رغم أن العنف ليس جديداً على المدارس المصرية، لكنه تزايد بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، وتكررت وقائعه في محافظات مختلفة، ما أثار قلق أولياء الأمور والمسؤولين التربويين من انتشاره، ومن خلقه بيئة تعليمية غير آمنة، تؤثر بالطلاب والمعلمين على حد سواء.
وتداولت وسائل إعلام محلية عدة أحداث، من بينها مقتل معلم لغة إنجليزية على يد أحد أولياء الأمور داخل إحدى مدارس القاهرة، ما أحدث صدمة في الأوساط التعليمية، كون الجريمة وقعت رداً على معاتبة المدرس لطالبة على تقصيرها، وحين أبلغت والدها، توجه إلى المدرسة، واعتدى على المعلم، ما أدى إلى إصابته بجلطة في المخ انتهت بوفاته.
حادث آخر صادم، وقع داخل مدرسة بورسعيد الثانوية الصناعية الميكانيكية، حيث طعن طالب زميله بسلاح أبيض، ما أدى إلى وفاته لاحقاً. وفي واقعة ثالثة بمعهد أزهري في مدينة السادس من أكتوبر، خسرت طالبة إحدى عينيها، بعد أن تعرضت للضرب المبرح على يد معلمها، ما تسبب لها أيضاً في إصابات جسدية متعددة. وطاولت حوادث العنف طلاب المرحلة الابتدائية أيضاً، ومن ذلك واقعة تلميذ فقأ عين زميلته خلال شجار حول أولوية الكتابة على السبورة، داخل إحدى مدارس حي العجوزة بمحافظة الجيزة. كما أظهر مقطع فيديو جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، قيام طلاب مدرسة ابتدائية بمركز الباجور، في محافظة المنوفية، بطحن الطباشير واستنشاقه بعد تسخينه.
فقدت المدرسة في مصر جزءاً من مكانتها باعتبارها مكاناً للانضباط
وأدى تعاقب حالات العنف المدرسي إلى عودة النقاش حول تأمين المدارس، وأسباب انتشار العنف داخلها، وسط جدل حول ضعف الرقابة. تقول الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم، لـ"العربي الجديد"، إن "انتشار العنف بين طلاب المدارس يرجع إلى عدة أسباب، أولها التربية الخاطئة، وضعف الروابط الأسرية، ما يؤدي إلى انتشار سلوكيات عدوانية بين الأطفال، إلى جانب غياب دور المعلم القدوة، بعد انتشار ظواهر سلبية مثل الدروس الخصوصية".
وتري عبد المنعم أن "تكرار الحوادث وأشكال السلوك العدواني من بين الأشياء التي يكتسبها الطلاب من المجتمع، ومنها مشاهد العنف المنتشرة في وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ما يدعوه إلى محاولة تقليدها داخل المدرسة. ينبغي دراسة أسباب تصاعد وتيرة العنف المدرسي بطريقة علمية، ومعالجة تداعياته سريعاً، ولحين الوصول إلى ذلك، لا بد من إخضاع القائمين على العملية التعليمية إلى دورات تدريبية حول كيفية التعامل مع الطلاب، والسيطرة عليهم من خلال التوعية بضرورة الالتزام بالقوانين، وإرشادهم إلى كيفية التعامل مع الآخرين، فتصاعد تلك الممارسات سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل الأطفال، وبالتالي على مستقبل المجتمع".
بدوره، يقول عضو مركز "الحق في التعليم"، أحمد حمدون: "في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة، ومع انتشار القيم السلبية في المجتمع، فقدت المدرسة جزءاً من مكانتها بصفتها مكاناً للانضباط والتعلّم، وذلك نتيجة ارتفاع كثافة الفصول، وعدم وجود أنشطة مدرسية مناسبة للتلاميذ، ما يشير إلى تحديات كبيرة يجب على الجهات المعنية معالجتها. لا ينفي ذلك افتقار الكثير من المدرسين للمؤهلات اللازمة، وعدم خضوعهم للبرامج المتخصصة التي تعنى بالتربية السلوكية، إلى جانب ضعف إجراءات الأمن والرقابة داخل المدارس، وكل ذلك يؤدي إلى انتشار سلوكيات عدائية بين الطلاب، وإلى عدم قدرتهم على حل الخلافات بشكل ودي".
ويؤكد حمدون "ضرورة توفير أعداد كافية من المشرفين والمشرفات داخل المدارس، وإجراء التفتيش الدوري لمنع دخول الأدوات الخطرة، إلى جانب توعية الطلاب بضرورة الالتزام الأخلاقي، وأهميته في مسيرتهم التعليمية، إلى جانب التحصيل المدرسي".
ويوضح استشاري التأهيل النفسي والسلوكي، أشرف تهامي، أن الظروف الاقتصادية قد تساهم في خلق بيئة غير مستقرة داخل المدرسة، حيث تتأثر النفسيات بشكل كبير، وتظهر النزاعات باعتبارها ردة فعل تلقائية. ويشير إلى أن "ضعف التواصل بين أولياء الأمور والمعلمين يؤدي أيضاً إلى غياب الثقة، ما يتسبب في تحول مشكلات بسيطة إلى حالات عنف".
ويشدد تهامي على "أهمية دور الاختصاصيين الاجتماعيين بالمدرسة، وضرورة عقد جلسات توعية تستهدف أولياء الأمور، لتعزيز دورهم في تهذيب أبنائهم وضبط سلوكهم، وإنشاء مجالس استشارية تضمهم مع الإداريين والمعلمين، ما يعزز من التعاون المشترك بين المدرسة والمنزل، ويخلق بيئة تعليمية صحية وآمنة. يلزم أيضاً العمل على برامج لتعزيز السلوك الإيجابي بين الطلاب، ووضع عقوبات صارمة لكل من يتجاوز، سواء كان طالباً أو ولي أمر أو معلماً، ما يعزز من شعور الأمان داخل المدرسة".
بدورها، وجهت المديريات التعليمية الإدارات والمدارس، بمكافحة ظاهرة العنف بمختلف أشكالها، سواء بين الطلاب بعضهم البعض، أو بين المعلمين والطلاب، وتفعيل دور الاختصاصي النفسي والاجتماعي للتصدي لهذه الممارسات، كما شددت على ضرورة الالتزام بالقرارات واللوائح المتعلقة بالانضباط والعقوبات، والتحفيز التربوي.
وأدان وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، في بيان، وقائع العنف المدرسي، مؤكداً بدء تنفيذ إجراءات صارمة لمواجهة هذه الحوادث، ومنع تكرارها بالمدارس لضمان حماية الطلاب، وتوفير بيئة تعليمية آمنة في جميع المحافظات، مع السعي لتطبيق أسس وقواعد التربية السليمة.التعليم