فرح عائلة مطير الفلسطينية يتحول إلى فاجعة: مستوطن يدهس الشقيقين محمد ومهند

19 ديسمبر 2022
عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية 2022 حتى اليوم الإثنين، 227 شهيداً (العربي الجديد)
+ الخط -

عاد محمد مطير (37 عاما) وشقيقه مهند (19 عاما) إلى المنزل في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة بعد مهمة تسوق في نابلس شمال الضفة الغربية، أول أمس السبت، لكنهما تأخرا عن أشقائهما الثلاثة خمس عشرة ساعة، ليدخلا شهيدين إلى باحة منزلهما.

قبّلت والدتهما الأول وهي تنظر إلى وجه الآخر، ثم انتقلت إلى الآخر وقبلته، ووضعت يدها على جبينه وأخذت تنظر إلى الأول.

لم يقتصر هذا الأمر على والدته، فقد تكرر من نساء عديدات من قريبات الشهيدين، فهذا هو اللقاء الأخير ويريد الجميع توديعهما، لتنقلب أجواء الفرح التي دقت باب المنزل، مع اقتراب عرس ابنة شقيقتهما، الجمعة المقبل، وخطبة شقيقتهما الأسبوع الذي يليه، أجواء اختلطت فيها مشاعر الحزن والغضب، وأحيانا الحيرة لعدد من قريبات الشهيدين.

الصورة
الشهيدان محمد ومهند مطير (فيسبوك)

أدخل الشبان جثمان أحد الشهيدين ووضعوه على منضدة، ثم الآخر وأبقوه محمولا بأيديهم على مستوى المنضدة نفسها، ليتسنى لجميع قريباتهما توديعهما، وبعد دقائق أخرج الشبان الجثمان الأول نحو مسجد مخيم قلنديا، وبدؤوا بإخراج الجثمان الثاني، فتمسكت إحدى قريباته به فهي لم تودعه بعد، ليعيد الشبان الجثمان إلى الخلف قليلا لأقل من دقيقة، ويكملوا طريقهم.

لم يكن ينتظر هذا البيت كل هذا الحزن، بل كان ينتظر الفرح الجمعة المقبل، بعرس ابنة شقيقة الشهيدين، والأسبوع الذي يليه عرس شقيقتهما، فمهمة تسوق الأشقاء الخمسة ارتبطت بالتحضير لهذه المناسبات السعيدة، لكن مستوطنا إسرائيليا دهسهما بمركبته لم يسمح للفرح بالاكتمال.

يروي الشقيق عبد الله لـ"العربي الجديد" جزءا من الحادث، فكما يقول، خرج الأشقاء الخمسة إلى نابلس لشراء بعض الأغراض لمناسبات الفرح التي تنتظرها العائلة، وصل الأشقاء بمركبتهم إلى ما بعد حاجز زعترة الإسرائيلي العسكري المقام جنوب نابلس الساعة الخامسة والنصف مساء، ليتعطل إطار المركبة، ويتوقف سائق المركبة إلى جانب الطريق، بعد الخط الذي يشير إلى نهاية الشارع.

الصورة
الشهيدان محمد ومهند مطير (العربي الجديد)
أطلق الاحتلال أيدي المستوطنين لحمل السلاح (العربي الجديد)

يقول عبد الله: "وقفنا بعد الخط الأصفر ووضعنا عاكس الإضاءة، وقمنا بتشغيل مصباح التنبيه، وبعد أن أبدلنا الإطار الذي تعطل، رآنا المستوطن من بعيد، فزاد من سرعته، واستهدفنا الخمسة، تمكن ثلاثة منا من الفرار، أما محمد ومهند، فكان أحدهما يحمل الإطار، والآخر يحمل المصباح الصغير ولم يستطيعا الهروب، فصدمهما، ودفعهما إلى الأمام".

أحمد الشقيق الآخر يؤكد لـ"العربي الجديد" أنه مع أشقائه خرجوا إلى نابلس بهدف التنزه أيضا؛ في يوم السبت عطلة الجميع، وفي طريق العودة اختار المستوطن استهداف الخمسة، بطرف مركبته الأيمن لكي لا يتأذى هو، كما قال.

وتابع أحمد: "جاء بسرعة كبيرة جدا، مركبتنا اندفعت إلى الأمام بمقدار 20 مترا، ودفع شقيقي محمد بمقدار 15 مترا تقريبا، تقطعت رجلا محمد، واستشهد على الفور، بينما نقل مهند إلى المستشفى وأعلن لاحقا عن استشهاده".

يجزم أحمد أن ما حصل كان متعمدا من طريقة قدوم المركبة من بعيد بتلك السرعة الكبيرة والانعطاف إلى خارج الطريق، أما عن طريقة تعامل قوات الاحتلال في المكان فوصفها بأنها كانت عنصرية سيئة، فلم تأخذ إفادات الأشقاء ورفضت الاستماع لهم، أو السماح لهم بالوصول إلى منطقة الحاجز العسكري، وكل ما فعلته هو حماية المستوطن وعدم السماح لأحد بالوصول إليه.

تبدل الفرح بالحزن والغضب، ودفن كل من محمد ومهند في مقبرة شهداء مخيم قلنديا، وراحت أحلامهما؛ فلمحمد طفلتان؛ الأولى بعمر خمس سنوات، والثانية تبلغ عامين، كان كما يقول شقيقه عبد الله، يحلم بتأمين حياة كريمة طيبة لهما، لذا كان يتحمل عناء مشقة العمل في السوق الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، بينما كان مهند طالبا جامعيا في جامعة فلسطين التقنية بسنته الأولى، ويدرس الإدارة التقنية، يحلم بإنهاء دراسته والعمل وبناء حياته.

يعقب مدير مكتب محافظة القدس في مخيم قلنديا زكريا فيالة في حديثه مع "العربي الجديد" بالقول: "إن الاحتلال وفي ظل الحكومة المتطرفة القادمة؛ يستعد للكثير من شلالات الدم من الفلسطينيين على يد المستوطنين الذين يتلقون الحماية من قوات الاحتلال، حيث أطلقت أيدي المستوطنين لحمل السلاح، وكأنه إطلاق العنان لهم لارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين".

حادثة استشهاد محمد ومهند واحدة من عشرين عملية مشابهة منذ العام 2015 وحتى الآن، ضحاياها كما رصد "العربي الجديد" عشرون فلسطينيا استشهدوا دهسا على يد مستوطنين؛ ما عدا الشهيد الشيخ سليمان الهذالين أيقونة المقاومة الشعبية في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بعد دهسه بمركبة عسكرية إسرائيلية، في قريته أم الخير شرق يطا في الخليل جنوب الضفة الغربية.

ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام الجاري حتى اليوم الإثنين، إلى 227 شهيداً، بينهم 53 في قطاع غزة، 169 من الضفة الغربية بما فيها القدس، و5 شهداء من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.

المساهمون