تعرقل السلطات الأمنية المسيطرة على مخيمي اليرموك وفلسطين وجزء كبير من حي التضامن في العاصمة السورية دمشق، عودة الأهالي إلى منازلهم وعقاراتهم، وتحرمهم من فرصة إصلاح أو ترميم المنازل القابلة للسكن وحتى غير المتضررة بشكل مباشر.
ويتخوف النازحون من المنطقة من فقدان حقهم في ملكية هذه العقارات وسط أنباء عن تملك الفصائل الإيرانية والتابعة لها آلاف العقارات من خلال عقود شراء رسمية عبر سماسرة، وبتسهيلات من القوى الأمنية الموجودة في المنطقة. نزح مصطفى غ. من مخيم اليرموك إلى محافظة درعا منذ عام 2014، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه استطاع بعد محاولات عدة، وبعد دفع رشاوى، أن يصل إلى منزله ليجد أنه لم يتضرر بشكل مباشر، باستثناء بعض الفوضى بداخله. وعلى الرغم من وجود عدد من الأبنية الصالحة للسكن والمأهولة إلى جواره، إلا أن القوات الموجودة في المنطقة حذرته من محاولة إعادة ترميم المنزل أو التفكير بالعودة للسكن فيه. ونصحه أحد عناصر الحاجز القريب أن يتخلص منه بأي ثمن، وعرض عليه خدماته في حال الموافقة على البيع. يضيف: "تستمر أعمال الهدم لبعض الأبنية، وقد سويت العديد من المنازل التي أعرف أصحابها بالأرض وسُحب الحديد من أسطحها. وفي الوقت نفسه، شاهدت مساكن بعض الجيران مأهولة بسكان جدد لم أعرفهم من قبل".
ويشكل سكان العشوائيات التي تحيط بدمشق حوالي 40 في المائة من سكان دمشق قبل بدء الحرب، وازدادت هذه النسبة نتيجة النزوح الجماعي إليها خلال سنوات الحرب الأولى، ثم تأرجحت بحسب ضراوة الاقتتال في بعضها، مثل جوبر ومخيمات اليرموك وفلسطين والتضامن، وتحييد بعضها عن الاقتتال، مثل المزة 86 وعش الورور والطبالة وغيرها من الأماكن التي بقيت آمنة نسبياً وصُنفت بالموالية، ما أدى إلى نزوح من الأولى وازدحام في الثانية.
ولا توجد إحصائيات دقيقة أو تقريبية حول أعداد المهجرين من الأولى أو القاطنين في الثانية، لكن معظم أحياء اليرموك وفلسطين باتت خالية من سكانها، الأمر الذي أكدته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا) في تقريرها عام 2022. وأفادت بأنه لم يعد إلى مخيم اليرموك الذي كان أكبر تجمع للنازحين الفلسطينيين سوى 4000 شخص من أصل أكثر من مليون وستمائة ألف هم عدد سكان المخيم قبل الحرب، في حين حصل 6000 مواطن على الموافقة الأمنية للعودة لكنهم لم يعودوا حتى الآن.
ويقول مدرس اللغة الإنكليزية هاشم ع. لـ"العربي الجديد"، إنه يملك منزلاً من ثلاثة طوابق في حي التضامن، ويقطن بالإيجار في مدينة جرمانا منذ عام 2012. وعلى الرغم من عدم تضرر منزله، لم تسمح له السلطات بالعودة إليه بحجة أنه مجاور لأبنية متضررة من جراء الحرب، بل إنها آيلة للسقوط كما ادعوا، فيما عُرض عليه بيعه أكثر من مرة بأسعار زهيدة لا تشتري له غرفة واحدة في أي مكان آمن. ويشير إلى أنه "يملك عقد ملكية زراعية بالأرض التي قام عليها البناء وهذا ما يحميه إلى حد ما قانونياً، ولكن معظم الذين يعرفهم في الجوار لا يملكون دليلاً على ملكيتهم سوى عداد المياه والكهرباء وفواتير دفع ضرائب أو عقد الإيجار، وهذا بمجمله يسهل على السماسرة والجهات الحكومية تبديله لأسماء أخرى وإلغاءه، وهناك الكثير ممن يعرفهم وجدوا قاطنين جدداً في منازلهم وفق عقود إيجار أو عقود بيع وشراء جديدة".
وكانت محافظة دمشق قد أصدرت قبل أعوام مصوّراً تنظيمياً لبعض مناطق المخالفات في دمشق ومحيطها، مثل منطقة خلف مستشفى الرازي والقابون الصناعي وحي تشرين وبرزة وعش الورور. وأكدت عزمها على دراسة جميع المناطق العشوائية خلال السنوات اللاحقة وفق المرسوم 66 لعام 2012، والذي يحصل بموجبه المواطن الذي كان يقطن في العشوائيات على سكن بديل، ويكون المنزل الجديد بسعر الكلفة وبالتقسيط. وحددت في ما بعد أسعار الاكتتاب لمشروعها الأول خلف مستشفى الرازي والمؤلف من 550 شقة، ودعت مؤسسة الإسكان المستحقين للسكن لدفع القسط الأول والذي يراوح ما بين 22 و66 مليون ليرة سورية.
وحذر عضو المكتب التنفيذي للتخطيط فيصل سرور، في وقت سابق، من أن هذه المخططات والتنفيذ قد يأخذ أكثر من 50 عاماً للانتهاء من تنظيم المناطق العشوائية.
أحد المحامين المطلعين على عدد من قضايا التزوير والاحتيال في مناطق العشوائيات يقول لـ"العربي الجديد"، إن السلطات الحاكمة تماطل في السماح للنازحين من هذه المناطق بالعودة إليها وتسهل أعمال البيع والشراء وفق بيانات ملكية زراعية أو فواتير كهرباء ومياه أو بيان وفاة للمالك وعقد إيجار للقاطن، وفي مجمل هذه البيانات تكون الفرصة كبيرة لأعمال التزوير والاستيلاء. ويؤكد أن عشرات العائدين إلى منازلهم وجدوا فيها قاطنين جدداً وفق عقود بيع وشراء أو عقود إيجار مثبتة في إحدى البلديات ومن المختار المختص في المنطقة، فيما وجد آخرون العشرات من السكان الإيرانيين في منازلهم وفق عقود بيع نظامية، وخصوصاً في المناطق المحيطة بالسيدة زينب وطريق المطار، مثل بيت سحم وشبعا بالإضافة إلى مخيمات اليرموك وفلسطين.
وفي يوليو/ تموز عام 2021، أكد مركز "جسور للدراسات" أن الحرس الثوري الإيراني استطاع توطين عائلات مقاتلين يتبعون له من جنسيات إيرانية وأفغانية بشكل رئيسي، بالإضافة إلى جنسيات أخرى، من خلال تملُّك أكثر من 22 ألف عقار سكني وتجاري وصناعي في محافظة ريف دمشق، مستفيداً من القانون رقم 10 لعام 2018. وحذر "جسور" من أن خطة إيران تشمل المحيط الإداري لمدينة دمشق بشكل عام، إلى جانب ملفي منح الجنسية السورية لمقاتليها الإيرانيين والأفغان.
ويقول الناشط ساري الحمد لـ"العربي الجديد"، إن السلطة الحاكمة في دمشق تعمل منذ سنوات على دعم التوطين في الأماكن المصنفة موالية، مثل المزة 86 وحي تشرين وحي الورور وغيرها، فيما تعرقل إعادة النازحين إلى منازلهم وعقاراتهم في معظم المناطق العشوائية المحيطة بدمشق والتي كان يقطنها سكان صنفوا بالمعارضة.
ولتحقيق ذلك، تسن التشريعات والقوانين، مثل التشريع 66 لعام 2012 والقانون 10 لعام 2018، بما يخدم توجهات السلطة في منع عودة النازحين وإجبارهم على بيع عقاراتهم ضمن شروط تخدمها. وفي النتيجة، تشهد دمشق تغيراً ديمغرافياً كبيراً لم يتوقف عند المناطق العشوائية، بل أصبح في قلب دمشق القديمة ويتمدد في كل الاتجاهات.