عمال غزة... ملاحقات واعتقالات في الضفة وداخل الخط الأخضر

19 مارس 2024
سمح الاحتلال بعودة بعض العمال إلى غزة (سعيد الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قوات الاحتلال الإسرائيلي شنت حملة اعتقالات في نابلس ضد عمال من غزة بتهمة عدم حمل تصاريح عمل، رغم دخولهم بتصاريح رسمية قبل إلغائها بعد عملية "طوفان الأقصى"، مما أجبر العمال على الاختباء والتنقل بين منازل الأقارب والأصدقاء.
- العمال الغزيون، بما في ذلك مجدي أبو حديد، يعيشون في حالة من القلق والترقب، متنقلين بين منازل الأقارب لتجنب الحواجز الإسرائيلية، محرومين من العودة إلى أسرهم ومعرضين للتعذيب في حال الاعتقال.
- الوضع الإنساني والمعيشي للعمال الغزيين في الضفة الغربية يزداد سوءاً، مع نفاد المال وتحول الحياة اليومية إلى معركة من أجل البقاء، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وإغلاق المعابر، مما يحول دون عودتهم إلى قطاع غزة.

دهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة الماضي، عدداً من المنازل في مدينة نابلس، واعتقلت عمالاً من قطاع غزة كانوا يقيمون فيها بتهمة عدم حمل تصاريح عمل، رغم أنهم دخلوا إلى الضفة الغربية بتصاريح عمل رسمية قبل أن يصدر  الاحتلال قراراً بعد عملية "طوفان الأقصى" بإلغاء جميع التصاريح لعمال غزة الذين كانوا يعملون في مناطق الداخل الفلسطيني والضفة الغربية.
ولم يتمكن الكثير من العمال الغزيين من العودة إلى القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وظلوا عالقين في الضفة الغربية بعد أن أغلق الاحتلال جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، باستثناء معبر كرم أبو سالم المخصص لإدخال بعض الشاحنات التابعة للمنظمات الدولية، وإرجاع بعض عُمال غزة بعد التحقيق معهم، وكذا نقل من المعتقلين أثناء العمليات البرية وعلى الحواجز التي نصبتها في وسط قطاع غزة.
يعيش مجدي أبو حديد (46 سنة) متنقلاً بين منازل أقارب وأصدقاء في مدينة رام الله والقرى المجاورة لها، وقد عبر قبل أيام أحد الحواجز الإسرائيلية، ومن حسن حظه أن الجنود لم يطلبوا أوراقه الثبوتية لأن سائق المركبة التي يستقلها كان معروفاً بالنسبة للجنود، في حين اعتقلت قوات الاحتلال العديد من زملائه الذين حاولوا العودة إلى مسقط رأسه في مدينة خانيونس، لمجرد أنهم من قطاع غزة.
يتواصل أبو حديد مع عدد من زملائه المتفرقين في مدن وقرى الضفة العربية، وجميعهم يعيشون في حالة من القلق، ويحاولون قدر استطاعتهم الابتعاد عن الحواجز الإسرائيلية، ويعيشون كالمساجين، وهم يبقون في الضفة بعد علمهم باعتقال الآلاف من العمال المتواجدين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 (ما يعرف بمناطق الخط الأخضر)، وتعريضهم للتعذيب والتنكيل، فضلاً عن مصادرة كل أغراضهم وأموالهم، وجميعهم على تواصل مع أسرهم الذين باتوا نازحين، وقضى بعض أفراد عائلاتهم شهداء.

ينتظر أكثر من 5 آلاف عامل في الضفة والداخل العودة إلى قطاع غزة

يقول أبو حديد لـ"العربي الجديد": "نعيش حياة مليئة بالرعب، فنحن ملاحقون بشكلٍ متواصل لأننا نحمل هوية فلسطينية مسجلا عليها أننا من قطاع غزة، وهذه جريمة في نظر جيش الاحتلال لأن الضفة الغربية لها وضع مختلف من النواحي الأمنية، وتنتشر فيها الحواجز، وتتكرر الملاحقات في كل مكان، لذا أعيش في حالة نفسية صعبة، ولا يمكنني التفكير بالمستقبل، وأتوقع الاعتقال في أي وقت". يضيف: "جميعنا أطلعنا أسرنا على أرقام طوارئ لأقارب وأصدقاء مقربين لأننا نتوقع السوء في أي وقت، وكوننا من قطاع غزة، يعني أنه يمكن اعتقالنا وعدم إبلاغ أسرنا، أو انتظار الكثير من الوقت حتى يُعلموه بمصيرنا. دمر الاحتلال منزلي في منطقة البلد بمدينة خانيونس، ولدي أسرة مكونة من ستة أفراد، وهم الآن من بين النازحين في مدينة رفح، وزوجتي هي من ترعى الأسرة، وتحاول الحصول على المساعدات وتأمين الاحتياجات".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، تمت إعادة قرابة 956 من عمال قطاع غزة من أصل 6200 عامل غزي عالقين في الضفة الغربية، وكان هؤلاء يقيمون في مراكز إيواء بمحافظات رام الله والخليل وبيت لحم وسلفيت وطولكرم وجنين، وفي ضواحي القدس وقلقيلية وطوباس ومدينة أريحا، وتم نقلهم إلى معبر كرم أبو سالم بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي لإعادتهم إلى غزة، في حين ظل البقية ينتظرون التنسيق الأمني لإعادتهم.
وبقي أكثر من 5 آلاف عامل في الضفة والداخل ينتظرون أن تنتهي الحرب حتى يعودوا إلى قطاع غزة، من بينهم نايف اللوح (50 سنة)، والذي لا يستطيع العمل، ولا يمكنه تدبير حاجته من المأكل والمشرب والملبس لأن الأموال التي كان يملكها نفدت، وهو ينتظر العودة إلى غزة منذ أكثر من خمسة أشهر، ويتخوف من الاعتقال، ويتنقل بين عدة أماكن في مدينة الخليل.

لم يتمكن آلاف من العمال من العودة إلى غزة (سعيد الخطيب/فرانس برس)
لم يتمكن آلاف من العمال من العودة إلى غزة (سعيد الخطيب/فرانس برس)

يقول اللوح لـ"العربي الجديد": "استشهد ما يقارب 30 فرداً من أبناء عمي وأبناء خالي، وكذلك العديد من أصدقائي وسكان الحي الذي أعيش فيه بمنطقة بئر النعجة شمالي قطاع غزة، وكثيرون آخرون مفقودون، وأنا معرض للصدمات في أي وقت، ولا أستطيع العمل، وأحاول التخفي وعدم الاختلاط مع أحد حتى لا تصل إليهم أخبار بوجود عامل غزي هنا". يضيف: "أخرج نهاراً في نطاق محدود حتى أتنفس، وتوجهت لعدد من قوى الشرطة هنا حتى يسجلوا بياناتي، فأنا أريد العودة عند انتهاء الحرب، وقد وعدوني ببذل قصارى جهدهم لحمايتي، فكثيرون ممن كانوا معنا اعتقلوا، وبعضهم أعادوهم إلى القطاع بعد تعذيب شديد وإهانة، وآخرون أعادوهم عبر التنسيق مع الصليب الأحمر، وأنا أنتظر مثل المعلق في الهواء، ولا أريد أن يتم اعتقالي، وأخشى تعذيبي أو إهانتي".
وقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصل عدد عمال غزة الذين يحملون تصاريح العمل في الداخل الفلسطيني المحتل وبعض المناطق القريبة من مدن الضفة الغربية إلى 18 ألفا و500 عامل من مختلف الأعمار، وصولاً إلى عمر 60 سنة، كما تشير بيانات الغرفة التجارية الفلسطينية، وكان الكثير منهم يتعرضون للتمييز من جيش الاحتلال، ويتم منح بعضهم تصاريح احتياجات اقتصادية، وليس تصاريح عمل حتى لا يكون لديهم حقوق عمالية.

لم يسمح للكثير من عمال غزة بالعودة وجرى اعتقال المئات منهم

واعتقلت قوات الاحتلال المئات من مختلف مناطق الداخل الفلسطينية، وكذلك من مدن الضفة الغربية، وعلى الحواجز، وقدر عدد المعتقلين بأكثر من 7 آلاف عامل تعرض غالبيتهم للتعذيب والإهانة، وتمت مصادرة أموالهم، وما يحملون من أوراق ثبوتية، ومتعلقاتهم مثل الهواتف، وأطلق سراح بعضهم عبر معبر كرم أبو سالم في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتشير هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية إلى أن الاحتلال اعتقل ما لا يقل عن ألفين من عمال مدينة غزة المتواجدين في الضفة الغربية، وأعاد قرابة 200 منهم إلى القطاع بعد تعريضهم للتعذيب، وانتزع اعترافات منهم تحت التهديد، في حين يظل العدد الأكبر منهم في السجون من دون السماح لأحد بزيارتهم.
وحسب بيان لنادي الأسير الفلسطيني في 16 مارس/أذار الماضي، فإن حصيلة معتقلي الضفة الغربية ارتفعت إلى 7605 منذ السابع من أكتوبر، وكان من بينهم أسرى محررون سابقون، والكثير من عمال قطاع غزة، وتشير البيانات إلى أنه في الأشهر الأخيرة، لا تكاد تجرى حملة اعتقال إلا ويكون ضمن معتقليها عمال من غزة يقيمون مؤقتاً في الضفة الغربية بسبب عدم تمكنهم من العودة منذ بدء العدوان الإسرائيلي الذي يدخل الشهر السادس على التوالي.

تعيش حسنة أبو عويني (40 سنة) ظروفاً صعبة للغاية منذ تدمير منزلها في مخيم البريج بوسط قطاع غزة، وهي تقوم بتدبير احتياجات أسرتها المكونة من أربعة أبناء، من بينهم فتاة مراهقة والبقية أطفال صغار، وتزداد الصعوبات مع حياة النزوح التي تعيشها منذ فقدت الاتصال بزوجها في بداية شهر مارس الحالي، والذي علمت لاحقاً أنه جرى اعتقاله من محيط مدينة جنين رفقة عدد من عمال قطاع غزة.
كانت أبو عويني تنتظر عودة زوجها الذي حاول مرات عدة العودة إلى قطاع غزة للاهتمام بأسرته في ظل الصعوبات التي تواجهها، خصوصاً منذ استشهاد شقيق زوجها وأطفاله في الرابع من يناير/كانون الثاني الماضي. تقول: "لم يكن زوجي يستطيع التحرك من مكانه خوفاً من اعتقاله على أحد الحواجز الإسرائيلية، وتم اعتقاله فقط لأنه من مدينة غزة، فقد أصبحت تهمة أن تكون من غزة في الضفة الغربية، وسبق اعتقال عدد من أفراد العائلة، لذا كان حذراً جداً في التنقل كما أخبرني قبل اعتقاله بأيام، وعندما تم اعتقاله، كان يحاول مع عدد من زملائه شراء الطعام، وكانوا ثلاثة يقيمون في غرفة واحدة عند عائلة استضافتهم كما أخبرني". تضيف لـ"العربي الجديد": "نعيش في معاناة شديدة، وأفتقد وجود زوجي في هذه الظروف على مدار أكثر من خمسة أشهر. أتعرض لإذلال كبير من أجل الحصول على لقمة العيش، ونزحت عدة مرات مع أطفالي، وكل تفكيري ينصب على النجاة من الموت تحت ركام الحرب أو من الجوع، وأخشى على صحة زوجي الذي كان يعيش ضغطاً نفسياً كبيراً قبل اعتقاله، وكان يعاني من صعوبات في التنفس، وأخشى أن يصيبه مكروه لأنني وأطفالي ليس لنا أحد سواه".

المساهمون