طبيبان وممرّضة أميركيون: عشنا أهوال الحرب على غزة

27 يونيو 2024
طبيبان وممرّضة أميركيون ينقلون ما عاينوه في غزة، 14 يونيو 2024 (درو أنغرر/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ثلاثة من الكوادر الطبية الأميركية شهدوا معاناة شديدة في مستشفيات غزة بسبب نقص حاد في المعدات الطبية، مما دفعهم للسعي لتسليط الضوء على الأزمة الصحية.
- الفريق الطبي واجه قرارات صعبة مثل التوقف عن معالجة طفل بحروق خطيرة بسبب نقص الضمادات، مع تأكيد الطبيب آدم حموي على ضرورة توفير المساعدات الإنسانية.
- الممرضة مونيكا جونستون والطبيب عمّار غانم شاركا تجاربهما المؤثرة، مؤكدين على الحاجة الماسة للتدخل الدولي والضغط لإنهاء الحرب وفتح الحدود لإدخال المساعدات.

شهد طبيبان وممرّضة أميركيون أهوال الحرب على غزة في المستشفيات المعدودة التي ما زالت في الخدمة بالقطاع المحاصر، علماً أنّهم كانوا قد ابتُعثوا في مهمّات قرّروا إثرها تسليط الضوء على الأزمة الصحية في محاولة للضغط على بلادهم، الولايات المتحدة الأميركية، حليفة إسرائيل الأبرز عسكرياً ودبلوماسياً.

ويروي هؤلاء كيف يضطرّ العاملون الصحيون والأطباء في قطاع غزة، في بعض الأحيان، إلى التوقّف عن علاج مرضى أو جرحى، فيموتون بسبب نقص في معدّات بسيطة مثل القفّازات أو الأقنعة الواقية أو الصابون. ويتحدّثون عن قرارات مؤلمة اتُّخذت أحياناً، من قبيل التوقّف عن معالجة صبيّ في السابعة من عمره مصاب بحروق خطرة بسبب نقص الضمّادات، ولأنّه سوف يموت في كلّ الأحوال.

الصورة
الطبيب الجراح الأميركي آدم حموي في مستشفى غزة الأوروبي - 17 مايو 2024 (أنس زياد فتيحة/ الأناضول)
الطبيب الأميركي آدم حموي في مستشفى غزة الأوروبي بمدينة خانيونس، 17 مايو 2024 (أنس زياد فتيحة/ الأناضول)

في السنوات الثلاثين الأخيرة، قصد الطبيب الأميركي آدم حموي عدداً من البلدان التي مزّقتها حروب أو ضربتها كوارث طبيعية، فشهد مثلا ما خلّفه حصار ساراييفو (1992-1996) أو زلزال هايتي (2010). وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، يخبر الجرّاح إثر عودته من مهمّة في مستشفى غزة الأوروبي بمدينة خانيونس (جنوب) الشهر الماضي: "لم أرَ قطّ هذا العدد من الضحايا المدنيّين. مرضانا بغالبيتهم كانوا أطفالاً دون الرابعة عشرة من العمر". يُذكر أنّ حموي كان جرّاحاً عسكرياً في صفوف الجيش الأميركي، قبل أن يتقاعد ويصبح واحداً من أبرز جرّاحي الترميم في الولايات المتحدة الأميركية.

يضيف حموي، البالغ من العمر 54 عاماً، من ولاية نيو جيرسي الأميركية، أنّه "بغضّ النظر عن إقرار وقف لإطلاق النار، لا بدّ من توفّر المساعدة الإنسانية وبكمّيات كافية للاستجابة للطلب". ويشير إلى أنّه "في إمكانكم التبرّع بالكثير، غير أنّ ذلك لن يجدي نفعاً ما دامت الحدود لم تُفتَح لإدخال المساعدات". ويقرّ حموي بأنّه صار، كما كثيرين من زملائه، على قناعة بضرورة الضغط من أجل إنهاء الحرب وإلزام إسرائيل بالامتثال للقانون الدولي من خلال السماح بإيصال مزيد من المساعدات إلى القطاع المحاصر.

يُذكر أنّ إسرائيل تنكر حتى الموثَّق من أهوال الحرب على غزة، وترفض الاتهامات التي يوجّهها إليها المجتمع الدولي في هذا الخصوص، منذ بداية الحرب التي شنّتها على الفلسطينيين في قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

الصورة
الممرضة الأميركية مونيكا جونستون والطبيب الأميركي عمار غانم كانا في مهمة في غزة - 14 يونيو 2024 (درو أنغرر/ فرانس برس)
الممرضة مونيكا جونستون والطبيب عمار غانم يحكيان عن مهمّتهما في غزة، 14 يونيو 2024 (درو أنغرر/ فرانس برس)

بدورها، التحقت الممرّضة الأميركية مونيكا جونستون، المتخصّصة في مجال العناية المكثّفة، بمهمّة إنسانية في قطاع غزة. هي من بورتلاند في ولاية أوريغون الأميركية، وقد قدّمت قوائم بالمعدّات التي تشتدّ الحاجة إليها في غزة إلى كوادر في البيت الأبيض ونوّاب.

ولا تخفي الممرّضة البالغة من العمر 44 عاماً أنّ مهمّتها في قطاع غزة كانت المهمّة الإنسانية الأولى التي تقوم بها. تقول جونستون: "أنا لا أتابع الأخبار ولا أشارك في أيّ نشاط سياسي"، لكنّها تلقّت في خريف عام 2023 رسالة إلكترونية من جمعية في حاجة إلى مساعدة، فشعرت بأنّه يتوجّب عليها "تقديم يد العون".

وقد توجّهت إلى قطاع غزة من ضمن فريق يتألّف من 19 شخصاً بإدارة الجمعية الطبية الفلسطينية الأميركية، ويحمل معه معدّات لم تكفِ، رغم كثرتها، لمواجهة التحديات الميدانية الهائلة من نقص في الطواقم وشحّ في الأدوية ومنتجات النظافة الصحية الأساسية. ويرتجف صوت جونستون وهي تستذكر صبيّاً صغيراً توقّفوا عن معالجة حروقه من أجل إفساح المجال أمام علاج مرضى آخرين حظوظهم في الصمود أعلى. وتتابع الممرّضة الأميركية أنّه "بعد يومَين، راحت الديدان تنخر جراح الصبي، فتملّكني الذنب"، مشيرةً إلى أنّ الطفل دُفن مع ضمّاداته بعدما صار جسده موبوءاً بالكامل.

في أحيان كثيرة، وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، كانت عائلات بكامل أفرادها تصل إلى المستشفى بعد توقّف القصف، بحسب ما يخبر طبيب الطوارئ الأميركي عمّار غانم من ميشيغن، والبالغ من العمر 54 عاماً. ويشير إلى أنّ فتى في الثانية عشرة من عمره فُقد لأيّام عدّة، بعدما كان يتردّد على المستشفى لتقديم العون، مثيراً إعجاب الطاقم الصحي. وعند عودته، علم غانم أنّ ثلاثين فرداً من أفراد عائلته قضوا في قصف إسرائيلي، وقد توجّبت عليه المساعدة في البحث عن جثثهم بين الأنقاض.

وقد أثار إطلاق العملية البرية في رفح عند حدود قطاع غزة الجنوبية مع مصر، في مطلع مايو/ أيار الماضي، الذعر في نفوس الطواقم الصحية في مستشفى غزة الأوروبي التي ما زالت مطبوعة بذكريات أليمة للعملية العسكرية الإسرائيلية المدمّرة في شمال غزة. ولا يخفي الطبيبان والممرّضة الأميركيون أنّهم يشعرون، منذ عودتهم من قطاع غزة، بشيء من الذنب تجاه المرضى والجرحى والزملاء العالقين في ما يوصف بـ"جحيم غزة". ويردف حموي: "أرتاح بعض الشيء عندما أخبر عمّا عاينته. فهذا بالقدر عينه من الأهميّة مقارنة بما قمنا به هناك".

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون