شلل الأطفال في غزة: مشاهد من حملة التطعيم بالوسط

01 سبتمبر 2024
من حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال في دير البلح، وسط قطاع غزة، 1 سبتمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

شهد اليوم الأحد توافد آلاف الفلسطينيين، من أهالي محافظة دير البلح الواقعة في وسط قطاع غزة وكذلك من النازحين فيها، إلى مراكز التطعيم التي استُحدثت لتزويد صغار غزة باللقاح المضاد لمرض شلل الأطفال الذي يهدّد بتفاقم الأزمة الصحية في القطاع المحاصر والمستهدف بحرب إسرائيلية منذ أكثر من 11 شهراً.

وبدا مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح مكتظاً اليوم بالمواطنين الذين راحوا يتوافدون إليه منذ الصباح، شأنه شأن سواه من نقاط التطعيم التي حدّدتها وزارة الصحة في قطاع غزة بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وشركائها.

وقد برزت علامات سوء التغذية والإعياء على الأطفال الفلسطينيين الذين اصطحبهم أهلهم إلى مستشفى شهداء الأقصى وغيره لتلقّي اللقاح المضاد لشلل الأطفال، نتيجة سياسة التجويع التي يعتمدها الاحتلال في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها على القطاع وأهله منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد دعت، أمس السبت، الفلسطينيين إلى اصطحاب أطفالهم المستهدفين بحملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال التي وُصفت بالطارئة، أي الذين تتراوح أعمارهم ما بين صفر وعشرة أعوام، وإن سبق لهم أن تلقّوا جرعة أو جرعتَين من اللقاح المضاد لشلل الأطفال قبل السابع من أكتوبر. ويأتي التشديد على تطعيم جميع الأطفال المشمولين بالحملة الطارئة، حرصاً على وقايتهم من شلل الأطفال الذي رُصد الفيروس المسبّب له في قطاع غزة والذي أوقع أخيراً ضحيّته الأولى فيه بعد 25 عاماً.

في هذا الإطار، قال مدير المستشفيات الميدانية لدى وزارة الصحة في قطاع غزة مروان الهمص لـ"العربي الجديد" إنّه بعد اكتشاف الفيروس المسبّب لمرض شلل الأطفال في قطاع غزة، تواصلوا مع منظمة الصحة العالمية للتأكّد من عدوى رُصدت لدى الطفل الرضيع، وذلك من خلال فحص في مختبرات خارج القطاع. وهكذا شُخّصت الإصابة الأولى بشلل الأطفال الذي كان قد اجتُثّ.

أضاف الهمص أنّ وزارة الصحة تواصلت مع المنظمات المعنية لتوفير جرعات اللقاح اللازمة لأطفال غزة الذين هم دون سنّ العاشرة والذين يفوق عددهم 640 ألف طفل، مشيراً إلى أنّ "هذا عدد كبير، بالتالي فإنّ أيّ انتشار للمرض سوف يكون وبالاً على القطاع". وقد ربط الهمص رصد فيروس شلل الأطفال في قطاع غزة والإصابة الأولى بالمرض فيه بالحرب الإسرائيلية القائمة وبمنع الاحتلال إدخال اللقاحات إلى القطاع المحاصر، إلى جانب تدمير المستشفيات والبنية التحتية وشبكة المياه الصالحة للشرب.

وأكد الهمص أنّ وزارة الصحة في قطاع غزة تجهد لمنع انتشار المرض، وهي تستند إلى فرق طبية كاملة خضعت لدورات خاصة، وهي بالتالي مؤهّلة لتنفيذ حملة التطعيم الطارئة التي انطلقت جولتها الأولى اليوم في محافظة دير البلح (وسط)، لتكمل في محافطتَي خانيونس ورفح (جنوب) ما بين الخامس من سبتمبر 2024 والتاسع منه، وتنتهي في محافظتَي غزة وشمال غزة (شمال) ما بين التاسع من الشهر الجاري و12 منه. ومن المتوقّع أن تستمرّ كلّ مرحلة من الجولة الأولى ثلاثة أيام، مع الاستفادة من الهدن الإنسانية المتقطّعة التي وافقت عليها سلطات الاحتلال يوم الخميس الماضي.

وتابع المسؤول الفلسطيني أنّ وزارة الصحة في قطاع غزة تعمل من أجل الوصول إلى كلّ طفل مستهدف في قطاع غزة وتزويده باللقاح المضاد لشلل الأطفال، على الرغم من كلّ محاولات الاحتلال الآيلة إلى عرقلة حملة التطعيم.

ويأتي ذلك في حين يعاني قطاع غزة من أزمة صحية دفعت وكالات الأمم المتحدة ومنظملت ومؤسسات صحية وحقوقية دولية إلى التحذير من خطورة تفشّي الأمراض في القطاع بين الفلسطينيين، ولا سيّما وسط التهجير المستمرّ والظروف المعيشية الصعبة والواقع المأساوي الناجم عن عدم توفّر مستلزمات النظافة والأدوية واللقاحات الروتينية والأغذية والمياه النظيفة وغيرها. ولعلّ الاكتظاظ المسجّل في مراكز الإيواء والمخيمات التي يلجأ إليها المهجّرون يمثّل، بحدّ ذاته، سبباً كافياً لانتشار الأمراض، خصوصاً الأمراض الجلدية والتهاب الكبد من النوع "إيه".

"ارتياح" و"فرح" إزاء حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال

في مركز طبي بمخيّم الزوايدة الواقع في وسط قطاع غزة، لا تخفي الفلسطينية بسمة البطش فرحتها، إذا صار في إمكانها تطعيم أولادها ضدّ شلل الأطفال مع وصول اللقاحات وإطلاق حملة التطعيم الطارئة اليوم الأحد. وقد تجمّع عشرات الأهالي مع أطفالهم أمام المركز ينتظرون تزويد الصغار بالجرعة الأولى من اللقاح المضاد لشلل الأطفال، على أيدي أفراد طواقم طبية توزّعوا في المكان. ويؤكد هؤلاء الأهالي، بحسب ما نقلت عنهم وكالة فرانس برس، أنّهم تلقّوا صباح اليوم رسائل نصيّة قصيرة على هواتفهم يُطلب منهم من خلالها إحضار أطفالهم للتطعيم.

وتقول بسمة البطش: "أشعر بالفرح والارتياح... كنت خائفة على أطفالي من الشلل والأمراض"، مضيفةً: "لكن الحمد لله أنا الآن سعيدة، لأنّ أولادي سوف يحصلون على اللقاح". وفي داخل المركز الطبي في الزوايدة، كانت  صناديق اللقاحات تتكدّس في إحدى الغرف، وهي تحمل اسم منظمة يونيسف. في الخارج، كانت كتيّبات تُوزَّع تحمل عنوان "أسئلة وأجوبة حول شلل الأطفال"، في حين عُلّقت على جدران المركز ملصقات خاصة بحملة التطعيم الطارئة.

من جهتها، تخبر غدير حجي، وهي أمّ لخمسة أطفال دون العاشرة من عمرهم، أنّها شعرت بالخوف عندما علمت بأنّ حالة شلل الأطفال تأكّدت في قطاع غزة. تضيف: "شعرنا بالخوف على أطفالنا، وطالبنا بضرورة توفير اللقاح لهم". وبحسب حجي، "تلقّينا رسائل من وزارة الصحة وأتينا إلى هنا فوراً".

وكانت إصابة الطفل الرضيع عبد الرحمن أبو الجديان البالغ من العمر عشرة أشهر بمرض شلل الأطفال أخيراً، ليكون الحالة الأولى المرصودة في قطاع غزة، قد أثارت الهلع في نفوس الأهالي. فهؤلاء لا يعرفون كيف يحمون أطفالهم من القذائف والجوع والتهجير، فكيف يحمونهم من فيروس خطر قد يتسلّل إلى أجسادهم، مع احتمال شلّ تلك الأجساد أو إصابتها بتشوّهات، علماً أنّ العدوى التي تنتشر بسرعة قد تؤدّي كذلك إلى وفاة الصغار الذين أُصيبوا بها؟ وكانت عائلة عبد الرحمن قد أفادت بأنّها اضطرت إلى النزوح مراراً بسبب الحرب، وأنّها لم تتمكّن من تزويده باللقاحات الأساسية اللازمة، شأنه في ذلك شأن أطفال غزة جميعاً، خصوصاً مع انهيار المنظومة الصحية في القطاع.

وفي الإطار نفسه، لفتت المتحدثة باسم وكالة أونروا لويز ووتردج إلى أنّ ثمّة فرقاً صحية متنقّلة توفّر اللقاح المضاد لشلل الأطفال للفلسطينيين الصغار في مخيمات النزوح بوسط غزة، وتضع علامة بالحبر على إبهام الطفل الذي حصل على لقاحه.

المساهمون