للمرّة الأولى في لبنان منذ عام 1974، عمد وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحلبي إلى إصدار قرار مباشر بفصل رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين من التعليم، بعد 11 عاماً من التعاقد. وقد طلب الحلبي من المدير العام للتربية، عماد الأشقر، عدم تجديد تعاقد شاهين للعام الدراسي 2022-2023 والأعوام اللاحقة "لانتفاء الحاجة إلى خدماتها"، وفق كتابه الرسمي.
والقرار الذي أثار حفيظة الأساتذة المتعاقدين والناشطين أدّى إلى امتناع عدد من المتعاقدين عن التعليم يوم أمس الثلاثاء، واعتصامهم أمام مبنى وزارة التربية والتعليم العالي في العاصمة بيروت، احتجاجاً على قرار الوزير. وقد أطلقوا صرخة بوجه "القمع والظلم والتعسّف وسياسة كمّ الأفواه والقرار المجحف بحقّ رئيسة اللّجنة"، وفق ما صرّحوا، مؤكّدين أنّ "شاهين كانت وما زالت نبض المتعاقدين، وأنّ زمن العبودية قد ولّى".
وقد تزامن إعلان القرار مع بدء العام الدراسي 2022-2023 يوم الاثنين الماضي في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، فيما يعود تاريخ توقيعه إلى 29 أغسطس/ آب الماضي، وفق ما توضح شاهين لـ"العربي الجديد"، معربة عن أسفها لإقدام الوزير على إبلاغها بقرار الفصل بعد أن كانت قد دعت الأساتذة يوم السبت الماضي إلى العودة إلى التعليم، على أن تكون عودة مقرونة بالإيفاء بحقوق الأساتذة، وهذا ما أكّدته يوم الأحد، أي قبل فصلها بيوم واحد.
تضيف شاهين أنّ "القرار شخصي وتعسّفي وغير قانوني، إذ إنّ هكذا قرارات تصدر عادة عن إدارة المدرسة بعد التفتيش التربوي، وتخضع لتراتبيّة معيّنة. لكنّ ما حصل سابقة في تاريخ لبنان منذ عام 1974، حين حصلت إقالات جماعيّة لأساتذة كانوا يطالبون بحقّهم". وتتابع شاهين: "إذاً، إنّها المرّة الأولى التي يقيل فيها وزير تربية معلّمة، ويوقّع على قرار فصلها، ويدّعي انتفاء الحاجة إلى خدماتها، علماً أنّ ثمّة حاجة إليها، وأنّ مسألة الحاجة يقرّرها أصلاً مدير المدرسة وليس الوزير، ومن ثمّ يبلغ المناطق التربوية بذلك. والقرار بالتالي ينمّ عن همجيّة في التعاطي، ولا أسباب موجبة لدى الوزير لفصلي من التعليم. لذلك أضع الأمر أمام الرأي العام، وقد وكّلت نحو 22 محامياً برفع دعوى أمام مجلس شورى الدولة".
ونسرين شاهين المتعاقدة مع مدرسة شكيب أرسلان الرسمية في بيروت، التي تعلّم مادة اللغة العربية لمرحلة التعليم الأساسي بدوام كامل وبمعدّل 28 حصّة أسبوعياً لأربعة صفوف، تكشف أنّ القرار طاولها دون سواها. وتشرح: "تناولت الواقع كما هو، وأضأت على المخالفات وعدم التزام تطبيق القوانين، وطالبت بضرورة المحاسبة والمساءلة واعتماد الشفافيّة وفتح ملفات الفساد في الوزارة ومتابعة الملفات التي تحوّلت إلى القضاء، مثل سرقة الحواسيب المقدّمة كهبة وسرقة أموال تعليم التلاميذ السوريين اللاجئين، ومصير المساعدة المالية للأساتذة بقيمة 37 مليون دولار أميركي التي حُرم منها أكثر من ثلاثة آلاف أستاذ، وأنا واحدة منهم، ولم أتقاضَ أيّ أجر طوال العام الماضي. يُضاف إلى كلّ ذلك ملف عرقلة تعيين المديرين والاكتفاء بالتكليف والوساطات، كما مسألة تقاضي بعض موظّفي الوزارة رواتبهم بالفريش دولار، وذلك من أموال المنظمات الدولية الممنوحة للوزارة، إلى جانب عدد آخر من قضايا الأساتذة المحقّة وتأخّر تقاضي رواتبهم لأكثر من سبعة أشهر، كما المماطلة في إنجاز معاملات كثيرة. كذلك، ثمّة أموال أعلن عنها الوزير أخيراً وقيمتها 30 مليون دولار أميركي لدعم صناديق المدارس الرسمية، وقد تزامن ذلك مع رفع رسوم تسجيل التلامذة بما يقارب 750 ألف ليرة لبنانية (نحو 500 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 19 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية)، وسط الأزمة الخانقة التي يعانيها المواطنون".
وتكمل شاهين: "حاولت في أكثر من مرّة التواصل مع الوزير، لكنّه يستمع فقط إلى من يقول له سمعاً وطاعة. وعند الاعتراض والمطالبة بالحقوق، نواجه بهكذا قرارات. وكان الوزير قد استبق قرار الفصل باستبعادي أخيراً من اجتماعات اللجان والروابط، من بينها اجتماع يوم الأربعاء الماضي، مدّعياً أنّه فتح باب الحوار ودعا الجميع، علماً أنّه كان قد منعني من دخول اجتماع الوزارة. كذلك فإنّه هدّد الأساتذة حينها بالعودة أو الاستقالة، عوضاً عن استقالته هو، لكونه لم يدفع حقوقهم". وتشير شاهين إلى أنّ "الوزير اتّفق مع الروابط على الأساتذة، حتّى إنّه كان يفضّل عدم الظهور في المقابلات التلفزيونية التي تستضيفني إلى جانبه، بل أن يكون برفقة متعاقدين خارجين من جيب الوزارة، فيمدحون أفعاله ويتمنّون عليه دفع الحقوق، في حين أنّني أواجهه".
وتشدّد شاهين: "لو لم أعلن العودة، لما فتحت المدارس الرسمية في التعليم الأساسي أبوابها، ولا سيّما أنّ الأساتذة المتعاقدين يشكّلون النسبة الكبرى، فيما لا تتعدّى نسبة أساتذة الملاك 30 في المائة"، لافتة إلى أنّ "العام الدراسي لا يتوقّف عليّ، ولا أقبل أن يلجأ الأساتذة إلى الإضراب (من أجلها)، فهم مشكورون على تضامنهم لكنّني سآخذ حقّي عبر القانون".
وتوضح شاهين أنّه "عندما أصدر وزير التربية قراراً استثنائياً بفصلي من التعليم، قرّرت اللجنة الفاعلة إصدار قرار استثنائيّ ببقائي رئيسةً للجنة، حتّى في خلال فترة فصلي. وسوف أبقى المتحدثة باسم الأساتذة المتعاقدين". وتبدي شاهين استياءها من أنّ "رابطة معلّمي التعليم الأساسي في لبنان لم تصدر أيّ بيان تضامني معي، وهذا معيب، كما يؤكّد كلامي أنّ الرابطة تآمرت مع الوزير على حقوق الأساتذة. لم تجرؤ الرابطة على إصدار بيان استنكاري، لأنّ العمل النقابي وعمل الروابط في لبنان مرتبط بأحزاب السلطة، في حين أنّ لجنتنا مستقلة وتطالب فعلاً بمطلب نقابيّ وبحقوق الأساتذة".
وكان التعليم الرسمي الأساسي قد انطلق في الثالث من أكتوبر الجاري، لتفتح المدارس أبوابها تدريجياً أمام التلاميذ، وذلك وفق المهلة التي حدّدها وزير التربية، أي ما بين الثالث من أكتوبر و12 منه. أمّا التعليم الثانوي الرسمي، فما زال في مرحلة تسجيل التلاميذ، وتنتظر انطلاقته نتائج الجمعية العمومية التي تعقدها رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، اليوم الأربعاء، علماً أنّ الأساتذة المتعاقدين في التعليم الثانوي لا يتعدّى عددهم 20 في المائة من إجمالي أساتذة الثانوي، لذلك فهم مُلزمون بقرار الرابطة.