سجون مصر... البرد ينافس الإهمال الطبي على القتل

05 يناير 2023
اكتظاظ وإهمال طبي في السجون المصرية (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

 

ينص الدستور المصري على تجريم تعريض المسجونين أو المحتجزين لما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحتهم للخطر، لكن رغم ذلك تتكرر بشكل متواتر حالات الوفاة في السجون نتيجة أوضاعها السيئة، والإهمال الطبي المعتمد.

قبل أيام، تذكر الناشط السياسي المصري المفرج عنه مؤخراً بموجب عفو رئاسي، عبد الرحمن طارق، الشهير بـ"موكا"، زميله في زنزانة سجن طرة تحقيق، جنوبي القاهرة، عبد الرحمن زوال، والذي مات في السجن قبل أشهر، وقال إنه "لم يمت نتيجة التعذيب. لقد مات من البرد بعد نقله إلى زنزانة التأديب من دون أغطية ولا ملابس كافية في عز الشتاء".

ما رواه "موكا" عن زميل زنزانته الراحل، قد يفسر تصاعد عدد الوفيات في السجون ومقار الاحتجاز المصرية المختلفة خلال الأشهر القليلة الماضية، وربما يفسر حدوث أربع وفيات خلال 48 ساعة في سجون ومقار احتجاز مختلفة قبل أيام معدودة.

في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، توفي المحتجز فتحي النجدي سالم داخل قسم شرطة الزقازيق، وكان يعاني من مرض السكري، وتدهورت حالته الصحية، ثم نقل إلى مستشفى الزقازيق العام، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة. وقبله بساعات، توفي المسجون مسعد الشافعي، داخل محبسه بسجن القناطر، وكان رجل أعمال من قرية كفر حكيم بمركز كرداسة في محافظة الجيزة.

وقبلهما بساعات أيضاً، توفي المسجون أشرف عبد السلام منصور، وشهرته "أشرف سلمي"، في سجن برج العرب بمحافظة الإسكندرية، في 22 ديسمبر، وفي اليوم السابق، توفي السجين السياسي، جهاد عبد الغني، بعد معاناة مع مرض السرطان، وإهمال متعمد لحقه في الرعاية الصحية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتنص المادة 55 من الدستور المصري الحالي، على أن "كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك، لائقة إنسانياً وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقاً للقانون، وللمتهم حق الصمت، وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه".

كما تنص المادة 56 من الدستور، على أن "السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائى، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر، وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم".

وعادة ما تعلن منظمات حقوقية مصرية وفاة موقوفين سياسيين في السجون ومقار الاحتجاز دون التأكد من سبب الوفاة، ولا سيما إذا كانت نتيجة الإهمال الطبي بعد فترة من المرض، أو الشكاوى غير المنظور فيها.

وتتكرر الوفيات في السجون ومقار الاحتجاز المصرية بشكل مخيف، وأغلبها بسبب الإهمال الطبي، وبعضها بسبب البرد القارس، فضلاً عن أسباب آخرى، وقد رصدتها تقارير متعددة لمنظمات حقوقية، ففي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، رصدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، نقل السلطات الأمنية المصرية قرابة 570 سجيناً سياسياً من "سجن ليمان 440 وادي النطرون" إلى مجمع سجون وادي النطرون الجديد، ورفضت السلطات الأمنية السماح للسجناء بأخذ أمتعتهم أو أغراضهم الشخصية من ملابس وأغطية وأدوات معيشة، ثم سلمت السجناء بطانيتين مصنوعتين من خامات رديئة، مع ملابس السجن.

الصورة
السجون الجديدة تمارس فيها نفس سياسات القديمة (خالد دسوقي/فرانس برس)
السجون الجديدة تمارس فيها نفس سياسات القديمة (خالد دسوقي/فرانس برس)

ورغم اعتراض السجناء على الإجراءات الصارمة التي لا تسمح بدخول الأغراض والملابس، والتي تشكل أعباء جديدة تضاف إلى إجراءات النقل والتجريد، ولا سيما مع دخول فصل الشتاء والبرد القارس، لم يتم الاستجابة لأي من مطالبهم، حتى أن مطالب المرضى وكبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة تم تجاهلها على الرغم من وجود السجن الجديد فى قلب الصحراء، حيث المناخ شديد البرودة شتاء، وشديد الحرارة صيفاً.

وبالتزامن مع حلول فصل الشتاء، وثقت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، تعرض السجناء المحتجزين داخل مجمع بدر الأمني، وتحديدًا في "مركز إصلاح وتأهيل بدر 3"، لحملة ممنهجة من التعذيب النفسي والبدني بعد مطالبتهم بزيادة كميات الطعام، وأغطية الشتاء.

ووفق شهادات وثقها فريق المنظمة؛ فإن إدارة السجن استخدمت الصعق بالكهرباء، والغاز المسيل للدموع ضد بعض السجناء الذين قرروا الاحتجاج أو الإضراب اعتراضاً على ظروف السجن السيئة، وصرف بطانية واحدة لكل سجين رغم البرد القارس، وإضاءة الزنازين بشكل دائم مما يؤثر عصبياً على المعتقلين.

وقد تسبب الإهمال الطبي في وفاة 60 محتجزاً على الأقل داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية خلال عام 2021، حسبما وثقت منظمة "نحن نسجل" في الإحصاء السنوي، وقالت إنهم ينقسمون إلى 52 ضحية من السجناء السياسيين، و8 سجناء جنائيين، وكان من بينهم 6 أطفال.

ومنذ مطلع عام 2022، توفي 35 من السجناء السياسيين على الأقل، إما نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، أو البرد، أو الوفاة الطبيعية في ظروف احتجاز غير آدمية تجعل الوفاة في حد ذاتها أمراً غير طبيعي، إذ تفتقد السجون المصرية بشكل عام إلى مقومات الصحة الأساسية، والتي تشمل الغذاء الجيد، والمرافق الصحية، وخصوصاً دورات المياه الآدمية التي تناسب أعداد السجناء، وكذلك الإضاءة والتهوية، وفترات التريض، كما تعاني في أغلبها من التكدس الشديد للسجناء.

وأكدت منظمات حقوقية مصرية مرات متعددة على وجود تقاعس ممنهج من قِبَل مصلحة السجون في الاستجابة للطوارئ الصحية، ومضاعفات الأمراض المزمنة للمحتجزين، ويشمل ذلك المحبوسين احتياطياً والمساجين السياسيين.

ويبلغ عدد السجون في مصر 68 سجناً، أُنشِئ 26 منها بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، وعلاوة على هذه السجون، هناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافةً إلى السجون السرية في المعسكرات، وفقاً لتقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

المساهمون