مع انخفاض معدل المواليد الجدد في الصين وسط ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال والعزوف المجتمعي عن الزواج، يختار المزيد من جيل الألفية الثانية تربية الحيوانات الأليفة بدلاً من تحمّل العبء الاجتماعي للإنجاب في ظل ظروف اقتصادية صعبة. ويملك أكثر من 70 مليون شخص في المناطق الحضرية، أكثرهم من الشباب، 65 مليون قطة و51 مليون كلب.
يقول جيانغ وين، الشاب في العقد الثالث الذي فضل اقتناء كلب بعدما قرر العزوف عن الزواج والإنجاب بسبب التكلفة المرتفعة لتربية الأطفال، لـ"العربي الجديد": "أقمت أثناء دراستي الجامعية قرب منزل أخي الأكبر بالعاصمة بكين، وكان حينها يستعد لاستقبال مولوده الأول، لذا اطلعت على كل التفاصيل المتعلقة بتهيئة الأجواء، وتوفير متطلبات إنجاب طفل في منطقة حضرية. وهو اضطر إلى اقتراض مبلغ من البنك من أجل تسديد فواتير المراجعة الطبية لزوجته أثناء الحمل، ثم أدخله الحضانة ورياض الأطفال، واضطر إلى تأمين طعام خاص لطفله الذي عانى من نقص في الفيتامينات الأساسية، وأيضاً ملابس وألعاب، كما دفع تكاليف مدبرة منزل لأنه يعمل على غرار زوجته لتسديد النفقات، وكلاهما لا يملك الوقت الكافي لرعاية الطفل".
يتابع: "جعلتني جميع هذه الأمور أفكر ملياً قبل الإقدام على الخطوة، وأعتقد أن تكلفة تربية طفل في المدن الصناعية الكبرى من بين الأسباب التي تجعل كثير من الشباب يختارون تربية الحيوانات الأليفة بغرض المؤانسة، بدلاً من الارتباط بزوجة وإنجاب أطفال، ما يفرض تحمّل صعوبات في ظل الظروف الاقتصادية غير المؤاتية. وأنا أعلم أن البقاء من دون زواج خيار صعب بالنسبة إلى شاب، لكن ليس في اليد حيلة. بالنسبة لي، لا أستطيع أن أتجاوز رغبتي في أن تكون لدي أسرة أقدم لها كل ما أملك، وأؤمن لأطفالي مستقبلاً مشرقاً، لكنني لا أريد في نفس الوقت أن أدفن نفسي في الوظيفة، ويحصل ذلك على حساب عمري ووقتي مع زوجتي وأبنائي، فما معنى أن أكون أباً لا يملك ترف الاستمتاع بوقته مع أسرته؟".
ويعلّق الباحث الاجتماعي جو يانغ على الظاهرة بالقول لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن ارتفاع تكاليف تربية الأطفال دفع المتزوجين إلى التخطيط لإنجاب طفل واحد فقط، أو ربما عدم الإنجاب، لكن الخيار الأصعب اتخذه الشباب الذين قرروا عدم الزواج والارتباط هروباً من متطلبات المؤسسة الزوجية. أما تربية الحيوانات الأليفة كبديل فمؤشر خطير ينذر بأزمة ديمغرافية حقيقية تهدد تركيبة المجتمع، ما يستدعي تدخل السلطات المعنية وتنفيذها دراسة لقياس توجهات الشباب، والعمل لتذليل العقبات أمام أحلامهم وطموحاتهم قبل فوات الأوان".
يتابع: "ألتقي بشباب اختاروا أن يملكوا حيوانات أليفة بدلاً من أطفال، وحين أسألهم عن سبب هذا التفضيل، يقولون إن تربية الأطفال أمر شاق للغاية، في حين توفر هذه الحيوانات ما يحتاجه جيل الألفية الثانية من أبناء أسر الطفل الواحد، وهو المؤانسة والشعور بأنهم ليسوا وحدهم في هذا الكوكب".
ويلفت إلى أن "نحو 300 مليون شاب في الصين يعانون من الوحدة، كونهم وُلدوا في ظل سياسات تحديد النسل الحكومية في أسرة تتألف غالباً من أب وأم وطفل واحد فقط. ومع ضغوط الحياة وارتفاع تكلفة المعيشة، وجدوا أن الاقتران حتى بشخص بغرض المرافقة أو الزواج تترتب عليه تكاليف باهظة، لذا عزفوا عن الزواج، وقرروا مرافقة الحيوانات".
يتابع: "في اتجاه آخر، قررت شابات عاملات العزوف عن الزواج لمتابعة حياتهن المهنية والاجتماعية بدلاً من الاستقرار، علماً أن المجتمع الصيني المحافظ بات أكثر تسامحاً مع فكرة العزوبية بعدما كان يعتبرها غير مقبولة حتى وقت قريب. وكم من المحزن أن يحدث كل ذلك في القرن الواحد والعشرين".
وتفيد تقديرات محلية بأن تكاليف تربية الأطفال في المناطق الحضرية بالصين أعلى من مثيلاتها في الولايات المتحدة وأوروبا، في حين أن نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الصين أقل من باقي الدول. وبحسب الأمم المتحدة، هناك أكثر من 8 مليارات شخص على وجه الأرض، وعلى مدى عقود من الزمن، كان عدد سكان الصين أكبر من أي دولة أخرى، لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأ عدد سكان الصين البالغ 1.4 مليار نسمة ينمو بالوتيرة الأبطأ منذ عقود، ولم تعد البلاد الأكثر اكتظاظا بالسكان إذ تجاوزتها الهند خلال العام الماضي.
ويعد انخفاض معدلات المواليد من السمات الشائعة في البلدان الصناعية، ويظهر ذلك جلياً في الصين، إذ سجلت البلاد قبل عامين انخفاضاً غير مسبوق في أعداد المواليد الجدد الذي تراجع إلى 7.5 لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين في عام 1949.