهاغن وآرهوس. تخيل مشاعر شاب ولد في الدنمارك، لكن مجتمعه يقول له إنه غير مرغوب فيه".
وتكررت مطالبات منظمات حقوقية، من بينها جمعية "نحن المهمشون"، بتغيير القوانين لوقف التمييز، ومنح جميع مواليد البلد جنسيته. لكن رغم ذلك، واصلت الحكومات المتعاقبة تجاهل تلك المطالب، بل شددت شروط الحصول على الجنسية، ودفعت الانتخابات الأخيرة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نحو سجال حول الجنسية، بعد أن كشف النقاب عن كونها وراء منع 10 في المائة من السكان من التصويت.

وهناك ثلاث مجموعات تعاني من منع الجنسية من غير اليافعين، أولهم الذين لم يتلقوا تعليماً مناسباً في أوطانهم، وبالتالي لا يتمكنون من اجتياز اختبار اللغة الدنماركية، وثانيهم من لا يستطيعون العمل بدوام كامل بسبب مشاكل عقلية أو جسدية، وثالثهم من تعرضوا في السابق لأحكام قضائية بالسجن أو الغرامة.
ويبدأ التقدم للجنسية باختبار صارم مكون من أكثر من 40 سؤالاً حول ثقافة وتاريخ البلاد، إلى جانب إجادة اللغة، والاستقلال المالي، قبل أن تقوم لجنة "الجنسيات" في البرلمان بتقييم كل طلب، إضافة إلى الاشتراطات الأخرى المتعلقة بالسجل الجنائي، بما في ذلك الغرامات المالية الكبيرة على مخالفات السير، وبعض الطلبات تؤجل لسنوات طويلة، والبعض يصدر قرار بمنع الحصول على الجنسية. لكن الأمور تختلف بالنسبة لليافعين والشباب، إذا يطالب حقوقيون وبعض الأحزاب بضرورة تخفيف اشتراطات الجنسية الخاصة بهم، واستثناء الربط بأصول الآباء، ليكونوا دنماركيين تلقائياً بالولادة. 
وانتقد تقرير صادر عن معهد حقوق الإنسان، في نهاية العام الماضي، سياسات الدنمارك الصارمة بهذا الشأن، معتبرا أنها "لا تفي بالتزاماتها الدولية في مجال منح الجنسية للمواطنين بالولادة".

التشدد الدنماركي مع أبناء المهاجرين يتزايد (دافوت كولاك/الأناضول)
التشدد الدنماركي مع أبناء المهاجرين يتزايد (دافوت كولاك/الأناضول)

وأصبحت متطلبات الجنسية بعيدة عن ما يعتقد السكان أنه "معقول"، وبات كثيرون يعتقدون أنها تعجيزية، إذ رسب بعض الدنماركيين في امتحان الجنسية الذي نشرته مواقع صحف محلية لتبيان مدى صعوبة الأسئلة، وتعقيد شروط التجنيس. وباتت الدنمارك واحدة من أصعب دول الاتحاد الأوروبي في منح المواطنة لمن هم من أصول مهاجرة أو لاجئين، وفي المتوسط يقيم الشخص 19 سنة قبل الموافقة على تجنيسه، ومع تشكيل لجنة الجنسيات البرلمانية برئاسة حزب "البرجوازية الجديدة" المتشدد، يبدو أن الأمور تتجه نحو مزيد من التعقيد.

ونقلت الوكالة الرسمية للأنباء "ريتزاو"، عن الرئيس الجديد للجنة حقوق المواطنة في البرلمان، ميكيل بيورن، أنه سيكون هناك نظام تجنيس مختلف، زاعماً أن "قانون منح الجنسيات متساهل"، وشدد على أن الأمور يجب أن ترتبط بمعايير ما يقدمه طالب الجنسية من فائدة للدنمارك. وأضاف بيورن في مقابلة مع صحيفة "إنفورماسيون"، أنه يرغب في جعل مكان سكن طالب الجنسية مضمناً في تقييم الطلب". بمعنى أنه سيكون من الممكن رفض طلب من يقيم في مجمع سكني يغلب فيه السكان من أصول مهاجرة، وهي المجمعات التي تسمى رسمياً "غيتو"، كما يريد إدخال تعديلات تشريعية تتعلق بتجميد منح الجنسية لأولئك الذين يستوفون الشروط المذكورة "إلى حين معرفة مواقفهم تجاه عدد من القضايا، منها أن يكون الشخص ممن يرفضون مصافحة الجنس الآخر. ضمن فحص الالتزام بالقيم الدنماركية، فرفض مصافحة الجنس الآخر يعني أنه لا يتبنى قيمنا". ويضيف: "أنت تتعرف على وجهات نظر الناس قبل أن تفتح باب بيتك لهم، وليس سراً أن لدينا تجربة سيئة مع الأشخاص المنحدرين من البلدان الإسلامية، أكثر من الأشخاص القادمين من دول الشمال أو أوروبا الغربية".
ولا يعتبر المشرع الدنماركي أن "التمييز" مشكلة، بل يؤكد أنه من شروط الحصول على الجنسية أن يتميز صاحب الطلب عن الآخرين، ويشدد على أن "لجنة التجنيس" يتعين عليها "إجراء تقييم للأشخاص الذين يتقدمون بطلبات، كما يتعين على المتقدمين استيفاء بعض المعايير الموضوعية للحصول على الجنسية، فالمجرمون لا يمكنهم الحصول على الجنسية مثل غير المجرمين، وهذا أيضاً تمييز بين مجموعتين سكانيتين".

المساهمون