عاد قمع الأقليات المسلمة في منطقة شينجيانغ إلى العناوين مع زيارة مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه إلى الصين، الإثنين، والزيارة التي تستغرق ستة أيام هي الأولى من نوعها منذ نحو عقدين، وستتوجه باشليه إلى أورومتشي وكاشغار في شينجيانغ، وكانتون في الجنوب.
وقال مكتب الرئيسة السابقة لتشيلي إنها ستلتقي "عددا من كبار المسؤولين على المستويين الوطني والمحلي"، كما ستلتقي "منظمات المجتمع المدني وممثلي عالم الأعمال، فضلاً عن أكاديميين، وستلقي محاضرة أمام طلاب جامعة كانتون".
لكن الآمال في إجراء تحقيق دولي معمّق في ما وصفته الولايات المتحدة ودول أخرى بـ"الإبادة الجماعية" في شينجيانغ، أثارت قلق منظمات حقوق الإنسان التي تخشى أن يستخدم الحزب الشيوعي الحاكم هذه الزيارة لتلميع صورته.
وتتهم العديد من الدول بكين منذ عام 2017 بممارسة قمع ممنهج لأقلية الأويغور وغيرهم من الجماعات العرقية المسلمة في المنطقة، مثل الكازاخ، كما تتهم النظام الصيني بإيداع أكثر من مليون شخص في معسكرات إعادة تأهيل. في حين تشكك بكين في هذا الرقم، وتؤكد أن الأمر يتعلق بـ"مراكز تدريب مهني" تهدف إلى محاربة التطرف الإسلامي، بعد هجمات منسوبة إلى أشخاص من الأويغور.
تصف الصين اتهامات الإبادة الجماعية بأنها "كذبة القرن"، وتشدد على أن سياستها ساعدت في مكافحة التطرف وتحسين الظروف المعيشية لسكان المنطقة.
وقالت مصادر دبلوماسية في بكين إن باشليه ستلتقي سفراء أجانب افتراضيا الإثنين، قبل أن تسافر إلى شينجيانغ الثلاثاء والأربعاء.
مطالبات لـ "الجنائية الدولية" بفتح تحقيق بشأن أقليّة الأويغور في #الصين #العربي_اليوم pic.twitter.com/7NUbQiqqNL
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 11, 2021
وهذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ 2005، عندما كانت بكين حريصة على تحسين صورتها العالمية قبل أولمبياد 2008. ويطالب مسؤولو الأمم المتحدة الحكومة الصينية منذ عام 2018 بالسماح لهم بـ"وصول حر" إلى شينجيانغ.
لكن النشطاء يخشون أن تكون الزيارة، المقررة منذ مارس/آذار، مجرد استعراض مُرتّب لن يجرى خلاله التطرق إلى القضايا الرئيسية.
وبحسب أكاديميين وأويغور مقيمين في الخارج، يبدو أن سلطات شينجيانغ تخلت في السنوات الأخيرة عن حملات القمع القاسية للتركيز مرة أخرى على التنمية الاقتصادية في المنطقة، وقال بيتر إروين، من مشروع الأويغور لحقوق الإنسان: "ليس هناك حاليا الكثير من الأدلة الواضحة على القمع".
انتقادات لصمت مقررة حقوق الإنسان الأممية إزاء القمع في شينجيانغ
وحذّرت مجموعات مناصرة من أن انتشار الرقابة الحكومية والخوف من الانتقام سيمنع الأويغور في شينجيانغ من التحدث بحرية إلى فريق الأمم المتحدة.
وقالت الباحثة المتخصصة في الشأن الصيني في منظمة هيومن رايتس ووتش مايا وانغ: "نخشى أن تتلاعب الحكومة الصينية بالزيارة لتبييض الانتهاكات الجسيمة في شينجيانغ".
تعرضت ميشيل باشليه لانتقادات أيضًا لأنها لم تكن أكثر صراحة بشأن شينجيانغ. وحذرت الولايات المتحدة، الجمعة، من أن "صمت باشليه المستمر في وجه الأدلة التي لا جدال فيها على الفظائع المرتكبة في شينجيانغ أمر مقلق للغاية".
وقدّر بيتر إروين أن إحجامها عن الانتقاد قد يكون علامة على نفوذ بكين القوي في الأمم المتحدة، والذي يضع المسؤولين "تحت قيود كثيرة"، معتبرا أنه "لو كان الأمر يعني أي حكومة أخرى في العالم، لكان التحقيق قد تم".
على عكس ما حدث في مناطق أخرى، مثل شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، لم تستخدم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تفويض المراقبة عن بعد لشينجيانغ، وليس لها مكتب في الصين.
وبالنسبة لمايا وانغ، تمثل هذه الزيارة "الفرصة الأخيرة لباشليه للحفاظ على سمعتها في ما يتعلق بالشأن الصيني".
وأثار تأخير نشر تقرير ميشيل باشليه عن شينجيانغ، والذي كان مقررا في البداية في سبتمبر/أيلول الماضي، قلق المنظمات غير الحكومية. وقالت متحدثة باسم المفوضية إن التقرير لن ينشر قبل زيارتها إلى الصين، وإنه لم يحدد حتى الآن الموعد النهائي لإصداره.
وتتهم منظمات حقوق الإنسان الصين بارتكاب انتهاكات عديدة في شينجيانغ، أبرزها الاحتجاز الجماعي، والعمل القسري، والتعقيم، والإبادة الثقافيّة، وتقول الولايات المتحدة إن الصين ترتكب "إبادة جماعية" ضد الأويغور الذين يشكلون نحو نصف سكان شينجيانغ، والبالغ عددهم 12 مليون نسمة، وتنفي الصين بشدة هذه الاتهامات.
وشهد معتقلون سابقون بوقوع جرائم اغتصاب وتعذيب داخل تلك المراكز، فضلا عن إشراف مسؤولين صينيين على التلقين السياسي للمحتجزين، وكل ذلك مؤطر بنظام مراقبة واسع. وبحسب وثائق حكومية ظهرت في عام 2018، يحرس تلك المراكز، المحاطة بالأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة، حرّاس مجهزون بالغاز المسيل للدموع والصواعق الكهربائية والهراوات المسنّنة.
وثائق مسربة من الصين كشفت عن فظائع تمارس ضد الأويغور
وسلطت سلسلة من البيانات الحكومية المسرّبة، من بينها ملف سري من عام 2019 يُعرف باسم "وثائق شينجيانغ"، الضوء على نطاق استراتيجية بكين في ما يتعلق بتلك المراكز. وتظهر وثائق أخرى، حصل عليها الأستاذ بجامعة شيفيلد ديفيد توبين، كيف جرى حشد المسؤولين في شمال المنطقة لاستهداف المسلمين بشكل منهجي.
ومن بين الوثائق كتيب نُشر عام 2016، يفصّل أساليب الاستجواب، ويحضّ المسؤولين على توخي الحذر من الأئمة "الجامحين"، والمتديّنين الذين "لهم وجهان".
تُتهم الصين أيضًا بتجنيد الأويغور في برامج "عمل قسري" مرتبطة بسلاسل إمداد دولية في قطاعات عدة، من صناعة الملابس إلى السيارات. وتقول بكين إن الأمر يتعلق بمبادرات تقلل من الفقر من خلال توفير وظائف ذات رواتب جيدة لسكان الريف ذوي الدخل المنخفض.
لكن تشير أبحاث إلى أن السلطات أجبرت عشرات الآلاف من الأشخاص على العمل في حقول ومصانع مرتبطة بمراكز الاعتقال.
تباطأ النمو السكاني بشكل حاد بين عامي 2017 و2019 في بعض مناطق شينجيانغ، حيث تعيش العديد من الأقليات، وفق أوراق بحثية تستند إلى إحصاءات السلطات المحلية الصينيّة. وحصل ذلك في وقت شجّعت الحكومة المركزية السكان المكونين أساسًا من إتنيّة "الهان" على إنجاب المزيد من الأطفال لتجنب أزمة ديموغرافية.
خاضت الصين حربًا ضد ممارسات الأويغور الدينية والثقافية واللغوية في السنوات الأخيرة، وفق باحثين وأويغور مقيمين خارج البلاد. جرى بموجب سياسات الحكومة منذ عام 2017 تدمير أو إتلاف حوالي 16 ألف مسجد في شينجيانغ، أي ثلثي عددها الإجمالي في المقاطعة، وفق معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي.
خلال جولة في المنطقة عام 2019، زار صحافيون عددا من المساجد التي هدمت، أو باتت تستخدم لأغراض أخرى، وهناك تأكيدات أيضا بأن الأويغور يتعرضون لضغوط لعدم التحدث بلغتهم، والتخلي عن عادات إسلامية مثل الصلاة وحيازة الكتب الدينيّة وإطلاق اللحى.
(فرانس برس)