تظل تحديات المرأة الفلسطينية اللاجئة كبيرة في نقل أفكارها إلى محيطها، وربما انتقاد واقعها أو التمرد عليه. مجموعة نساء في مخيم برج البراجنة يخضن هذا التحدي عبر المسرح، وحققن بعض أهدافهن.
"حلِمنا بإنشاء مسرح في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين بالضاحية الجنوبية لبيروت، واحتجنا إلى مكان مغلق لمشروعنا، وباشرنا العمل بعشر نساء". هكذا استهلت مدربة المسرح في المخيم الدنماركية صوفي بركلي كلامها لـ "العربي الجديد". عام 2016، أتت صوفي من الدنمارك إلى المخيم في إطار عمل، وتعرفت على مديرة ومؤسسة روضة "القسّام" فاديا لوباني بعدما مكثت معها في بيتها، وعاشت وأكلت معها. تقول: "تشاركنا في تنظيف المنزل والطبخ والتسوق، وكذلك في حلم امتلاك مسرح اعتبرناه المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الإنسان أن يحقق أحلامه". تضيف: "واجهنا صعوبات في البداية، إذ لم يكن إقناع النساء وأهاليهن بالفكرة أمراً سهلاً. ثم توسعنا شيئاً فشيئاً، واهتمينا بأعمال تتحدث فيها المرأة عن مشكلاتها بلا خجل. واستطعنا عبر التدريبات أن ننزع الخجل من النساء، ونجحت كل امرأة في تجسيد حكاياتها وقصص غيرها ممن يعشن في المخيم. واليوم ينتمي أعضاء المسرح إلى جيلين، أولهما واكب مرحلة التأسيس، وبات في الخمسينيات من العمر، أما الثاني فهو جيل العشرينيات حالياً". وتوضح صوفي أن "المسرح يهدف إلى إخراج كل مكنونات النساء، ويجعلهن منفتحات على بعضهن البعض كي تعرف الناس القصص الجميلة الموجودة في المخيم".
تقول مهى مرة (53 عاماً)، المتحدرة من قرية سحماتا بفلسطين والمقيمة في مخيم برج البراجنة: "عشت حياتي في المخيمات الفلسطينية. وأحببت القراءة والكتابة، وحلمت بأن أنهي تعليمي الجامعي، لكن الحروب المتتالية في لبنان، وتحديداً في المخيمات التي حوصرت مرات أيضاً منعتني من متابعة تعليمي الجامعي. لكنني كنت أكتب دائماً عن واقعنا المجتمعي وأنتقده من دون أن أستطيع نشر أي من كتاباتي الأمر الذي عرقله أيضاً ظروف حياتنا التي تمنعنا من الاعتراض. وعندما علمت بفكرة المسرح شعرت بسعادة كبيرة لأنه مركب نجاة بالنسبة لي، خصوصاً أنني أحب أن أعتلي خشبته وأعبر عن نفسي. وهو الوسيلة التي تجعلني أقول ما لا يسمح لي بقوله في الحياة. على خشبته نحكي قصصاً جميلة، ونجسد الواقع الذي نعيشه عبر قصص المخيم الحلوة والمرّة".
تضيف مهى: "لو بدأت العمل المسرحي في سن العشرين لكنت أبدعت، لكن رغم ذلك لدّي طاقة كبيرة أستطيع أن أعبر عنها على خشبة المسرح التي أجسد عليها معاناة شعبنا وقصصه المتنوعة". وتنقل مهى قصصاً حياتية مرتبطة بزوجها الذي يعاني من انفصام في الشخصية، فتقول: "زوجي من ضحايا الحرب، أصيب بشظية في رأسه حين كان يعمل في البناء، وبعدها لم يستطع العمل، فصرت أعالجه بالمسرح إلى جانب مساعدته في إعداد أنواع من الحلوى من أجل بيعها أمام البيت. كما أعمل منذ 33 عاماً كمربية في روضة القسّام".
أما لوباني المتحدرة من بلدة سعسع بقضاء صفد في فلسطين، فتقول لـ "العربي الجديد": "حرمت من متابعة تعليمي بسبب الحروب، وبلغت صف البكالوريا فقط لأنني اضطررت مع أخوتي لمساعدة والدي في بناء بيتنا، وحملنا الرمل على رؤوسنا". تتابع: "تزوجت من صحافي، وحلمنا أن نؤسس روضة لتعليم الأطفال تشبه مدرستي في مخيم تل الزعتر. وبعد سنتين من زواجنا بدأنا في تأسيس الروضة عام 1987. وفي عام 2016، تعرفت ابنتي صمود على مخرجة بريطانية اسمها سارة، أرادت إنجاز فيلم. وقدمتني لها باعتباري مديرة روضة، فيما عرفتني سارة بدورها على حكواتية تدعى فداء عطايا. ومن حسن حظي أن صوفي وفداء تعملان معاً بالمسرح الذي أحبه على غرار كتابة القصص. وعملنا على تأسيس مسرح للنساء في المخيم كي نظهر للآخرين أن المرأة الفلسطينية قوية وتستطيع أن تقاوم كل شيء، ومن أجل العمل على القضية الفلسطينية".
وتشير اوباني إلى أن "التعامل كان أسهل مع النساء من جيل الثورة في تنفيذ فكرة مشروع المسرح، لأنهن كسرن حاجز الخجل، وانخرطن في العمل الفدائي والثوري "أما الجيل الجديد فأتعبنا في المرحلة الأولى. شعرت الفتيات بخجل شديد في أول عمل على مسرح إسطنبولي بمدينة صور جنوب لبنان، في حين أردنا أن ننزع فكرة التنمر. والحقيقة أن الجمهور الفلسطيني ساعدنا في كسر هذا الخجل. أما في المسرحية الثانية فاختارت الفتيات ملابسهن بحسب ما يرتدينه في حياتهن اليومية بالمخيم والمطبخ والزاروب والسوق".
وتروي آية قاسم (21 سنة)، وهي من بلدة كويكات بفلسطين ومقيمة في مخيم برج البراجنة، وتعمل مربية أطفال في روضة "القسّام"، لـ "العربي الجديد": "تعلمت حتى صف البكالوريا، ثم توقفت بسبب الوضع الاقتصادي". وحين عُرضت علي فكرة المشاركة في عمل مسرحي شعرت بالخجل بداية. ثم انكسر حاجز الخجل شيئاً فشيئاً، وصرت أعمل مع زميلاتي على بحوث تتناول القصص التي يمكن أن أمثلها، وراودتني فكرة أن أمثل ما أشعر به، وأحكي ما لا أستطيعه في حياتي اليومية. من هنا أكسر كل القيود على المسرح وأعمل ما أريده. وأنا مرتاحة لذلك فالمسرح قوّى شخصيتي، وكسر حاجز الخجل لدي".