قرّر الاحتلال الإسرائيلي، مؤخراً، تجريد الناشط والمحامي الفلسطيني، صلاح الحموري، من حقّه في الإقامة في مدينته القدس التي ولد وعاش فيها، ليبدأ الناشط معركة قانونية ضدّ هذا القرار
وكأنّ سنوات اعتقاله مجتمعة، التي قاربت التسع سنوات، لم تكفِ الاحتلال الإسرائيلي بعد؛ إذ هو يسعى منذ أسابيع، إلى ترحيل الناشط الفلسطيني المقدسي، المحامي صلاح حسن الحموري، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، عن مسقط رأسه، القدس، علماً أنّه يحمل الجنسية الفرنسية أيضاً.
قوات الاحتلال كانت قد اعتقلت الحموري منذ عامين، بعد اعتقال سبقه يزيد عن ست سنوات ونصف، بتهمة التخطيط لاغتيال الزعيم الروحي لحركة شاس الدينية المتطرّفة، الحاخام عوفاديا يوسف، ليبلغ مجموع اعتقاله نحو تسع سنوات. ووُضع من أغسطس/ آب 2017 حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2018، رهن الاعتقال الإداري بدون محاكمة لمدة ستة أشهر. ثم قرّر الاحتلال، أخيراً، تجريده من حقه في الإقامة بالقدس، رغم كونه ولد فيها، ورغم حمله الجنسية الفرنسية، إذ هو ينحدر من أم فرنسية وأب فلسطيني. لكن ذلك لم يمنع الاحتلال من اعتقاله، ثم توّج فترات الاعتقال السابقة بقرار هو أشد إيلاماً، يقضي بإبعاده عن مدينته وتجريده من حقّ الإقامة فيها.
كذلك، منع الاحتلال زوجة الحموري، أليسا ليفورت، من دخول فلسطين ومن ثم قام بترحيلها إلى فرنسا. آنذاك كانت ليفورت تعمل في مكتب تابع للسفارة الفرنسية، وكانت تحمل تأشيرة دخول قانونية إلى فلسطين مدتها عام، وأثناء عودتها في ديسمبر/ كانون الأول عام 2016، من فرنسا، جرى احتجازها وهي حامل في الشهر السابع لمدة ثلاثة أيام في مركز توقيف بالمطار، ثم قاموا بترحيلها إلى فرنسا. والحموري متهم إسرائيلياً، بأنه ناشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبأنه يشكل خطراً على أمن الاحتلال، في قرار سابق صدر في العام 2016.
وكان الحموري اعتقل في المرة الأولى عام 2001 لمدة 5 أشهر، ثم في العام 2004 اعتقل إدارياً لمدة 4 أشهر، كما اعتقل لمدة 7 سنوات عام 2005، وأعيد اعتقاله للمرة الرابعة عام 2017 إدارياً لمدة 13 شهراً، كما منع من دخول الضفة الغربية لمدة عامين.
التقى "العربي الجديد" الحموري، الذي يعمل باحثاً في شؤون الأسرى الفلسطينيين، ووصف قرار وزير داخلية الاحتلال، أرييه درعي، بأنّه قرار سياسي بامتياز وليس قراراً أمنياً، وقال: "ما وجّه إليّ في تبرير قرار درعي بإبعادي عن القدس وتجريدي من حق الإقامة باطل، ولا يستند إلى أية حقائق، هم فقط ينتقمون منا، وهذا جزء من سياسة تهدف لترحيل المقدسيين عن المدينة المقدّسة، وهي تستهدف المناضلين من أبناء القدس، حتى يكفّوا عن مقاومتهم ورفضهم للاحتلال". وكما ورد في قرار درعي، فإنّ بمقدور الحموري الاعتراض، وقد منح لهذا الغرض مدة ثلاثين يوماً لتقديم اعتراضه. وفي هذا السياق، قال الحموري لـ"العربي الجديد": "لقد بدأت على الفور بإجراء مشاورات واتصالات مع محامين، والعمل على تشكيل طاقم دفاع قانوني ضدّ إبعادي، وأنا ماضٍ في رفضي لهذا القرار والتصدي له، خيارنا البقاء والصمود في مدينتنا، مهما كان الثمن".
وبالفعل، قدم فريق الدفاع عن الحموري التماسين لكلّ من وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، الذي أصدر القرار، والمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، طالب فيهما بتمديد المهلة المحددة للإبعاد، وحتى أمس لم يتلقَّ الفريق أيّ ردّ.
وفي ما يتعلّق بموقف السلطات الفرنسية من القرار الإسرائيلي، قال الحموري: "صدر بيان فرنسي بهذا الخصوص يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن قرارها، ويؤكّد على حقي في البقاء بالقدس. برأيي، إنّ الحكومة الفرنسية تملك الكثير من الوسائل لو أنها أرادت منع تنفيذ هذا القرار، وعليها القيام بذلك، خاصة أنّ القرار الإٍسرائيلي ينتهك القانون الدولي".
ويعيد قرار وزير الداخلية الإسرائيلي بإبعاد الحموري، إلى الذاكرة، قضية إبعاد عدد من نواب القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني، إضافة إلى وزير القدس الأسبق، خالد أبو عرفة.
وبرزت قضية إبعاد النواب المقدسيين عن المدينة المقدّسة، عقب فوزهم في الانتخابات التشريعية عام 2006 ضمن قائمة التغيير والإصلاح الممثّلة عن حماس، حينها أصدرت وزارة الداخلية الإسرائيلية قرارها بسحب بطاقات الإقامة من النواب بحجّة انتمائهم لحركة حماس.
وكانت أولى ذرائع الاحتلال في هذا الخصوص، أنّ ترشّحهم كان ضمن قوائم تنظيم معادٍ. ووضع النواب حينها بين خيارين، إبعادهم عن القدس أو الاستقالة من المجلس التشريعي الفلسطيني والحكومة، وكان في هذا مخالفة واضحة لاتفاقية أوسلو، التي ضمنت وسمحت لسكّان مدينة القدس بالترشّح والانتخاب.
أمّا ذريعة الاحتلال الثانية، فتمثّلت في عدم الولاء للدولة. وتحت هذه الذريعة، أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي، قرار الإبعاد، إذ قالت الحكومة الإسرائيلية آنذاك، في ردّها على الالتماس الذي قدم بهذا الشأن، إنّ النواب قد تمّ انتخابهم باسم حركة حماس المعادية، وانتهكوا وبشكل خطير الحد الأدنى من الالتزام لدولة إسرائيل، وهي التهمة ذاتها الموجّهة حالياً للناشط الحموري. لكن المقصود بالـ"ولاء"، غير واضح وفضفاض، وبذلك يستطيع الاحتلال إبعاد أيّ شخص عن القدس متى شاء، بالإضافة إلى أنّ القانون مخالف للمادة 45 لعام 1907 من اتفاقية لاهاي الرابعة، والذي ينصّ على أنه لا يحق للمحتلّ طلب الولاء من السكان الذين يحتلّهم، كما شكّل قرار الإبعاد مخالفة واضحة للمادة 49 من وثيقة جنيف الرابعة، والتي تمنع إبعاد الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة، كما أنه ينتهك الحقوق الدستورية للبرلمانيين.
بدوره، يرى منسّق الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس المحتلة، زكريا عودة، أنّ سياسة سحب بطاقات الهوية من المقدسيين وتجريدهم من حقهم في الإقامة بمدينتهم، سياسة ثابتة وممنهجة ولم تتوقف، فمنذ العام 1967 ولغاية الآن، تمّ سحب حوالي 14650 بطاقة هوية وإقامة من أصحابها، وبالتالي لم يعد هؤلاء يتمتّعون بأيّ حق في السكن والإقامة.
قانون العودة لسنة 1950، أقرّه الكنيست في 5 يوليو/ تموز 1950، وأصبح ساري المفعول في اليوم التالي، وقد خضع هذا القانون لتعديلين لاحقين، أحدهما تمّ في أغسطس/ آب 1954، والثاني في مارس/ آذار 1970، وهو قانون يفتح الباب على مصراعيه لهجرة اليهود، ومنحهم المواطنة بشكل فوري. وفي عام 1970، عُدّل القانون ليشمل أصحاب الأصول اليهودية وأزواجهم، وفي المقابل يُحرم الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم وحقهم في المواطنة في أماكن ولدوا فيها، وعاشوا فيها أباً عن جدّ ويقيمون فيها.
ويذكر قانون الجنسية "المواطنة" لسنة 1952، أنّ الكنيست الإسرائيلي أقرّ بتاريخ 1 إبريل/ نيسان 1952، قانون الجنسية الإسرائيلية، وأصبح ساري المفعول في 14 سبتمبر/ أيلول 1953، وتنصّ المادة (11) من قانون الجنسية على إلغاء المواطنة "بسبب خيانة الأمانة، أو عدم الولاء للدولة".
وفي سياق أوسع، تشمل "خيانة الأمانة"، كلّ من يحصل على الإقامة الدائمة في واحدة من تسع دول عربية وإسلامية (المُدرجة في القانون، إضافة إلى قطاع غزة)، دون الحاجة لتوافر مسوّغات جنائية، ويمنح هذا القانون حقاً للمحاكم بإسقاط الجنسية الإسرائيلية عن المدانين بالتجسّس والخيانة، ومساعدة العدو في وقت الحرب، وأعمال الإرهاب على النحو المحدد بموجب "قانون حظر تمويل الإرهاب 2005"، إذا ما طلبت وزارة الداخلية منها القيام بذلك كجزء من عقوبة جنائية. ويمكن إلغاء جنسية إنسان فقط، في حال كونه صاحب جنسية مزدوجة أو إذا كان يسكن خارج إسرائيل.
ويعتبر قانون الدخول إلى إسرائيل لسنة 1952 الفلسطينيين المقيمين، مثلهم مثل الأجانب القادمين من الخارج للعمل فيها، حيث أصبح القانون مرجعاً لوزارة الداخلية الإسرائيلية، وفي عام 1974 أدخلت سلطات الاحتلال تعديلاً على القانون، بموجبه أعطي وزير الداخلية الإسرائيلي، صلاحية إلغاء الإقامة لأي شخص.
وفي حين، بدأت سلطات الاحتلال بتطبيق القرار 88/282 الخاص بمركز الحياة عام 1995، أضيف معيار جديد لسحب الهويات، يتمثّل في ما سمي "مركز الحياة"، الذي يكتنفه الكثير من الغموض في التعريف، إذ يقضي بسحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة، بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة سبع سنوات.