استمع إلى الملخص
- زيارات غامضة لأشخاص غير عراقيين لمنازل قديمة ومهجورة، بعضها ليهود عراقيين تم إسقاط الجنسية عنهم، أثارت تساؤلات بين السكان وأصحاب المحال.
- جهود الحكومة العراقية لإنهاء نزاعات الملكية وأزمة الاستيلاء على العقارات، مع دعوة أصحاب العقارات "المغتصبة" لاستعادة حقوقهم، في ظل استبعاد اليهود من إجراءات استعادة الجنسية وتحظر الترويج للصهيونية.
تؤكد مصادر محلية من حي البتاوين القديم وسط العاصمة العراقية بغداد أن الحملة الأمنية التي شهدها الحي خلال الأسابيع الماضية، لملاحقة المطلوبين وتفكيك شبكات تجارة المخدرات والجريمة المنظمة، أعقبها دخول الكثير من (الغرباء) من جنسيات غير عراقية، إلى البتاوين برفقة قوات الأمن ودخلوا إلى منازل قديمة ومهجورة يعود تاريخها إلى بداية القرن الماضي، جزء كبير منها يعود ليهود عراقيين ممن تم اسقاط الجنسية عنهم إثر مغادرتهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة خمسينيات القرن الماضي.
البتاوين.. ملاذ للخارجين على القانون
وأطلقت وزارة الداخلية العراقية، الشهر الماضي، حملة أمنية واسعة في حي البتاوين وسط بغداد، بمشاركة مئات الضباط من أفرادها، تهدف إلى ملاحقة المطلوبين، حيث إن الحي الضارب بالقدم، تحول خلال العقدين الماضيين إلى رقعة تحتوي على الهاربين من الأحكام القضائية ومسكن للعصابات المتاجرة بالمخدرات والأعضاء البشرية، بالإضافة إلى عصابات التسوّل ومنازل الدعارة، ومحال لصناعة المشروبات الكحولية المغشوشة، وممارسات أخرى تعتبرها السلطات العراقية خروجاً على القانون.
واستمرت العملية لأكثر من أسبوعين، بعدها أعلنت الوزارة أنها "نظّفت المنطقة، وألقت القبض على شبكات للدعارة والمخدرات ومخالفين للإقامة وعصابات للاتجار بالبشر ومكاتب طبية ومذاخر غير مجازة"، حيث تمكنت السلطات الأمنية العراقية في اليوم الأول للعملية، من ضبط 207 مخالفين بمواد مختلفة، وأسلحة كبيرة، فيما اعتبرت أن البتاوين "بؤرة وملاذ آمن لمختلف أنواع الجريمة والخطر"، وحتى نهاية العملية أعلنت وزارة الداخلية، أن العدد النهائي تجاوز 300 معتقل بتهم مختلفة.
انتشار أمني في حي البتاوين
كما ألقت الأجهزة الشرطية القبض على مدانين بارتكاب جرائم في محافظات أخرى وفروا إلى هذا الحي كملاذ آمن لهم، كما عثرت قوات الأمن على أسلحة وبنادق غير مرخصة ومكاتب تحويل العملات تديرها أوساط الجريمة المنظمة في الحي، مع إغلاق كازينوهات غير قانونية، وغرف مخصصة للعبة البلاك جاك والروليت، وهي أنشطة محظورة في العراق. وتحدث عدد من سكان المنطقة، رافضين الإشارة لأسمائهم، عن أن الأيام التي أغلقت فيها منافذ ومداخل حي البتاوين، شهدت انتشاراً أمنياً واسعاً وقد جرى مسح شامل للمنطقة في عملية هي الأولى والأكبر من نوعها في الحي منذ عام 2003، وقد أسفرت عن اعتقال مئات من المتهمين بقضايا متفرقة، منهم عراقيون وآخرون عرب وآسيويون من بلدان مختلفة"، موضحين لـ"العربي الجديد"، أن "الأهالي وأصحاب المحال، لاحظوا بعد الحملة دخول أشخاص لا يبدو عليهم أنهم عراقيون، من ملابسهم وأشكالهم، برفقة قوات الأمن ودخلوا منازل مهجورة بالحي، وتفقدوها والتقطوا صورا لها، ثم خرجوا منها، وبعدها تم إغلاقها من قبل الأمن ومنع الدخول لها".
كما قال أحدهم، لـ"العربي الجديد"، وهو يعمل في ورشة لتصليح السيارات، إن "أشخاصا أجانب دخلوا منزلاً قريباً من محل عملي، ويبدو أنهم ليسوا عربا، وكان يحملون أوراقاً لا نعرف ما هي، ولم نجرؤ على الحديث معهم، مع العلم أن المنازل التي دخلوها مهجورة منذ عقود، وكنّا قد سمعنا أنها تعود لأسر يهودية تركتها في الخمسينيات وغادرت العراق إلى الكيان الصهيوني"، مبيناً أن "هؤلاء الأشخاص لم يبقوا في المنازل هذه، فقد خرجوا منها بعد دقائق، ورحلوا، وحدث ذلك خلال وبعد أيام الحملة الأمنية في البتاوين".
وفسر مراقبون، أن الحملة الأمنية في البتاوين ودخول الأجانب إليها جاءت ضمن خطة الحكومة لإنهاء مسألة نزاعات الملكية وأزمة الاستيلاء على العقارات التي شهدها العراق بعد عام 2003 إبان الغزو الأميركي للبلاد، حيث اكتشفت وزارة الداخلية العراقية، عقارات "مغتصبة" فيما دعت أصحابها الأصليين للمراجعة، وذكرت الوزارة في بيان، أنه "بهدف اتخاذ الإجراءات القانونية وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، تدعو الوزارة من اغتصب منه داره أو أحد أملاكه ضمن هذه المنطقة لمراجعة مركز شرطة السعدون مع جلب الأوراق أو الأدلة الثبوتية لكي تعمل الجهات المختصة بالتعاون والتنسيق مع الجهات القضائية على إرجاع حقوقه المسلوبة".
ووضعت الدولة العراقية في خمسينيات القرن الماضي، اليد على أملاك العراقيين اليهود بعد مغادرتهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتبرتها مُصادرة، كما قررت اسقاط الجنسية العراقية عنهم.
المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، العميد مقداد الموسوي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الداخلية غير معنية بأملاك العراقيين التي استولت عليها عصابات وجماعات خارجة عن القانون في منطقة البتاوين، لكننا أعلنا عن فسح المجال أمام من يملك عقارات مغتصبة في حي البتاوين لمراجعة ألأشرطة، لأجل ترويج الملف إلى القضاء"، نافيا وجود أي أشخاص أجانب زاروا البتاوين أثناء عملية تفتيشها وملاحقة المتهمين. واصفا بعض المقاطع المصورة المتداولة في هذا السياق بأنها "قديمة"
وبحسب عضو سابق في مجلس النواب العراقي، فإن أشخاصا من يهود العراق، يدخلون إلى البلاد بجوازات أوروبية، ويتجولون دون أن يعرفهم أحد، وقد يكون من تم رصدهم مؤخرا من هؤلاء في حي البتاوين بعد استعادة الأمن العراقي السيطرة على المنطقة وتأمينها من العصابات والخارجين عن القانون.
وتحدث لـ"العربي الجديد"، بشرط عدم ذكر اسمه، أن "معظم يهود العراق الذين يعيشون في الكيان الإسرائيلي، أو في دول أوروبية أخرى، يملكون جوازات أخرى إلى جانب الجواز الإسرائيلي، وهم يدخلون إلى العراق وإلى المناطق التي تعود أصولهم إليها، ثم يغادرون، دون أي نشاطات أمنية أو سياسية، وهم يدّعون أن لديهم أملاكاً وعقارات في بغداد والبصرة وبابل ومناطق أخرى، لكنهم لا يستطيعون المطالبة بها، لأنهم باتوا بلا حقوق بعد إسقاط الجنسية عنهم".
وبحسب القانون رقم 1 لعام 1950 والقانون رقم 12 لعام 1951، فإن يهودا انتزعت عنهم الجنسية العراقية، وتمت السيطرة على أملاكهم وأموالهم، وفي عام 2006 عُدّل قانون الجنسية العراقية، وينص القانون الجديد على حق استعادة الجنسية للعراقيين الذين فقدوا جنسيتهم نتيجة عوامل سياسية، أو عرقية، أو طائفية، لكن المادة 17/2 من هذا القانون تستبعد اليهود من هذا الإجراء، وما زال القانون العراقي يتضمن عقوبة الإعدام على من يدان بـ"الترويج للصهيونية"، مع حظر الترويج للتطبيع، وفي ذلك تأييد شعبي كبير.