في كل صيف، تسجل مصالح الحماية المدنية في الجزائر عشرات حالات الغرق وحوادث مميتة أخرى في مواقع عدة بالشواطئ الصخرية التي تمنع السباحة فيها، كونها تعتبر خطرة على سلامة المصطافين، وتتضمن مسارات صعبة. وتكرر السلطات تنفيذ حملات توعية ميدانية وإعلامية للتحذير من مخاطر السباحة في تلك المناطق، لكنها لا تحقق هدف إنهاء أو تقليص الحوادث المميتة.
وتعكس زيادة أعداد الحوادث تهوّر بعض الشبان في استعراض قوتهم ومهاراتهم في تلك الأماكن التي يتجنبها عامة الناس، وإصرارهم على إظهار ثقتهم الزائدة بأنفسهم ما يؤدي في بعض الحالات إلى نهايات حزينة، سواء بالموت أو التعرّض لإصابات خطرة أو عاهات دائمة.
وفي مطلع أغسطس/ آب الجاري، انتشلت مصالح الحماية المدنية جثة غريق في الـ43 من العمر عند شاطئ صخري بمنطقة "دلس" قرب العاصمة الجزائرية، وشاب آخر غرق بعدما أصيب في رأسه لدى محاولته القفز من صخرة في منطقة "شرشال" غربي العاصمة.
في محافظة تيبازة، كشف المتحدث باسم جهاز الحماية المدنية، محمد ميشاليخ، في حديثه "العربي الجديد"، تسجيل أكثر من 140 حالة وفاة وغرق في شواطئ صخرية تُمنع السباحة فيها. ووصف هذا الرقم بأنه مقلق في وقت تكثف مصالح الدفاع المدني حملات التحذير والتوعية، وتتخذ إجراءات رادعة أحياناً بالتنسيق مع مصالح الدرك الوطني والبلديات، تشمل إغلاق الممرات الموصلة إلى هذه الشواطئ في محاولة لمنع وصول الأشخاص إليها، وبالتالي تقليص حالات الغرق.
ورغم الحوادث المتكررة، تعتبر الشواطئ الصخرية وجهة مفضلة لدى كثير من الشبان خلال موسم الاصطياف لاستعراض مهاراتهم في الغطس وإبراز تفوقهم على رفاقهم، ما يمنحهم الشعور بالتميز والمتعة والإثارة.
على كورنيش منطقة "شنوة" بمحافظة تيبازة غرب العاصمة، يتجمع عدد من الشبان فوق الصخور، ويصطفون للقفز إلى مياه البحر من ارتفاع قد يزيد عن 30 متراً، ويطلقون صيحات التحدي. ويقول أحدهم ويدعى سمير بوحفص لـ"العربي الجديد": "أنا معتاد على التوجه إلى هذا الشاطئ الذي أشعر فيه بمتعة لا أجدها في الشواطئ العادية، خاصة حين يرافقني أبناء من الحي الذي أقيم فيه".
بدوره، يقول حليم بو سماحة لـ"العربي الجديد": "أعشق الشواطئ الصخرية رغم أنني أعرف أنها قد تتسبب في إصابات خطرة، لكنني أجيد السباحة وأحب أن أغطس من ارتفاعات عالية". أما سليم محاجبي فيخبر "العربي الجديد" أن ارتياد الشواطئ الصخرية يجنبه مشاكل تشهدها الشواطئ الرملية العادية بسبب المناوشات بين روادها.
وفيما توضح السلطات أنها تمنع ممارسة القفز في شواطئ صخرية بسبب عدم وجود مراكز حراسة ومراقبة، وصعوبة وضع وحدات للتدخل والإنقاذ في الخدمة، وأيضاً بسبب ارتفاع الصخور في بعض الشواطئ وعمق المياه، يؤكد شبان لـ"العربي الجديد" أنهم لا يأبهون للمخاطر "فمتعة القفز من الصخور ووسط الأمواج والإثارة التي ترافقها تجعلانا نرفع التحدي، كما أننا نتمتع بزرقة مياه البحر النظيفة التي لا نشاهدها في مياه شواطئ تشهد إقبالاً كبيراً، وتقل فيها النظافة وتعتبر مياهها ملوّثة جداً".
ويقول علي عيط من محافظة المدية لـ"العربي الجديد": أتوجه برفقة أصدقائي إلى شواطئ بمحافظة تيبازة وشلف وجيجل وبجاية لممارسة هواية القفز، ونشر لقطات مصوّرة في مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم المخاطر، نكرر التحدي مرات ومرات". واللافت أن الشواطئ الصخرية لم تعد وجهة مفضلة للشبان المغامرين والأصدقاء فقط، إذ تحوّلت إلى وجهة مميزة لعائلات وجدت فيها خصائص فريدة تفتقر إليها الشواطئ الرملية العادية التي تشهد فوضى كبيرة، ومناوشات بين الناس، وتنعدم فيها النظافة واللباس المحافظ. والعائلات المحافظة تحديداً حريصة على تجنب هذه المظاهر.
يقول رفيق بن فرفود لـ"العربي الجديد": "أصبحت الشواطئ العادية محرمة على العائلات المحافظة والملتزمة بسبب عدم احترام المصطافين بعضهم بعضاً، وانتشار العري (على حد تعبيره)، وحصول مناوشات أحياناً بسبب تصرفات شباب وأصحاب دراجات بحرية وأحصنة. وهكذا لا يمكن أن يرتاح شخص مع أفراد عائلته فيها، ويغيّر وجهته إلى الشواطئ الصخرية التي يقل الإقبال عليها، وتوفر متعة كبيرة".
ويتحدث رابح بن صافية من محافظة البليدة، لـ"العربي الجديد"، عن أن زوجته ووالدته لا تفضلان السباحة، وتحبان الاستمتاع بزرقة البحر ونسماته، ما ساعده في تغيير الوجهة إلى الشواطئ الصخرية. ويقول: "أمارس هواية القفز منذ أن كنت شاباً، لكنني أتجنب المخاطرة وأكتفي بمحاولة إضفاء نوع من البهجة على جو عائلتي".