بموقدٍ صغير فيه بعض الحطب والنار، وبكأسٍ من الشاي، شربناها في الظلمة، استقبَلَنا الفلسطيني خالد دراغمة، داخل منزله المعروف بخان اللبن التاريخي. سبب الظلمة يعود إلى ما حدث منذ أكثر من شهر ونصف الشهر. فقد تسببت عمليّة هدم نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي لمسكنٍ صغير رمّمه لابنه؛ بتخريب شبكة الكهرباء، وبالتالي، انقطاع التيار الكهربائي عن المنزل.
منذ سنوات، قرّر دراغمة أن يكون خان اللبن (نسبة إلى قرية اللبن الشرقية جنوب نابلس بالضفة الغربية) مكان سكنه، على الرغم من بُعده نسبيّاً عن منزله وقريته اللبن الشرقية. فالمبنى خانٌ، يعود للفترة العثمانية ورثه من عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "هذا المنزل يحمي آلاف الدونمات من الاستيطان لتوسطه أراضي واسعة بين عدة مستوطنات إسرائيلية".
يمازح دراغمة فريق "العربي الجديد"، قائلاً: "ليتنا نشرب الشاي على طاولة، لكن أطلب أن تتحملوا هذا العقاب معي. ربما الآن يجلس الناس في المقاهي، لكنني هنا سعيد. وأنا أقبل أن أكون في الظلمة لكنّني لا أقبل بالظلم". ويضيف: "أعيش في ظلام منذ أكثر من شهر ونصف، أصبح المكان أشبه بالجحيم، لا كهرباء أو ماء، أو مقومات معيشية. رغم ذلك، انظروا إلى المستعمرات قبالتنا، كلّها مضاءة... أنا لا أريد الكهرباء أو الماء أو غيرهما، بل أفضّل أن أعيش على الحطب وقرب هذه النار".
وفي تفاصيل ما حصل، يروي دراغمة "أبو جمال" أنّه كان قد قرّر أن يرمّم مسكناً صغيراً لابنه ليعيش إلى جانبه، فقرّر الاحتلال هدمه. وجرى تخريب شبكة الكهرباء وقطع خط التوصيل الرئيسي. فضلاً عن تخريب عينٍ للمياه بسبب اعتداءات المستوطنين. ولم تنجح حتى الآن محاولة إعادة شبكة التيار الكهربائي بسبب تردّي الأوضاع المادية. ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه يعاني منذ 20 عاماً من هجوم متواصل للمستوطنين المجاورين كان آخرها قبل نحو أسبوعين.
فالمستوطنون استغلّوا مرض أبو جمال وخروجه من الخان لبضع ساعات إلى المستشفى ليقتحموا منزله، ويضيئوا الشموع ويقيموا طقوساً تلمودية في المكان وعلى سطح منزله، وليخربوا أنابيب المياه، ويسرقوا مستلزمات مطبخه الذي خلعت بوابته في اعتداء سابق. سرق المستوطنون بعض ما يملك من جوز ولوز أيضاً. يقول أبو جمال: "يدّعون أنّ سيدنا موسى عليه السلام كان هنا، لكنّهم يعلمون أنّ المكان إسلامي، ورغم ذلك يُدخلون الدين في السياسة للسيطرة على الأرض".
لا تتوقف الاعتداءات معظم أيام الأسبوع على خان اللبن، إلا من مساء الجمعة حتى نهاية السبت، وهو يوم استراحة كما يصفه أبو جمال، بسبب بقاء المستوطنين في منازلهم تطبيقاً للتعاليم اليهودية.
أخيراً، وضع أبو جمال مخلّفات ما هدمه الاحتلال على بوابة أرضه، علّها تكون عائقاً أمام دخول المستوطنين، بمركباتهم على الأقلّ. لكنّ سلطات الاحتلال أصدرت مخالفة بحقّه. ويقول: "هذه هي بوابة منزلي، تبعد عن الخط الأصفر للشارع 10 سنتيمترات، لكنّ الاحتلال يحتج بسبب فضحي لإجرامهم". ويسأل أبو جمال عن دور المؤسسات المحلية والمسؤولين الحكوميين عن الدفاع عن الخان، قائلاً: "هل أستحقّ أن أعيش هكذا من دون مقومات عيش وماء وكهرباء؟ لا أطلب أيّ شيء من أجلي، بل من أجل هذا التراث الإسلامي، الذي يثبت حضارتنا ووجودنا ووطنيتنا. لا تحافظوا عليّ، بل على هذا المكان الذي يحمي المنطقة من ربط أربع مستوطنات ببعضها".
ويقع "خان اللبن" قرب الطريق الرئيس الواصل بين نابلس ورام الله، ويتوسط عدة مستوطنات هي: "معاليه ليفونا"، و"شيلو"، و"عاليه" و"عيليه". ما يعني أنّ وجوده كمبنى وسط أراضٍ زراعية واسعة يجعله عثرة أمام أيّ مخطط لربط المستوطنات، وبالتالي فصل شمال الضفة عن وسطها جغرافياً.