استمع إلى الملخص
- **حصيلة الضحايا**: أعلن وزير الصحة اللبناني أن الغارة الإسرائيلية خلفت 37 شهيداً و68 جريحاً، مع إجراء 2078 عملية جراحية، واعتبر الاعتداءات جريمة حرب موصوفة.
- **ردود فعل السكان**: تباينت ردود فعل السكان بين من غادر المنطقة خوفاً ومن بقي متمسكاً بمكان سكنه، مؤكدين على صمودهم رغم الاعتداءات.
أسبوع ثقيل عايشه اللبنانيون وسط مآس متنقلة بدأت مع تفجيرات "البيجر" والأجهزة اللاسلكية في أكثر من منطقة، يومي الثلاثاء والأربعاء، وصولاً إلى اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله إبراهيم عقيل وقادة آخرين، يوم الجمعة، في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
خلفت تلك الجرائم المتلاحقة عشرات الضحايا وآلاف الجرحى، وتركت عائلات لبنانية ثكلى تذرف الدموع على أحبّة أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم يقطنون في مناطق الاستهداف، وأحدثها في "حي القائم" بالضاحية الجنوبية لبيروت، إذ استهدفت غارة إسرائيلية مبنى سكنيّاً مؤلفاً من عشر طبقات.
وكشف وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، في مؤتمر صحافي، ظهر السبت، أن الغارة الإسرائيلية خلفت 37 شهيداً، من بينهم ثلاثة أطفال أعمارهم أربع وست وعشر سنوات، إضافة لسبع نساء، وأن من بين الشهداء ثلاثة سوريين. وقال: "نتوقع ارتفاع حصيلة الضحايا مع استمرار عمليات رفع الأنقاض، كون الغارة استهدفت مبنى سكنيّاً سقط بأكمله فوق رؤوس قاطنيه. أما بخصوص الجرحى، فقد بلغ العدد 68 جريحاً نُقلوا إلى 12 مستشفى، من بينهم 15 ما زالوا في المستشفيات، واثنان منهم في حالة حرجة".
خلفت الجرائم الإسرائيلية المتلاحقة عشرات الضحايا وآلاف الجرحى في لبنان
وأكد الأبيض أن "الاعتداءات الثلاثة الأخيرة تُعتبر جريمة حرب موصوفة، أما تفجيرات الأجهزة فهي اعتداء غير مسبوق، وقد بلغ عدد الشهداء في تفجيرات البيجر 12 شهيداً، في حين ارتفع عدد شهداء أجهزة اللاسلكي إلى 27، ومع إضافة شهداء الغارة المعادية، يصبح المجموع 70 شهيداً. أما عدد الجرحى الذين لا يزالون في المستشفيات من جراء تفجيرات البيجر والووكي توكي فيبلغ 777 جريحاً في غرف عادية يتابعون علاجهم، و152 جريحاً في العناية المركزة. أجرينا 2078 عملية جراحية، وستكون هناك عيادات متخصصة لمتابعة الجرحى، وفرق نقالة تقصد منازلهم لتفقدهم لترك المجال في المستشفيات للإصابات المحتملة بحال توسعت الاعتداءات".
وخلفت الغارة الإسرائيلية حالة من الخوف والهلع بين أهالي الضاحية الجنوبية، ولا سيّما القريبين من محيط الغارة، وتباينت المواقف بين من سارع إلى مغادرة الضاحية، ومن بدا غير مكترث لآلة القتل والإجرام، وفضّل ملازمة منطقة سكنه وعمله.
نجا الأربعيني حسين حسان من الموت في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب 2020، وأصيب حينها في بطنه وبصدمة نفسية. يعمل حسان في مكتب لتخليص المعاملات بالمرفأ، ويقول لـ"العربي الجديد": "نجوت من الغارة لأني كنت على دراجتي النارية أقلّ طفلي البالغ من العمر ثلاث سنوات من الحضانة في منطقة عين الرمانة إلى منزلنا في الضاحية الجنوبية. كل يوم أقطع هذا الشارع وألقي التحية على أصحابي في المقاهي، وأشعر بأن شيئاً ينقصني إن لم أمر به، فهو شريان حياة بالنسبة لي".
يضيف: "نجونا فعليّاً من الموت، فقد وقع الانفجار بعد دقائق من مروري بالشارع، وكان خلفي على بعد نحو ستة مبانٍ فقط. سمعتُ صوتاً قويّاً وعميقاً، وبدأ ابني بالصراخ وبدت عليه آثار الصدمة، وترددت شائعات حول أن إسرائيل قصفت مطار بيروت، فاستدرتُ محاولاً العودة لاستطلاع ما حدث وتفقد الأصحاب والأحباب، لكنّني تراجعت كون ابني برفقتي ولا يمكن المخاطرة بسلامته. سارعت لإيصال طفلي إلى المنزل ليبقى مع والدته وشقيقته البالغة من العمر سبع سنوات، ثم عدت إلى مكان الغارة، وكنت من أوائل الواصلين، وانكشفت أمامي مشاهد مأساوية، وكان الأهالي في حالة صدمة، وسمعت أحدهم يصرخ مستغيثاً للعثور على أولاده الثلاثة المفقودين".
ولد حسين في بلدة معركة، قضاء صور، جنوباً، وهو مقيم بالضاحية منذ عام 1998، وقد عايش حرب يوليو/ تموز 2006، لكنه يرى أن غارة الجمعة مختلفة، كونها استهدفت مكاناً مكتظاً بالسكان، ومنطقة حيوية مفعمة بالحياة، ما شكل صدمة نفسية كبيرة للأهالي. يقول: "المنطقة تضم مسجد القائم، ونحو مائة محل تجاري، والعديد من المقاهي والمطاعم، ومحال ألعاب الإنترنت الخاصة بالشباب، إلى جانب مدرسة ومبنى لشركة كهرباء لبنان. تعرض المارة لإصابات طفيفة، لكن الضرر الأكبر لحق بسكان المبنى المستهدف".
يتابع: "كان لافتاً ما لمسته من معنويات مرتفعة صباح السبت، إذ صادفت رجلاً تضرر بيته بالكامل، ولم يتبق منه سوى غرفة الجلوس، وكان يقول: لن أغادر منزلي، فهنا أرضنا، لكنني سمعت أنها ستمطر، فقررت وضع النايلون كي نتفادى مياه الأمطار. معظم الأهالي غير مبالين بالموت، ويكررون: إلى أين سنذهب؟ وهم يواصلون حياتهم، ويشترون المواد الغذائية وبقية حاجاتهم الاستهلاكية، حتى أنهم فتحوا المحال التجارية، ورفع بعضهم لافتات كُتب عليها (لا يخيفنا الموت)، و(لن تنالوا منا). إنه شعب ضرب الموت بالموت. ومن نزحوا عن منازلهم كان نزوحهم داخل الضاحية الجنوبية، وعلى بُعد أمتار من مكان الغارة، والبعض غادروا الضاحية بشكل فردي، في حين بقي أهلهم فيها".
بدورها، تقول رانيا سبيتي، القاطنة في الضاحية الجنوبية: "سمعت صوتاً قويّاً، وكان الارتجاج كبيراً، وعرفنا لاحقاً أنه استهداف، لكننا صامدون في منازلنا رغم الآلام والأوجاع، وسنحافظ على عزيمتنا وقوتنا، فمن كُتب له العمر لن يقتله أي شيء، وأرواحنا ليست أغلى من أرواح الشهداء، والقضية ليست حزب الله أو الغدر الصهيوني، إنما القضية أكبر بكثير".
وتسرد سبيتي، وهي أم لطالب جامعي وطفلتين، لـ"العربي الجديد"، كيف خاف أولادها لحظة وقوع الغارة، غير أنها سعت إلى رفع معنوياتهم من خلال الإصرار على متابعة دروسهم ومواصلة الحياة بشكل طبيعي. تقول: "هدف الضربة الإسرائيلية معروف، فهم يستهدفون أشخاصاً معيّنين، وكلنا أمل أن تنتهي هذه الظروف العصيبة بأقل خسائر ممكنة، وأن تنجو الضاحية الجنوبية وقرى وبلدات الجنوب وكل الشعب اللبناني".
يقيم الشاب سميح رسلان في محيط منطقة الغارة، ويكشف أنه كان يمر بسيارته في الشارع عندما سمع دوي الانفجار، فأدرك أنه ليس جدار صوت، ويقول لـ"العربي الجديد": "حاولت الاستفسار عبر مجموعات واتساب، ثم بدأت تردني الأخبار بشأن الغارة الإسرائيلية قبل أن يتبدل المشهد مع مسارعة سيارات الإسعاف إلى المنطقة على وقع صفارات الإغاثة، ووسط حركة كثيفة للدراجات النارية".
يضيف الثلاثيني المتخصص في التسويق: "بدأ الأهالي يتوافدون، وغصت المنطقة بالمواطنين على وقع الصراخ والبكاء، فسارعتُ إلى المنزل للاطمئنان على أهلي، ولملمنا أغراضنا على وجه السرعة وغادرنا إلى منطقة الطريق الجديدة في بيروت. منزلنا لم يتضرّر، لكننا سننتظر في الطريق الجديدة لبضعة أيام ريثما تهدأ الأوضاع، وسنعود حتماً إلى الضاحية الجنوبية، فلا سبيل أمامنا سوى العودة، والدعوة بالفرج القريب".
كانت نادين، الأم لولدين، بمفردها في المنزل لحظة وقوع الغارة، وتقول: "بيتي ليس في الشارع المستهدف، لكني سمعت صوت انفجار قويّ، فانتظرت قليلاً لاستيعاب ما حصل، ثم هرعت لتوضيب أغراضنا وملاقاة ولديّ اللذين كانا في المدرسة، وقد غادرنا الضاحية بحثاً عن مكان آمن".
في سياق متصل، يؤكد مصطفى شبيب، من بلدة كونين، والمقيم في الضاحية الجنوبية، أن الاعتداءات الإسرائيلية السافرة بحق المدنيين والأبرياء باتت متكررة، لكنها لن تؤثر على المعنويات، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت برفقة عائلتي في زيارة إلى مدينة النبطية (جنوب)، غير أن العاملين لديّ كانوا يقومون بتوزيع نقليات مياه على أهالي المنطقة، حيث وقعت الغارة، ومن حظهم أنهم نجوا من الموت ولم يتأذى أي منهم".
لا يزال مصطفى، الأب لثلاثة أطفال، قابعاً في النبطية بانتظار استقرار الأوضاع، ويؤكد أنه سيعود إلى الضاحية، مردّداً: "لسنا خائفين، وكلنا أمل بتحقيق النصر رغم حالة الرعب والهلع التي سادت المنطقة عقب الغارة وتفجيرات البيجر والأجهزة اللاسلكية".