عائلة الدواوسة...27 شهيداً تحت الركام

17 يوليو 2024
الأم المفجوعة سعاد الدواوسة (العربي الجديد)
+ الخط -

في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، دمّر قصف إسرائيلي منزل عائلة الدواوسة في دير البلح، وبقيت جثامين 27 من أفراد العائلة تحت الركام.

لا تزال الستينية الفلسطينية سعاد الدواوسة تحت تأثير الصدمة التي أصابتها بعد قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية مبنى منزل عائلتها المؤلف من خمسة طوابق في مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة قبل تسعة أشهر. قتِل زوجها وخمسة من أنجالها مع أبنائهم في مجزرة دامية راح ضحيتها 27 شهيداً. 
منذ ذلك الحين تغلبت مرارة الفقد والفراق على آلام الإصابة التي تعرضت لها سعاد إثر قصف منزل عائلتها في غزة، وتضاعفت آلامها بعدما نزحت مرات على كرسيها المتحرك إلى عدة مناطق في وسط غزة وجنوبه كان آخرها في مدينة دير البلح، في ظل أوضاع معيشية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الطبيعية.
تقول الأم المفجوعة بالمأساة الجماعية لعائلتها لـ"العربي الجديد": "بدأت حكاية الألم في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حين قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلنا، وحولته إلى ركام فوق رؤوس سُكانه، ومعظمهم من الأطفال والنساء والمدنيين العزل. كانوا جميعاً يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويتناول بعضهم الفطور وتصنع النساء الخبز لإطعام الأبناء، حين قصف المنزل فجأة وحصل ما حصل".
لم تستطع سعاد مواصلة الحديث، إذ تذكرت تفاصيل المجزرة الإسرائيلية بحق أولادها وأحفادها، وتحوّل شقق منزل عائلتها الثماني إلى ركام، فأكمل ابنها إبراهيم الذي نجا من القصف، برفقة أفراد أسرته، سرد تفاصيل الواقعة التي نجا منها بأعجوبة بعدما تعرّض لإصابة بالغة في عموده الفقري، والتي لا يزال يعاني منها حتى اللحظة.

ويلفت إبراهيم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن عائلته تجمّعت، بعدما اشتد القصف، في شقته التي تقع في الطابق الأرضي للمبنى خلال الليلة التي سبقت المجزرة، "فهم اضطروا إلى النزول من الطوابق العليا خوفاً من تطاير الشظايا الناجمة عن الانفجارات المتتالية في منطقتهم التي شهدت العديد من مجازر الأحزمة النارية التي دمّرت البيوت والمباني السكنية فوق رؤوس قاطنيها".
يقول: "في اليوم الذي شهد القصف، استيقظ أفراد العائلة عند الساعة السادسة والنصف صباحاً، وعاد كل شقيق إلى بيته في الطوابق العلوية وبقيت وزوجتي وأبنائي الثلاثة في الطابق الأرضي، وبعد نصف ساعة قُصف المنزل وتحوّل إلى ركام، وقد نجوت بأعجوبة أنا وأبنائي وزوجتي بعد لحظات عصيبة قضيناها بين الركام والضباب والغبار الذي حال بيني وبين رؤية أطفالي حتى استطعت إخراجهم عبر ثغرة من المطبخ، ونقلتهم إلى بيت الجيران".

الصورة
مع ابنها إبراهيم في خيمة النزوح (العربي الجديد)
مع ابنها إبراهيم في خيمة النزوح (العربي الجديد)

يتابع: "شهدت اللحظات الأولى للقصف نجاة ثلاثة من أشقائي هم رائد وزوجته وأكرم وزوجته وابنه، وأيضاً جابر الذي أخرج مع زوجته بعد ساعة من تحت الركام. وحين ذهب شقيقي رائد وأكرم إلى بيت الجيران بعدما أصيبوا بجروح متفاوتة حضرت الصحافة وطواقم الدفاع المدني، ثم استهدفت الطائرات الحربية بيت الجيران فالتحق شقيقي بباقي أفراد العائلة، واستشهد عدد من عناصر الدفاع المدني وصحافيين".
ولم تستطع آليات الدفاع المدني إزالة الركام، خاصة بعدما تعطّل الباجر (الحفار/الجرافة) الرئيسي، وقطع خرطوم الزيت فيها، ما دفعه بالتعاون مع بعض الأقارب والجيران، إلى محاولة إزالة الركام لانتشال جثامين الشهداء بإمكانات متواضعة، لكن ضخامة الكتل الإسمنتية وعدم توفر المعدات اللازمة لم يسمحا لهم بإنجاز المهمة. 

يضيف إبراهيم أنه "مع بدء سريان الهدنة الوحيدة (نوفمبر الماضي) توجهت إلى مستشفى كمال عدوان ثم إلى مستشفى ناصر في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة حيث جرى تحويل شقيقي جابر وابنته لتلقي العلاج فيها. ورافقته لمدة شهر داخل المستشفى، وبعدما تماثل للشفاء نزحت إلى مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، فيما انتقلت مع زوجتي وأبنائي إلى المنطقة الشرقية لمدينة دير البلح ثم إلى منطقة المشاعلة غربي المدينة".
ويلفت الرجل الذي كان يعمل في مجال البناء، أنه خسر، إلى جانب معظم أفراد عائلته، عمله ومصدر دخله الوحيد، وبقي مع شقيقه ووالدته ومن تبقى من أبناء إخوته من دون أي مصدر دخل يسمح بهم توفير متطلباتهم اليومية، خاصة في ظل قساوة حياة النزوح التي تنعدم فيها مقومات الحياة، وتشتد قساوة يوماً بعد آخر. 
ومثل غيرها من الأسر الفلسطينية النازحة من محافظتي غزة والشمال، تنتظر عائلة الدواوسة على أحرّ من الجمر نبأ نجاح جهود التوصل إلى صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وعودة النازحين، ليس بسبب الشوق إلى البيت وركامه وذكرياته وتفاصيله فقط، بل لانتشال جثامين الشهداء، ودفنهم لحفظ كرامتهم الإنسانية التي أهدرتها الحرب.

المساهمون