يمثّل غياب اللقاحات الأساسية عن محافظَتي غزة وشمال غزة خطراً إضافياً يهدّد حياة الأطفال الفلسطينيين، إلى جانب القصف الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي لم يرحم أطفال غزة الذين قُدّر أخيراً عدد الشهداء من بينهم بعشرة آلاف.
وما زالت الحرب الإسرائيلية التي دخلت شهرها الرابع تلقي بظلالها السلبية على آلاف الأطفال، الذين يصنّفون من ضمن الشرائح الأكثر هشاشة في المجتمع. فإلى جانب نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب واكتظاظ مراكز الإيواء بالنازحين وما يرافق ذلك من أمراض معدية، يعاني الأطفال من مضاعفات صحية وكذلك عدوى مختلفة تسبّب فيها تغييب اللقاحات الأساسية.
وتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعطيل عمل النظام الصحي في محافظتَي غزة وشمال غزة، عبر منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إليهما، وذلك بعد أن استهدفت قواتها غالبية المنشآت الطبية وسيارات الإسعاف هناك.
ولم تكتفِ القوات الإسرائيلية بالشمال، فهي تعمد أخيراً إلى استهداف المنشآت الطبية الواقعة جنوبي القطاع ووسطه، تزامناً مع عملياتها البرية المركّزة هناك.
في المقابل، تحاول منشآت طبية، استهدفها الاحتلال في المناطق الشمالية للقطاع، النهوض مجدداً من تحت الركام، ولعلّ أبرزها مستشفى الشهيد كمال عدوان الحكومي في بلدة بيت لاهيا.
كذلك، أعلنت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، أنّ مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة، الذي يُعَدّ أكبر المنشآت الطبية في قطاع غزة والذي عطّله الاحتلال، استأنف تقديم خدماته جزئياً.
وفي الأوّل من يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلنت وزارة الصحة وصول لقاحات الأطفال الأساسية إلى مراكز الرعاية الأولية في مناطق جنوبي القطاع ووسطها، من دون أن تصل إلى محافظتَي غزة وشمال غزة بسبب المنع الإسرائيلي المفروض عليهما.
أوبئة تنتشر بين أطفال غزة
يشير مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية إلى كثرة الحالات المرضية بين أطفال غزة في الشمال، معيداً ذلك إلى عدم توفّر اللقاحات الأساسية وبالتالي غياب عمليات التحصين اللازمة لحمايتهم.
يضيف أبو صفية لوكالة الأناضول أنّ اكتظاظ مناطق النزوح بالناس يهيّئ الظروف لانتشار سريع للعدوى في صفوف الأطفال، في وقت يعاني فيه المستشفى من شحّ الإمكانيات والمستلزمات والكوادر الطبية.
ويوضح أبو صفية أنّ قسم الأطفال في مستشفى كمال عدوان يستقبل عدداً كبيراً من الأطفال الذين تطلّبت حالاتهم استشفاء، مشيراً إلى أنّ هؤلاء كانوا قد تعافوا ولم يضطروا إلى دخول المستشفى لو أنّهم تلقّوا لقاحاتهم في مواعيدها. ويتابع أنّ "عدم توفّر اللقاحات في المناطق الشمالية من القطاع أدّى إلى ازدحام في هذا القسم، وكذلك في قسم العناية المركّزة".
ويلفت أبو صفية إلى أنّ المستشفى تلقّى وعوداً من أجل تفعيل جدول اللقاحات الأساسية وخطة التحصين في مناطق شمالي غزة، من دون الكشف عن موعد ذلك.
وعن انتشار الأوبئة بين الأطفال، يعيد مدير مستشفى كمال عدوان ذلك إلى اكتظاظ مراكز الإيواء بالنازحين، في ظلّ غياب النظافة. ويتحدّث كذلك عن قلة الطعام الصحي المقدّم للأطفال التي تُعَدّ من العوامل الأساسية لتدهور أوضاع هؤلاء الصحية، إذ تساهم في انتشار عدوى معيّنة وتفاقمها.
بالإضافة إلى ذلك، يشير أبو صفية إلى شحّ المياه النظيفة الآمنة اللازمة لتحضير الحليب الصناعي الخاص بالرضّع أو للشرب بالنسبة إلى من هم أكبر سنّاً، مؤكداً أنّ المياه غير الآمنة تساهم في انتشار الأمراض وتدمير مناعة الجسم.
من جهة أخرى، يحكي أبو صفية عن التحديات التي يواجهها مستشفى الشهيد كمال عدوان الحكومي بعد عودته إلى العمل، لا سيّما النقص في المستلزمات والأجهزة الطبية، وكذلك في الكوادر الطبية، في ظلّ نزوح أعداد كبيرة منها إلى الجنوب.
ويشرح: "عدنا إلى العمل لعدم توفّر أيّ مستشفى آخر يقدّم خدمات لمحافظتَي غزة وشمال غزة"، علماً أنّ مجمع الشفاء الطبي عاد إلى العمل أخيراً بصورة جزئية.
ويشدّد أبو صفية على أهمية "توفير الوقود اللازم لضمان استمرار تقديم الخدمات إلى من يحتاجها"، فيما يطالب الجهات المعنية بضرورة مدّ المستشفى بالمستلزمات الطبية والأدوات الصحية اللازمة.
(الأناضول، العربي الجديد)